“تعلمت من تلك اللعبة أن الكرة لا تاتى مطلقاً نحو أحدنا من الجهة التى ينتظرها منها..وقد ساعدنى ذلك كثيراً فى الحياة خصوصاً فى المدن الكبيرة حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة”.
عليك أن تتأمل تلك العبارة البديعة التى كتبها واحد من أهم أدباء العالم هو “البير كامو ” ، والذى لعب كرة القدم كمحترف وليس كهاو،وكاد أن يصبح واحداً من أهم حراس المرمى فى العالم ، لكن الفقر الذى عاشه أثناء فترة الاحتلال الفرنسى للجزائر جعل الأمراض تعرف طريقها اليه مبكراً فقد أصيب هذا الشاب الجامعى بمرض السل ، فانقطع عن الرياضة وعن كرة القدم مرغماً .
كان “كامو” حارس مرمى لفريق كرة القدم بجامعة وهران بالجزائر سنة 1930،ومع تقلبات الحياة دخل “كامو” معركة استقلال الجزائر باعتباره كاتبا ومفكراً ،وفى عام 1934 التقى بالفيلسوف الفرنسى المعروف “جان بول سارتر” فى افتتاح مسرحية “الذباب” التي كتبها الأخير ، ونشأت بينهما صداقة عميقة نتيجة تشابه الأفكار بينهما وإعجاب كل منهما بالآخر .
وحكى “كامو” عن الساحرة المستديرة التى علمته الكثير ، وكيف كان يتأمل جنونها ومتعتها ،وخفقات القلب فرحاً كلما نجح فى انقاذ مرماه من هدف محقق ،واعجابه بنفسه وهو يسمع آهات الجمهور ،ونظرات الاعجاب فى عيون زملائه فى الفريق كلما خرجت الشباك نظيفة .
فى البداية لم يكن “كامو” يريد اللعب كحارس مرمى ، لكن “جدته” التى لم تكن تحب اللعب عموما وتراه استهلاكاً للحذاء بلا طائل هى التى أجبرته على القبول باللعب كحارس مرمى ، فلن يحافظ على الحذاء ولن ينجو من عقاب جدته إلا بتلك الطريقة ، وضحى “كامو” ـ الذى سيحصل على جائزة نوبل فى الأدب فيما بعد ـ بمستقبل كبير لهداف ماهر ، لكنه ومع الأيام وقع فى غرام الوقوف أسفل الثلاث خشبات :” حارس المرمى يستطيع التأمل .. وتعلمت من حراسة المرمى كيف أن الكرة تحتاج تركيزاً وسرعة بديهة ،فهى لا تأتى دائماً من المكان الذى نتوقعه “، وعلينا بذلك أن نتوقع الغدر ولا نطمئن كثيراً لحسن النوايا .
سيتعلم حارس المرمى الصغير فيما بعد فلسفة التمرد ، ففى عام 1949 ،وبعد تسعة عشر عاماً من الاعتزال الإجبارى لكرة القدم ،يكتب “كامو” كتابه “الإنسان التمرد” ويعلن الرفض الصريح للشيوعية ،فتنقلب عليه الدنيا ..والأصدقاء أيضاً بما فيهم سارتر نفسه ، ويدخل فى عزلة قاسية ، لكنه يواصل مسيرته حتى يكتب روائعه “الغريب “ثم “أسطورة سيزيف ” ويصبح عضوا فى منظمة اليونسكو ، ثم يصبح أهم كاتب فى مجال العمل الإنسانى المتضامن مع الشعوب المقهورة ، ويعلن فى 1952 استقالته من منصبه فى منظمة اليونسكو احتجاجا على قبول الامم المتحدة لقبول عضوية أسبانيا و هى تحت حكم الجنرال فرانكو، وبعد خمس سنوات أى فى 1957 يحصل حارس المرمى الفقير على جائزة نوبل فى الأداب عن سلسلة المقالات التى كتبها منتقداً فيها عقوبة الاعدام.
أدب الأقدام فى كاس العالم
كثيرون يجهلون مرحلة حراسة المرمى فى حياة “كامو” ، وكثيرون يجهلون بدايات عظماء الأدب والفلسفة ، وهذا ما انتبهت إليه ألمانيا قبل تنظيم كأس العالم 2006 ، وكان مفاجئاً للعالم كله أن تجعل الأدب جزءً من عملية الترويج الإعلامى لأهم بطولة ،وتم توجيه الدعوة لعدد من أهم أدباء العالم لحضور المونديال ،ولم يتردد منظمو البطولة فى تخصيص قسم خاص للأدب تحت عنوان ” أدب الأقدام فى المونديال ” وكان الجمهور قبل دخول الاستاذ للاستمتاع بالساحرة المستديرة يشاهد فى هذا القسم أهم الكتب والروايات التى اهتمت بكرة القدم ،وكان الكاتب البرازيلى ” باولو كويلو” والإيطالى “أمبرتو إيكو” من نجوم المونديال ،وكتب “إيكو” عن اللعبة الأشهر فى العالم مقالاً أكد فيه أن عشق كرة القدم متعة لا تنتهى وأن مشاهدة المباراة وحدها لا يكفى ، فهناك متعة فى متابعة التعليقات ومشاهدة الصحف والقنوات الفضائية والملصقات الخاصة بالمباريات “سيكون ذلك بلا ملل ،فالكرة ظاهرة اجتماعية تستحق أن تكون متعة الحياة اليومية “.
وشهدت معظم المدن الالمانية اهتماما كبيرا بالأدب من خلال كرة القدم ، ودخل الشعر الاعلانات والملصقات الدعائية وتم اقتباس مقولات الأدباء والفلاسفة ووضعها فى محطات المترو والكافيهات ،وكانت المفاجاة الأكبر هى دعوة الكاتب “جونتر جراس” ليقرأ مقاطع من أعماله فى الاستاد الرئيسى للمونديال ، وامتلأت المدرجات بالجمهور فهذا الكاتب الألمانى هو الأشهر فى العالم ، وفى برلين يحتل مكانة غير عادية جعلت المستشارة أنجيلا ميركل تحرص على تهنئته فى عيد ميلاده اعترافا بمكانته وقيمته ، فهو صاحب الدعوة الشهيرة للألمان كى يتخلصوا من مرحلة النازية كأنها لم تكن ،وظل حريصا على دعوته كى يتقدم المجتمع الألمانى دون شعور بالخزى أو العار ،وصفق الجمهور لجونتر جراس الحاصل على نوبل قبل ان يصفقوا للنجم الألمانى “مايكل بالاك” .
إليوت .. من هم الأغبياء يا شاعر؟
كانت مفاجأة كبرى تلك التى قدمها الشاعر الأمريكى الشهير “تى .إس .إليوت” لقراء وعشاق قصائده عندما قال :”أغبياء أولئك الذين يكرهون كرة القدم “، فقد ظن جمهوره الذى يهيم مع الشعر أن “إليوت”” لا يمكن أن يكون على علاقة بلعبة كرة القدم ، فكيف لشاعر يكتب عن الأحقاد التى تملأ نفوس البشر ويقدم فلسفة خاصة فى قصائده عن الحزن والتشاؤم أن يقع فى عشق تلك اللعبة ؟! .
لكن إليوت (1888 ـ 1965) فعلها ، ولم تمنعه مكانته كأهم شعراء التجديد والحداثة فى العالم والحاصل على جائزة نوبل عام 1948 من التحدث عن الساحرة المستديرة ،بل ويعترف بأنه كان يتهرب من الندوات التى يتصادف موعد انعقادها مع إقامة مباراة فى كرة القدم ،فقد كان يتابع المباريات بشغف ومتعة ،ووجه إليوت الذى تُدرس أعماله بالجامعات والمعاهد خاصة قصيدته الأشهر”الأرض الخراب ” توبيخاً وانتقاداً واضحا وصريحا لكل من ينظر الى الساحرة المستديرة نظرة استعلاء بمقولته الحادة التى جعلت جمهور الشعر يلتفت إلى أهمية كرة القدم ،ووصل إليوت إلى القول بأن ” كرة القدم هى العنصر الأساسى فى الثقافة المعاصرة” وأن الشعر والقصة والرواية ليست عنصراً أهم من تلك اللعبة التى تحمل ثقافة الشعوب وتعكس تحضرها.
وفى انجلترا حقق كتاب ” الأقوال حول كرة القدم” أعلى المبيعات فقد تضمن أجمل العبارات التى قيلت عن الساحرة المستديرة التى سرقت العقول ،وهى مقولات لفلاسفة وأدباء ونجوم فى عالم الكرة أيضاً ،حيث وضع كل منهم خبرته الطويلة فى عبارة قصيرة محكمة ، فهاهو الساحر الأسمر “بيلية” يقول: “كرة القدم البرازيلية مصدرها القلب وكرة القدم الأوروبية مصدرها العقل” ،ويرى بلاتر أن قوة كرة القدم أعظم قوة موجودة فى العالم ،فى حين عبر حار س مرمى ألمانيا الشهير “أوليفر كان”عن تجربته قائلاً:”أن تتحمل كل هذه الضغوط الرهيبة فى كرة القدم فهى الحماقة.. إن كرة القدم ليست مجرد لعبة أو متعة.. أحياناً قد تحرمك كل السعادة وأحياناً قد تلزمك العيش فى قلق وخوف”،وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان كلمته الشهيرة: “إن الشغف نحو كرة القدم انعكس على حياة ملايين الأشخاص فى العالم وهذا يجعلها تستحق الاحترام “.
وتبقى مذكرات ماردونا “أنا إلدييجو” والتى حققت مبيعات غير مسبوقة فى سوق الكتب تحفة أدبية أجمع كبار المثقفين والأدباء على وصفها بالمذكرات “الممتعة ” حيث تحدث مارادونا الذى يعد أفضل لاعبى كرة القدم فى القرن العشرين بجرأة وصراحة وشجاعة جعلت من الكتاب سيرة ذاتية تستحق الاحترام لفتى صعد بالشهرة الى عنان السماء بعد أن كان فقيراً لا يعرفه أحد ،والحديث عن كرة القدم فى الأدب العالمى ممتد ولا ينقطع وسنتوقف عنده كثيراً.
آل باتشينو .. النجم الذى صنعته كرة القدم
انتظر عشاق النجم “آل باتشينو” كثيراً قبل أن يتوج على منصة التكريم ويحصل على جائزة الأوسكار ، وصفق عشاق الأب الروحى تصفيقا مدويا لهذا الحدث ، لكن احداً لم يصفق لصاحبة الفضل الأول فى ذلك كله !!.
إنها كرة القدم .. نعم هى تلك الساحرة التى تلتف حولها قلوب العشاق فى كل مكان ،ومن يصدق أن هذا النجم الكبير وعبقرى التمثيل ما كان ليظهر ويسطع نجمه لولاها !،إنها قصة طويلة ، وقبل ان ندخل فى تفاصيلها علينا اولاً أن نعرف اسم كاتب يدعى “جيوفانى أربينو” ظل كاتباً مغمورا حتى كتب رواية عن كرة القدم ، فقد اختار جيوفانى كتابة دراما تدور أحداثها حول مونديال 1974 بألمانيا واستغلت دار النشر الفكرة وقامت بعرض الرواية فى الملاعب مع دعاية ضخمة ساهمت فى بيع اكثر نصف مليون نسخة من رواية جيوفانى التى حملت اسم “الازرق الداكن ” ،وصنعت تلك الرواية اسم كاتب كبير اسمه “جيوفانى” الذى متع العالم فيما بعد براويته “عطر امرأة” .
والحقيقة أن “عطر إمراة” كانت ستظل مجرد رواية على أرفف المكتبات يغلفها التراب والإهمال لولا المخرج العبقرى “مارتن بروست ” الذى تحمس للكاتب وللرواية ،وبالطبع ساعدته شهرة جيوفانى التى حققها بكتابه “الأزرق الداكن”فى اقناع شركة الانتاج ليصنع فيلما أجمع نقاد العالم أنه من روائع السينما العاليمة .
وعلى “الفيس بوك”ومنتديات الانترنت يتبادل الشباب حاليا مقاطع شهيرة من الفيلم خاصة تلك يراقص فيها آل باتشينو بطلة الفيلم، وكثيرون من عشاق آل باتشينو لا يجدون أروع من دوره فى هذا الفيلم ،وكثيرون يعرفون آل باتشينو ،وكثيرون شاهدوا “عطر إمرأة” وحفظوا مشاهدة.. لكن عدد الذين يعرفون أن مؤلف الفيلم هو”جيوفانى” محدود للغاية ، كما أن الذين يعرفون فضل كرة القدم على جيوفانى وآل باتشينو أقل بكثير.
لقد ظل عشاق ال باتشينو ينتظرون حصول نجمهم على الأوسكار لكن دون جدوى ، وفى عام 1992 كان عشاق آل باتشينو على موعد مع السعادة وهو يحصل على جائزة الأوسكار كأحسن ممثل عن دوره فى عطر إمرأة ،وهو الدور الذى جسد فيه شخصية “كولونيل “خرج من الحرب مصاباً بالعمى ،فيقرر أن يعيش مغامرة المتعة قبل أن ينهى حياته ، يقرر أن يرتشف من رحيق العالم أخر قطرة قبل أن يمضى إلى النهاية ، ويساعده فى القيام بتلك الرحلة شاب جامعى يعيش أزمة هو الأخر ،وتمضى الدراما بحثا عن معنى وهدف للوجود ويتألق “آل باتشينو”فى تأدية رقصة ناعمة مع تلك المرأة التى لم يستطع مقاومة عطرها ،وصفق العالم للفيلم وأبطال الفيلم ،لكن أحداً لم يصفق لكرة القدم التى كانت سببا فى تقديم كاتب موهوب الى السينما ،وسبباً فى حصول ممثل بارع على الأوسكار وفى متعة محبى السينما أيضاً.
يفتوشينكو ..موسيقى كرة القدم
..” لا اعرف كتابة قصيدة دون الاستمتاع بكرة القدم .. هنالك موسيقى غريبة تجمع بين الشعر وتلك الساحرة ..” هكذا ا تحدث “يفتوشينكو” ، وهو ليس شخصاً عادياً ولا عابرا أنه الشاعر الروسى الأشهر على الإطلاق ” الكسندروفيتش يفتوشينكو”، والذى ترجمت أعماله إلى لغات العالم بما فيها العربية .
وهذا العشق للساحرة المستديرة الفاتنة لم يأت فجاة ،بل عبر قصة طويلة من الحب والاحتراف أيضا ،لدرجة ان ” يفتوشينكو ” كاد يصبح نجما رياضيا كحارس مرمى ، وشهدت ملاعب مدينته الصغيرة”سيما” فى سيبيريا تألقاً غير مسبوق لهذا الحارس ،و كانت والدته تشجعه على الاستمرار فى مشوارها وترى مستقبله فى الساحرة المستديرة وليس فى شىء اخر ، لكنه فجأة وجد نفسه فى الشعر ويومها قالت له أمه : “لقد ضعت نهائياً يا ولدى “!!.
وفى سيرته الذاتية يعلق يفتوشينكو ساخراً من نفسه : “ليتنى سمعت كلام أمى ،فلو واظبت لأصبحت أكثر نجومية من بيكنباور .. أو ماردادونا .. كنت سأصنع تاريخا مغايرا لحراس المرمى “.
ويذكر أحمد حجار أن ” يفتوشينكو” كان مدمنا فى مراهقته على لعب كرة القدم، فى الليل يكتب الشعر وفى النهار يلعب كرة القدم فى الساحات العمومية والأرض الخلاء،ويعود الى البيت بسروال ممزق وركبتين داميتين.
وبعد أن ترك الملاعب ظل قلبه معلق بكرة القدم ، لدرجة أن صوت الكرة كان يبدو له أشد النغمات الموسيقية سحراًوكان يقول عن ذلك :” إن هناك شيئاً مشتركاً بين كرة القدم والشعر “،ولم يكن هذا جنوناً من الشاعر الكبير ،بل كان حبا وعشقاً وتأملاً دائما لعالم الكرة ،لدرجة أنه أصبح يستخرج الحكم منها ، فهو يرى مثلاً أن أن دليل العبقرية والموهبة فى كرة القدم واضح و لا يحتاج جهداً للإثبات :”إذا سجل اللاعب هدفاً فإن الأمرلا يحتاج جدلا على موهبته ..الكرة فى االشباك، وعلى من يرى غير ذلك أن يقول !! وعلى العكس من ذلك فإن على الشاعر أن ينتظر الكثير ليثبت أن كرته أصابت الهدف”.
ويتندر ” يفتوشينكو “على نقاد الأدب والشعر قائلا إنهم أحياناً يحتسبون لبعض الشعراء أهدافا لم يسجلوها “،بمعنى انهم يصفقون لشعراء محدودى الموهبة .
وفى سيرته الذتية كان لكرة القدم نصيب وافر من أحاديث يفتوشينكو ،فقد ذكر قصة والدته :”لم تكن أمى تريد بأى ثمن أن أصبح شاعراً، ليس عن قلة ذوق وعدم ميل الى الشعر، بل لأنها كانت تعرف مصير الشعراء الروس المفجع وكانت تتوسل إلى باستمرار أن أهتم بشىء جدى لكن الجدى بالنسبة إلى ـ بكل أسف ـ كان هو الشعر بالذات…:وعندما علمت أمى أن أول قصيدة ستنشر لى فى الصحف قالت بأسى: مسكين أنت يا ولدى لقد ضعت الآن نهائياً”!!. ويعلق يفتوشينكو على ذلك قائلاً: “ربما كانت على حق”.
ومن روسيا إلى ايطاليا حيث الشاعر والكاتب والمخرج الشهير “بيير باولو بازولينى“،الذى كان يرى أن كرة القدم تشبه طقساً إغريقيا رائعا مثل تلك الطقوس التى صنعت المسرح الرومانى القديم .. ومازالت كرة القدم تصلح بديلا عن العروض المسرحية ،ويوضح “بازولينى :”االملعب ساحة متكاملة فيها صراع ودراما وهزيمة وانتصار وفرحة وانكسار ..” ،وكان بازولينى أول من قال إن كرة القدم “لغة” لأنها تضم مجموعة من الرموز التي يمكن فهمها والتعامل معها دون الحاجة إلى أية لغة أخرى، بل وضم الكرة فى أعماله الروائية كجزء أساسى من الحياة، ومن أقواله اللطيفة أن ريفيرا يلعب الكرة شعراً، وأن كورسو يلعبها نثرا، وان ماتزولا يلعب الكرة شعراً تتخلله بعض الجمل النثرية، وهو نفسه كان يلعب في مركز الجناح الأيمن وكان لاعباً ماهراً. عندما سألوه عما كان يريد أن يكونه لو لم يكن أديباً وسينمائياً قال: “لاعب كرة ماهرا، بعد السينما تعتبر كرة القدم من أعظم المتع بالنسبة لى”.
متعة الفقراء
اما الروائى البرازيل “جورجى امادو” فكان يرى أن كرة القدم تحدد ثقافة الشعوب ، وأن عظمة البرزايل تسكن بين أقدام الموهوبين فى تلك اللعبة:” اننا شعب مخلوق لتلك اللعبة وهى مخلوقة لنا هى تسلية الفقراء ومتعتهم “.
وكان انشغال أمادو بكرة القدم طبيعيا للغاية ليس فقط لأنه برازيلى ، ولكن لنشأته وسط مجتمع يعانى الفقر ويبحث عن المتعة ، ورفض أمادو الكتابة عن أى عالم اخر غير هؤلاء البرازيليين البسطاء وكان دائما يقول :”الفلاحون، لاعبو الكرة ،عساكر الجيش، المجرمون هم أبطال رواياتى”
ولد جروجى أمادو ـ الذى ترشح لجائزة نوبل أكثر من مرة ـ وسط مزرعة كاكاو فى ” باهيا “وهى ثانى ولاية فى البرازيل، ويبلغ تعدادها 60 مليون نسمة :”ولدت بين بشر نشاطهم الرئيسى زراعة الكاكاو ،يعانون من سوء التغذية وعدم التوزيع العادل للثروات.. لكنهم يحبون الحياة وكرة القدم”.
“إلى حبى الكبير .. ريال مدريد“،كانت هذه العبارة التى تصدرت كتاب”معاركنا الاولى ” كافية كى يهتم عشاق الريال بالروائى “خافيير مارياس” ، بل وأن يضعوه ضمن قائمة العظماء من مشجعى الريال والتى تضم شخصيات سياسية بارزة كما تضم نجوم هوليوود”توم كروز وانطونيو باندريس وكاميرون دياز ..”.
ومارياس الأسبانى الذى يعيش فى ألمانيا له قصة طويلة مع كرة القدم ،فهو من أفضل من كتبوا عن عالمها الحقيقى وذلك فى روايته ” أشرار طيبون ” حيث وصف “أجمل رياضة في العالم” والتى تسمح لنا بالعودة إلى طفولتنا على حد تعبيره .
وفى نهائيات كاس العالم الأخيرة بألمانيا كان “مارياس” نجما فى كل الملاعب تقريبا ،فهو الكاتب الأشهر والذى وزعت روايته “قلب أبيض للغاية” أكثر من مليون نسخة ،كانت الشهرة التى يعيش فى أجوائها لاعب كرة القدم وراء تخوفات الروائى الشهير من مصائر هؤلاء بعد الاعتزال ، وكتب العديد من المقالات التى عبر خلالها عن الأسى والحزن الذى يعيشه اللاعب إذا اعتزل ولم يجد عملا يتربح منه وشهرة تعادل شهرة الملاعب ، وقال إن قلبه اطمأن عندما وجد القيصر بيكنباور فرصة كبيرة بعد الاعتزال ونال شهرة أوسع ، حيث يعتقد مارياس أن لاعبى كرة القدم يستحقون التعاطف ” فى بعض الاحيان يكون الوضع مأساويا. لكن بوجه عام لا نعرف ماذا يحدث عندما يعتزلون، نعلم ما يحدث لبعضهم فقط وهم الذين صاروا مدربين أو رؤساء أندية مثل فرانز بيكنباور … لكن هؤلاء يمثلون أقلية”.
ورغم عشقه للريال إلا أن مارياس كان يرفض التعصب الأعمى ،وقال : “فى بلد ملىء بالمتعصبين لأنديتهم أكثر من المنتخب يكون من الطبيعى أن يصبح المنتخب لا يمثل كل الأسبان”.
أما عبقرى الرواية العالمية “همنجواى” فتقول سيرته الذاتية انه كان مولعا بكرة القدم قبل ان تستهوية مصارعة الثيران التى تابع مبارياتها وصادق مشاهيرها وألف عنها كتاباً كاملاً ،وعاش همنجواى حياة غريبة للغاية ،ففى مرحلة الدراسة الابتدائية أظهر ميلاً شديداً للملاكمة وكرة القدم ،ظل يمارس الهوايتين معاً ، وعمل أجيراً فى المزارع ،وملاكماً محترفاً ،ومخبراً صحفياً ،وسائقاً لإحدى سيارات الاسعاف حين نشبت الحرب العالمية الأولى ،وكانت رحلات الصيد الحيوانات والطيور والأسماك هوايته المفضلة ،حتى انه سافر الى أواسط افريقية 1934 حيث قضى مدة طويلة فى صيد الحيوانات المفترسة وعاد محملاً برؤوسها ،وسجل ذلك فى روايته (ثلوج كيلمنجارو ).