الصورة من اليمين: مجدي مصطفى ونور الشريف وناصر البتانوني، ثم ناصر عراق
في مساء 12 نوفمبر 1978 توجهنا نحن الأصدقاء الثلاثة ناصر البتانوني ومجدي مصطفى وأنا إلى المسرح الجديد بباب اللوق بوسط القاهرة، لمشاهدة مسرحية (بكالوريوس في حكم الشعوب
كنت أنا وناصر آنذاك في الصف الثالث الثانوي بمدرسة شبرا الخيمة الثانوية العسكرية بنين، بينما حصل مجدي على دبلوم التجارة قبل ذلك بعام
كنا من قاطني مساكن حجازي بشبرا الخيمة القائمة بجوار قسم أول شرطة شبرا الخيمة. نعيش مع أهالينا هناك منذ عام 1965، بينما شيدوا هذا القسم في 1971، وعلى مدخله رأيت العساكر يضربون بالعصيّ عمال شبرا الخيمة المتظاهرين في 1972
كانت الجيرة الجميلة تجمعنا كما جمعت آباءنا وأمهاتنا وأشقاءنا الكبار من ذي قبل، وكانت ملاعب الكرة العشوائية حول بيوتنا تفرح بركضنا ومراوغاتنا ومهاراتنا اللافتة في اللعب بالكرة (الشراب) ساعات طويلة خاصة في الصيف أثناء فترة الإجازة
صحبتنا الطيبة هذه بدأت ونحن في أول الدراسة الابتدائية، وظلت تنمو وتتفرع حتى اندلعت معاركنا المكتومة مع البلوغ الذي أشعل في وجداننا الهوس الدائم بالبنات الجميلات
ومع صعود نجوم السينما الشباب آنذاك: محمود ياسين ونور الشريف وحسبن فهمي، شيّعنا غرامنا القديم بالنجوم السابقين الذين فتنونا قبل ذلك أمثال فريد شوقي ورشدي أباظة وشكري سرحان،
وركضنا خلف أفلام هؤلاء النجوم الجدد الذين استحوذوا على دور العرض في مصر المحروسة بامتداد حقبة السبعينيات من القرن الماضي (بلغ عدد سكان مصر سنة 1978 نحو 37 مليون نسمة
كنت أكثرهم ولعًا بالفنون والآداب، وكان ناصر البتانوني أكثرنا حصافة وانتباهًا، أما مجدي مصطفى فأكثرنا خبرة بالحياة وأسرارها ومكائدها، فهو يكبرنا بعامين،
كما أنه تربى في طفولته في حي بولاق العتيد، وهو حي شعبي عريق يمنح أهله خبرة الأيام المتناقضة بيسر وسهولة
هكذا قررنا أن نشاهد نور الشريف وجهًا لوجه على المسرح للمرة الأولى بعد أن امتلأنا برؤيته على الشاشة الفضية، وقد كبرنا بما يكفي لأن يسمح لنا أولياء أمورنا بالسهر خارج بيوتنا حتى مطلع الفجر!.
وبالفعل ما إن رأينا إعلان مسرحية (بكالوريوس في حكم الشعوب) في الصحف وفي الشوارع، حتى ذهبنا إلى المسرح الجديد بميدان باب اللوق (لا أعرف مصيره الآن، فقد اختفى من الوجود قبل سنوات طويلة.
وابتعنا تذاكر في الصفوف الأخيرة وفقا لقدرتنا المالية، فسعر التذكرة في الصفوف الأولى عشرة جنيهات، ثم سبعة ثم خمسة، أما نحن شاغلي الصف قبل الأخير فكان ثمن التذكرة جنيهين فقط، وهو رقم كبير ساعتها لا يتوفر بسهولة في يد طالب في الثانوية العامة
المسرحية تأليف علي سالم مؤلف أشهر مسرحية مصرية في القرن العشرين، وهي (مدرسة المشاغبين)، وكان التليفزيون المصري قد بدأ عرضها منذ 1976، فضحكنا كما لم نضحك من قبل مع عادل إمام وسعيد صالح،
لذا ذهبنا إلى العرض ونحن نتوقع مشاهدة مسرحية كوميدية متميزة رغم علمنا تمامًا بأن نور الشريف ليس ممثلا كوميديًال
أما مخرج العرض فهو الفنان القدير شاكر عبداللطيف، الذي شاءت المقادير أن أتابعه بشغف بعد ذلك بعامين فقط، وهو يتولى إخراج مسرحية (رابعة العدوية) على خشبة المسرح القومي،
والتي لعبت بطولتها السيدة سميحة أيوب ويوسف شعبان ورشوان توفيق، أما مساعد مخرج (رابعة العدوية)، فهو الفنان شريف عبداللطيف شقيق الأستاذ شاكر، وهو صديق عزيز الآن، وتلك قصة أخرى، قد أكتبها يومًا ما.
المهم… مع بدايات انسحاب الشمس وقدوم الموجات الأولى من الليل اللطيف ركبنا الأوتوبيس من ميدان المؤسسة حتى ميدان التحرير، وصعدنا السلم الدائري الذي كان يحيط بالميدان، ونزلنا الدرج عند مدخل شارع التحرير، وسرنا مشيًا على الأقدام حتى بلغنا المسرح
وقفنا نتأمل الصور المعروضة في بهو المسرح لمشاهد من العرض، ومع مرور الوقت توافد الجمهور وبعض النجوم، فشاهدنا الفنانة المتألقة نادية لطفي، والفنانة بوسي زوجة نور الشريف، والمذيع التليفزيوني الشهير ساعتها محمود سلطان ومؤلف المسرحية علي سالم، فكان السرور يعترينا لأننا نرى هؤلاء المشاهير رأي العين
اللافت أننا لم نكن نعرف أي ممثل من أبطال المسرحية سوى علي الشريف ومحمد البشاري ويحيى الفخراني الذي ظهر في بعض المسلسلات في أدوار ثانية (لم يكن مسلسل أبنائي الأعزاء شكرًا المعروف باسم بابا عبده قد عرض بعد)، وهو المسلسل الذي قاد يحيى الفخراني إلى مصاف النجوم الأوائل
أما محمد البشاري فقد لمع نسبيًا في بعض المسلسلات والأفلام في تلك الفترة ثم اختفى تمامًا. وهكذا دفعنا ثمن التذاكر حبًّا في نور الشريف فقط ليس إلا،
وهكذا أيضًا لم نسأل عن بطلة العرض، فمن تكون ليلى علوي؟ فهذه أول مرة نسمع عنها. وقيل لنا إنها مازالت طالبة، ومع ذلك فقد أسعدتنا عندما رأيناها تمثل للمرة الأولى
تدور أحداث المسرحية في إطار كوميدي يدين تدخل أمريكا والاتحاد السوفييتي (لم يكن قد سقط بعد) في دعم الانقلابات العسكرية التي تشهدها دول العالم الثالث، وقد ضم العرض بعض الممثلين الذين عرفناهم بعد ذلك أمثال ممدوح وافي وأحمد شوقي وعلي قاعود،
أما أكثر من أضحكنا في المسرحية، فكان ممثلا جديدًا لم نره من قبل
بدا طويلا نحيفا لعب دور طالب اسمه حسن. فلما انتهى العرض صعدنا إلى خشبة المسرح لنصافح نور الشريف، فاستقبلنا بود شديد رغم التعب الذي استقر في عينيه،
لكني سألته ما اسم الممثل الذي لعب دور حسن؟ فقال على الفور
(هذا ممثل موهوب جدًا، وبعد عام واحد فقط سيكون من أهم الكوميديانات في مصر)، ثم التفت حوله، وصاح: (تعالى يا أحمد يا بدير… الشباب معجبون بك)! فصافحناه بإعجاب، كما صافحنا علي الشريف قبل ذلك
كان علينا أن ندفع جنيهًا كاملا لنوثق هذا اللقاء مع نور الشريف بالصورة الفوتوغرافية المرفقة مع هذا البوست، إذ كان هناك تقليد متبع في ذلك الوقت، وهو التقاط الصور مع النجوم بعد العرض من قبل مصور محترف مقابل مبلغ كبير
وهكذا قبضنا على الزمن في لحظة فارقة في حياتنا مرّ عليها الآن 46 سنة! فقد سجلت خلف الصورة البيانات اللازمة، وهي:
تم التقاط هذه الصورة الساعة الثانية والنصف من صباح 13 نوفمبر 1978
ولكني للأسف لا أذكر كيف عدنا إلى بيوتنا في الثالثة صباحًا؟
هل سرنا على الأقدام نحو 8 كيلومترات، أم ركبنا تاكسي، وهو أمر مستبعد، فميزانية الطلاب لا تسمح مطلقا بهذا الترف المهم أننا عشنا ليلة سعيد لا تنسى