خُلقنا ـ نحن ـ معشر النساء فى شقاء،نعانى قهراً فى الشوارع والبيوت،جحيما يلاحقنا فى الصباح وعدوا متوحشا يترصدنا فى الظهيرة ولا قلب يحنو علينا فى المساء،عندما أصدرت كتابها أنوثة محرمة كانت هبة عبد العزيز تبحث عن هذا المعنى الذى يتردد على ألسنة كثيرات من نساء وفتيات يشعرن بأنهن قادمات من كوكب آخر غير هذا الذى أصبح يهين الأنثى ويستكثر عليها جمالها وأناقتها ونجاحها أيضا، الصورة تنتقل من المجال العام إلى الخاص،فلم يعد الحصار مقتصراً على زملاء العمل ورؤساء مجالس الإدارة أو حتى عيون الشارع التى تترصد الأنثى ذهابا وإيابا ،لكن الأمر يصل إلى محيط الأسرة فنرى أزواجاً يحزنهم نجاح زوجاتهم ،ويشعر الواحد منهم أن رجولته تُخدش أو تٌهان إن كان راتب الزوجة ـمثلاـ أكبر من راتبه أو مكانتها أعلى ،فتتوالى الخناقات الصغيرة التى تتحول إلى احتقان يغيب معه التفاهم وقد يصل الزوجان إلى حالة الست أنغام فى ألبومها الأخير
هبة عبد العزيز لم تكتف بمجرد تسجيل حالات للصراعات التى تدور فى البيوت ومجالات العمل فى (أنوثة محرمة) لكنها استفاضت فى شرح هذا المعنى من العذاب والضنى فى حياة نساء الشرق تحديداً،فإذا كان الحب كأساً من النبيذ فالزواج بالنسبة للأنثى ـ المصرية ـ كأسا مخزونا فى “نيش السفرة، فهى تعيش الملل والضجر مع رجل شرقى لا يتفهم “أنوثتها “، أو ترفض زواج”الصالونات”فتطاردها العنوسة وهمس الخالات ونميمة العمات وأبناء الجيران، وهكذا تتقلب “الأنثى” على جمر النار فى وقائع وقصص وحكايات وإحصايئات تثير التعاطف بلا شك وتدعو إلى الانهيار المبكر بلاشك، ،فالقلوب بين أصابع الرحمن كما تعلم ،لكننا ـ معشر الرجال ـ ننصح بعضنا البعض ربما نصل إلى معنى ” الأنثى ” الذى يقصدونه ، فنحن نحبهن ولا نحتاج من يطالبنا بحمايتهن وتقديرنا، فأى جاهل حقير ذلك الذى يقسو على “القوارير” ؟! أى جلنف ذاك الذى يدهس الزهور التى تملأ الدنيا بهجة وزينة وعطر ؟!، لكننا حيارى فى أمرهن كلما اقتربن واحتك الكتف بالكتف،واجتمعا سويا.
كلاهما ترك العالم من أجل الآخر، لكن شيئا غامضا ظل مفقودا، هكذا أيضاً تضرع بجماليون ـ فى الأسطورة الشهيرة ـ إلى السماء كى ترسل إليه أجمل النساء ،فتحققت الأمنية وهبط الجمال كله على الراهب المسكين الذى استمتع بالجسد وحلاوته ثم اكتشف انه ” أخرس” !،ولاحياة من دون دفء الحديث وروعة الهمس،وكلما كتب المؤلفون ودارت المطابع لن يتوقف البحث عن الأنثى كأجمل لغز فى حياة البشر، فحين هبط آدم من الجنة وأسقطنا معه،لم يعاقب حواء،أحكم قبضته على ورقة التوت حول جسده العارى وراح يبحث عنها فى جبال اليمن وصخورها حتى التقاها فى جبل عرفات الذى اكتسب الاسم من تعارفهما على جانب منه لتبدأ رحلة ” الونس بعيداً عن الوحوش الضارية ،فالسند يكفى لتحمل صعاب الحياة وقهرها،ولكن ياسمين بطلة رواية بنت العزيز لم تجد هذا السند رغم إخلاصها المطلق لبيتها ومشروعها فى التعليم،واصلت (هبة عبد العزيز)الفكرة نفسها برواية قصيرة للغاية وبسيطة للغاية عن فتاة نابهة تتسم بذكاء كبير يتم تزويجها مبكراً فتخوض تجربة قاسية بين البيت والزوج والدراسة التى تصر عليها رغم متاعب الحمل والرضاعة والصورة الذهنية التى تتشكل لها لدى زملاء الدراسة باعتبارها سيدة عجوز،فيتم استبعادها من الشلل والتجمعات الجامعية ليصبح جحيم الوحدة محاصراً لها فى البيت والجامعة.
بنت العزيز تمزج واقعاً مأخوذاً من غلاف الرواية التى تعمدت الكاتبة وضع صورة والدها فى أعلى الغلاف ،بينما الخيال يأتى من الفتاة التى تقف على أرض جرداء تمسك خيطا معلقا بصورة الأب،ولذلك جاءت البطلة ياسمين جزءً من هذا الخليط ،والسمات الشخصية لياسمين تتسم بالصدق والبراءة والتى تصل حد السذاجة،فحين تقدم العريس للزواج منها وضعت شروطا وأدارت حواراً عقلانيا معه، وتصورت تلك الفتاة أن الزواج هو تلك الجنة التى رأت طيفا منها بين والدها ووالدتها،فهناك قصة حب بينهما تتطور حتى بعد أن نضج الأولاد وتصبح هى نفسها على وشك صناعة بيت مثل بيت العزيز ،وتأتى الرياح بما لا تشتهى ياسمين ،وتبدأ تفاصيل الحياة تحاصر أحلامها القديمة،فتعيش شبه منفصلةً عن الواقع حتى تكتشف خيانة زوجها!فتصل إلى أقصى نقطة للحزن والألم.
ولن يبتعد (أنوثة محرمة،وبنت العزيز ) عن مشروع هبة عبد العزيز الذى بدأته بكتاب الأول عن التحرش الجنسى،وكان بحثا ميدانيا مبكراً فى رصد هذه الظاهرة التى ظهرت عنها عشرات الكتب فيما بعد.
اقرأ أيضًا:
كل هذه الكتب الجميلة .. تطاردنى !
نداهة المنيل تُلقن مسيو جازيو درسا فى جغرافيا البشر
تحليل دقيق وجميل كل التوفيق والنجاح إن شاء الله