أما صبرى السيد فهو ديوان المحبة لمعظم جيل التسعينات وما بعدها،عرفنا اسمه خلف أسوار جامعة القاهرة 1989،كان حاضراً رغم تخرجه من سنين،لكن روحه كانت تملأ ساحة مكتبة آداب وجنينة آثار،لا يتوقف أستاذنا عز الفيومى عن ترديد اسمه،كنّا هواة أدب وقراءة، ورفيقنا صبرى السماك من المقربين للزعيم عز الفيومى ولصبرى السيد، وزاد شوقنا إلى صبرى الذى يقول الشعر فى الحلوين ويقرأ الكف ويربط الكواكب والنجوم بالأبراج وحركتها،الفضول يدفعنا بنات وصبيان،حتى حدث المراد من رب العباد وألتقينا على مقهى الأفتر أيت بوسط القاهرة، ابتسامة عريضة،نعم هو عبارة عن ابتسامة يحتضن غربتك وشعورك بالدهشة والرهبة وسريعا نشد الكراسى وتتسع الدائرة لبنات جميلات وصبيان كحيانين طبعا،وتبدأ الحودايت ونعرف من السابقين أن هذه ترابيزة صبرى وأن أعضاء الجلسة شبه اليومية هم الفنان صبرى فواز والفنان مصطفى درويش وضياء عبد الخالق والفنان ماجد الكدوانى،وغيرهم ممن يلتقون فى سهرات تمتد للصباح بعد الانتقال من الئافتر أيت إلى قهوة العجاتى التى سنذهب إليها بعد أن يشتد عودنا ونصبح جديرين بالجلوس وسط كل هؤلاء المبدعين ، فاللقاءات الأولى مجرد تعارف قد يدوم وقد ينقطع وتجد نفسك بلا مكان على الترابيزة، هنا فرازة خاصة تنتقى من يجالسها ،ولم يحدث ذلك مع أبناء جيلنا التسعيناتى البائس،ولكن تكتشف أن أجيالاً مرّت وآخرى جاءت وتظل فتافيت محبة هى فاكهة المساءات،تتبدد المخاوف ويدب دفء المقهى فى الأوصال ويصبح رمى الزهرة كرنين موسيقى مع أصوات النادل وغناء شاب صغير فى آخر الممر المؤدى إلى شارع شامبليون ،وتتنقل الحكايات من الحب وقصص الفراق مرورا بالأبراج ومدى توافق الأسد مع السرطان والجوزراء مع العقرب إلى الحديث ع اعتصامات الطلبة فى 77 وليس انتهاء بفتافيت محبة!، فبعد الكلام والنقاش والشاى والقهوة ودور الطاولة كان هناك طقس شبه يومى يلقى فيه صبرى السيد قصيدته البديعة(فتافيت محبة) التى أصبحت نشيد المهزومين فى قصص الحب الكبرى والصغرى، ويتجلى صبرى السيد عندما يصل إلى (مستنى إيه يا قلبى ما تعيط .. شمسك بتغرب من حباب العين ..) يا نهار جاز على الحلاوة ، ولا لّما يقول:
يا غُربَة مين إدَّاكي عِنواني
الذكريات زَيّ الصَدَى
يتطقّ فِ ودَاني
مرت السنوات ودارت الأرض دورات مخيفة واشتعلت ثورات وخمدت براكين حب وهوى،وبقيت فتافيت محبة تتجدد كل يوم، فمازلنا نحفظ مقاطع منها، وأخيراً،وبعد سنوات كسل وابتعاد،عاد العرّاب القديم الذى سيظل شاعراً استثنائيا لا لشىء سوى لبقاء قصيدته طازجة وساخنة بعد مرور ثلاثين عاماً على ميلادها ،فقد تعاقد صبرى السيد مع دار حابى لإصدار ديوانه الجديد (أنا ها ابقى إيه) وضم فتافيت محبة إليه، وقد زاد شوقنا إليها وها هى :
فتافِيت مَحَبَة
صادفِينِي مَرَّة بَس تبقُوا سَوا
هشبُّك عِينَيَّا ف عينِيكِي
يسخَن ما بَينَّا الهَوا
فابصّ لُه وأضحـــك
***
يا أم العينين وِسع المدَى
انتي التاريخ اللّى مضَى
وانتي… حُضور الدمّ فِ الأورِدَة
انتي اللي فيكي مَلامِح الآتي
انتي مِراتِي
ومَاتنفَعِيش غير كده
***
قلبِك مَلاك
طُهرِك .. ما طهَّرنيش
أنا قلبي كُتلِة جَحيم
إبليس لَمَسها اتحرق
وأنا اللّى داق فِ عنيكي طَعم الغرق
فوق الشفايف
ياما شُوقي اتحرق
جفنِك سرق من قلبي سر السعادَة
ترمِيني ليه
جُوَّه جزيرة قلق
يا أم العينين العبادَة
أنا قلبي م الزهد اتخنق
بانزف نخاع الإرادة شريان في حاله زهق ويضيق على دمي الوريد
ومفيش جديد
حسيت
بعجز الشمس ساعة غروب
صليت لجفنك ركعتين
ع الورق
***
سابِح فِ ضلمَة ومَرار
وباشُقّ جوف المَدَى
وأدخل كُهوف الانتظار
ورجعت تاني
أسكنك يا محار
وأنقُش على صِدر الصَدَف
أحزاني وجراحي
وبأموت وأنا صاحي
لو تبعِدي عَنِّي
***
ومهما كنت بعيدة عَنِّي
مهما خاب فِ الحبّ ظنِّي
مش ناسِيكي
عُمري ما نسيت الكلام اللّي فِ عينيكِي
رَعشِة إيديكي
لمَّا كنتِي زمان بتيجِي تسلِّمي
اتکلِّمي
يمكن أقدر من كلامِك
أعشقك تاني
***
انتِي …
انتِي وجحيم الانتظار والعَجْز
يا رحلِة الموت البطيء بوابِة الحلم المحال
من قلب غيم المسافات البعيدة
وفِ عتمِة القلب
اللي طالت غُربِتُه
بأرسم تفاصيلِك
وردَة فِ غُصْن المَدَى
وأفتح جميع الأورِدَة
واستنظرِك
ما تجيش
خلِّيني أعيش
ع اللّي فِضِل … مِنِّك
***
أجمل ما فيك يا تاريخ
لحظِة لُقَا فاير
وأم العينين
رَغبَة وخَجَل وجنان
سَكّ البيان
طالقَة بإيدها الضَفاير
الله عليكي لمَّا تِتعرِّي
بأبقَى المَعرِّي
وبتِبقِي انتي .. رسالِة الغُــفران
عصافير كَناريا
صِدرِك العِريان
***
فجأَة افتكرتِك
ما عرفتش أعمل إيه
قلبي
حَبَس كل الدموع فِ عينيه
مستنِّي إيه
يا قلب ما تعيَّط
شمسَك بتُغرُب من حبَابِي العين
والعَتمَة خانقَة الرِمش والننِّي
عاشقِك … وعِشقِك موت
زَيّ السكات ما يشِمّ رِيحِة صُوت
أنا كنت بأتمنَّى
أفتَح جفون الغيب
وأطير على الجَنَّة
كان نَبض قلبي
بيترسم بيها
يجري عليها لو لَقَاها بعيد
وألقاه حنين
لمَّا بتقرَّب
يا نَبض مِتغرَّب
ما بين لقا وبعاد
بطَّل عِناد … وانسَى
***
هنسَاكي
هنسَاكي بَس إزَّاي
ولا فيش طريق
مرِّينا مِنُه نِسِي
كنَّا نفوت ع الجَنايِن
بِالخَضار تتكِسِي
حتَّى الخريف
لمَّا قِسِي ع الشجر
مرِّينا مِن يَمِّتُه
بنبَشَّرُه بالمَطر
تحت المَطر
خدتِك فِ أحضاني
واتبلِّلت كلّ العُرُوق
بِالعِشق
***
يا أم العينين الطيبَة
يا بعيدَة عَنِّي
قد ما انتي قُريبَة
ولحد إمتى
هنلتِقِي لِبعيد
بأرسم تفاصيلِك على سُحُب الغياب
وأتمنَّى لو ..
أشرب نَداكي
لمَّا يدبحني العطش
خَطاوِيَّا مِشيت يَمتِك ومِشيت
ما لحقتش أحلم بالهَوَى
وصحيت
زى العبيط
واقف وبأستنَّى
وأرسم حدود الأمنيات
زَيّ السراب والوهم والجنة
زَيّ الندَى
لمَّا تِمسُه الحقايق
حلمِي بيتبَخَّر
آه … يا مَعاد
كان نفسِي يتأخَّر
***
آخِر أَمَل ليَّا
ما تفكريش إلا فيَّا
ولا تحلميش
إلا بإنِّك وإنِّي
كَبِّينا نَهر التمنِّي فِ عينين الحلم
وعملنا للعشق الخُرافي
عِلم
***
كُنَّا سَوا
لا عصفورين
فردوا جِناحهم ولا …
غُصنين بشُوقهم خَلَّقوا وردَة
كُنَّا مودَّة ولا ما كُنَّاش
القلب عاش المُرّ
للآخِر
***
ذاکرِي مَلامحِي
وسجِّلِي صُوتَي
واتذَكَّرِي
هَمس الحيطان فِ اللُّقا
ورِضاكِي وسكوتِي
يمكن ساعتها تفهمي
أنا ليه سامحتِك
وانتي بتعلِني مُوتِي
***
يا غُربَة مين إدَّاكي عِنواني
الذكريات زَيّ الصَدَى
يتطقّ فِ ودَاني
صُورتِك
بتتعَرَّى على كل الحيطان
صِدرِك
حنين الرغبَة في ضلوع المكان
رِيحتِك
بتفرِد جُوَّه صِدرِي شعرها
تهرب
وأنا بأفتح عُروقي تضمَّها
وف لحظة الشوق الأخير
يُصرُخ حنيني اللّي اندبَح :
یا حاضنَة غیرِي
سِبتينِي ليه
أحضُن
شَبَح
***
كان لازِم أدبَحها
جَهِّزنا بيتنا سَوا
نقشِت معايا الحيطان
اختَرنا لون البيبان
طَعم الهَوَى
اللّى هنتنفِّسُه
بيتنا … وبنأسِّسُه
كان اللُّقا
عَشمان ما بينَّا يشِمّ ريحِة دَفا
هيَّه بتلبس فستانين ف اليوم
وأنا فَقر حالي
خلَّاني أموت فِ الفلسفة
إيه اللّى كان موجود ما بينَّا
واختفَى
یا مخيَّراني ما بين مُوتين اتنين
یا تموت يا تقتلني
وعشان ما يكبر هَواها
جوَّه منِّي
كان لازِم أدبَحها
كان لازِم أدبَحها
صبرى حكاية مع كل شخص