المعلومة الموثقة هى أفضل وسائل الحوار مع أولئك الذين يقدسون الأشخاص ويعتبرونهم الباب الرئيسى للحصول على مفتاح الجنة!، واكتسب الدعاة عبر سنوات طويلة هذا التقديس والإجلال مما جعل البعض يتعامل معهم كأنهم ملائكة تمشى على الأرض!،والتاريخ الذى يتكرر دائما ويعيد شكل الدعاة وسيطرتهم على العقول يجعلنا نعود إلى التوثيق كأفضل طريقة لتوضيح الحقيقة، والكاتب وائل لطفى واحد من أولئك الذين انشغلوا بملف الدعاة منذ عشرين عام وأكثر ونشر سلالسل متتالية فى مجلة صباح الخير تضمن حوارات وتقارير ستظل مرجعا مهما لكل من يقترب من هذا الملف ،ومن هنا يكتسب كتابه ( دعاة عصر السبعينات)أهمية كبيرة خاصة فى هذه الظروف التى يظهر فيها داعية كل شهر تقريبا .
اختار الكاتب الخمسة دعاة كانوا الأشهر فى عصر السادات (الشيخ الشعراوي ، الشيخ كشك ، الشيخ عبد الحليم محمود ، الشيخ الشيخ الغزالي ، الشيخ سيد سابق) .
رصد الكتاب بشكل استقصائي الجذور الإجتماعية التي عاش فيها الدعاة الأشهر لأيام السادات وربط ذلك بتوجهاتهم والتكوين المبكر لأفكارهم وعلاقتهم المباشرة بجماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات التي خرجت من رحمها كجماعة الجهاد ، والتكفير والهجرة وغيرهم
فالشيخ الشعراوي الذي درس المعاهد الأزهرية ، تشكل وعيه الدَعَوي فترة اقامته بالسعودية في عصر عبد الناصر أثر ذلك علي رؤيته لقضايا المرأة والأقباط بما يتوافق مع المنهج السعودي المتطرف جداً في هذه القضايا والمخالف بالطبع للمجتمع المصري المتعدد الثقافات والأديان والذي كانت فيها المرأة وزيرة في هذا الوقت ليست مجرد عورة مختبئة خلف الجدران لكن أفكار الشيخ ورؤاه حول تفسير القرآن الكريم مزجت تقاليد ورؤي المجتمع السعودي لوضع المرأة ولقضايا المختلفين دينياً وخاصة الأقباط إلي مجتمع لم يكن كذلك
بعده يأتي الشيخ كشك وهو الأشهر في عالم الكاسيت بطريقته الشعبية خفيفة الظل والذ كرس جُل جهودة لإهانة أهل الفنون في مصر وعلي رأسهم أم كلثوم ونعتها بأقذع الألفاظ بناء علي احتقار أغنياتها ومعانيها حسب ما رأي وحسب ما أراد توجيه الآلاف من متابعينه إما بزرع الغل الإجتماعي والحقد الشديد تجاه أجور الفنانين ومقارنة أجور كبارهم بحياة أو أجور أقل الناس فقراً في المجتمع وتمرير ذلك للناس باسلوب ساخر ومحرض في نفس الوقت وهكذا مع كبار نجومنا عبد الحليم حافظ ، ومحمد عبد الوهاب ، ونبيلة عبيد وغيرهم .
الشيخ الثالث من دعاة السبعينات البارزين كان الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر ، والذي حصل علي تمويلات خارجية ضخمة بالإتفاق مع الدولة جعلته ينشأ أكثر من سبعة آلاف معهد أزهري فترة توليه منصبه واشتهر بعداؤه الشديد مع المثقفين المصريين ومع أي قانون ينصف المرأة وكانت له علاقة وطيدة بجماعة الإخوان المسلمين .
الشيخ الرابع هو محمد الغزالي الذي ترك جماعة الإخوان المسلمين وسافر أيضا للسعودية في فترة الخمسينات ثم عاد لمصر مع دعم الدولة للمشروع الإخواني في السبعينات ، أما الشيخ الأخير هو ابراهيم عزت العضو النشط في جماعة الإخوان ومؤسس فرع جماعة التبليغ والدعوة بمصر وكان من الداعين لاستخدام العنف باسم الدين وأعلن قتلة السادات فيما بعد ثأثرهم الشديد بأفكاره وأفكار الجهاديين ، ومن المشايخ الداعيين لاستخدام العنف المسلح الشيخ سيد سابق بل انه يعطي الفتاوي بالقتل لتابعيه .
بعد ذلك الشيخ المحلاوي الذي انقلب علي السادات وهاجمه علنا في المساجد حتي اعتقله السادات وقال عنه في مجلس الشعب وقتها بانفعال “أهو مرمي زي الكلب في السجن” .
بين البحث والتحقيق والاستنتاج النهائي يأتي مجمل الكتاب وفي هذا قد نتفق أو نختلف مع الكاتب الذي توصل لنتائج يمكننا النقاش حولها خاصة الدعم الكامل من الدولة ( متمثلة في الرئيس السادات ) لظاهرة المد الديني في مصر ، لأن هذا لم يكن منفصلاً عن المناخ العام سواء في العالم أو في مصر خاصة بعد نكسة 67 واختيار الناس لأي اتجاه ديني يصلح كسرهم بعد فشل الإتجاه القومي الذي انهزم هو الآخر داخلهم بالهزيمة ، والتي كانت هي النهاية الفعلية لزمن جمال عبد الناصر وبموته بعدها بسنوات قليلة أراد السادات استبدال الأفكار الإشتراكية بأفكار أخري يحكم بها سيطرته علي الوعي العام بالأفكار وليس فقط بالسياسة والقوانين ، يميل الكاتب أن السادات كانت له اليد العليا فيما حدث باطلاقه عفريت الإخوان بعد القضاء علي حلمهم في التواجد والعمل العام في الستينات أيام الرئيس ناصر ، وكذلك دعم كل ما كان له طابع ديني سواء دعاة يعملون بالتنسيق مع الجماعة أو بشكل متوازي أو منفصل عنها ( وهنا نؤكد أن تأثير الجماعات الدينية المنظمة في السيطرة علي العقول في الشارع المصري وخاصة في القري والمدن البعيدة ولم يكن الدور الأكبر للدعاة المستقلين الذي عرضهم الكتاب ) ،والحقيقة أن الكتاب وهو جزء من مشروع بحثي ممتد للكاتب منذ فترة طويلة له ميزة الجرأة في التناول والتفنيد والسبق عن معظم الراصدين للظاهرة وتقديمها في سلاسل مقالات وكتب ولقاءات،وقت أن كان قطاع واسع في المجتمع المصري منخدعين فيما يقدم الدعاة الجدد والقدامي من مشروع سياسي خبيث مغلف بغطاء ديني دفعنا وندفع ثمنه غالياً في مصر وفي العالم كله.
اقرأ أيضًا:
عبد الفتاح مصطفى والكحلاوى ومدد يارسول الله مدد