اللوحة للفنان سمير رافع
ودموع الأولفيرا مجموعة قصص للكاتبة مرفت ياسين التى صنعت لحنا واحداً من الشجن متنوع النغمات،كأنما ينوح على نساء الأربعينات المعزولات بهمومهن فى القرى والنجوع بعيداً عن صرخات الفيمينست وتمرد المتمردات،فمعظم البطلات فى هذا السن تقريبا!،تعانى كل واحدة بصورة أكثر ألما عن الآخرى،وكأنما زهرة الأولفيرا التى تنتمى لنفس فصيلة الصبار الحزين توزعت عليهن بالعدل،فمن القصة الأولى(ألوفيرا) نتعاطف مع الطفلة الصغيرة التى تحكى عن شقيقتها الكبرى التى تعمل موظفة فى شركة التئامين ،فترصد الصغيرة وقفتها أمام المرآة فى الصباح الباكر وهى تتهيأ للخروج بوضع قليل من الكحل ،تمشط شعرها بمشط خشبى وتتركه ينسدل خلف ظهرها على هيئة ذيل حصان،وتتسحب وفى يدها الصغيرة نزولاً على السلم الطينى الذى ينقل لك بيئة ريفية بكلمات قليلة (تمسك بيدى،وننزل سلم بنته مع أمى من الطوب اللبن،وتحرصان كل عام قبل الشتاء على تغطيته بعجينة من الطين وقش القمح.. لا تنسى أن توصينى :بهدوء.. حتى لا يستيقظ).
تهبط الكبيرة وهى تحذر الصغيرة من إحداث أى ضجيج يجعل شقيقهما يستيقظ من نومه فتكون النتيجة تأخيرها عن عملها وإفساد مشهد تزيينها أمام المرآة.
تتعجب الصغيرة من عالم الشركة التى تعمل بها شقيقتها الكبرى التى تلقى كل الاحترام منذ دخولها مكتبها حتى عودتها إلى البيت وشقيقها (تتبدل ملامحها،تنطفىء ابتسامتها..يناديها شقيقنا الأكبر ينظر فى ساعته ويتفحص ملابسها،ويشدها من ذيل الحصان ..ثم يرمى فى وجهها بعض ملابسه لتغسلها)،وفى مقاطع صغيرة تكشف لك الكاتبة كيف أصبح مصير شقيقتها من منتصف الثمانينيات حين كانت موظفة تخشى نوبات غضب شقيقها،إلى منتصف التسعينات حيث تزوجت وتعلمت صناعة أرغفة الخبز لزوج يأتى على حماره ياكل ويمضى!، ومازالت الصغيرة تتأمل وقائع الزمن حتى ترقد الكبيرة فى المستشفى وترحل فى هدوء وقد تركت حزنها فى قلب الصغيرة.
لا التعليم الجامعى أعفى فتيات القرى من زواج بالإكراه،ولا سعة الثقافة استطاعت الصمود أمام تقاليد راسخة يتم تطبيقها على البنات فقط،فيظهر منهن جيل آمهات وحيدات حزينات، ورغم اللغة الخاطفة والسطور القليلة التى تختزن مشاهد كثيرة إلا أنك تشعر بهذا اللحن الشجى متسرب من غلاف الفنانة سعاد عبد الرسول إلى الإهداء ( إليها .. الوردة التى قُطفت سريعا وذبلت.. عزة محمد ياسين)،وحتى القصة الأخيرة من المجموعة التى يختصر عنوانها حالات معظم بطلات القصص( امرأة وحيدة) .
قصة (وسادة) اختبار لقدرات الكاتبة على التلويح بمنغصات النساء الجنسية، فنحن هذه المرة أمام نموذج لسيدة أربعينية معذبة أيضا، هجرها زوجها أو طلبت منه الطلاق ،ليس هذا هو المهم ،المهم أن شيئا يدب دبيبا خفيفا بين ساقيها يعيدها لحنين ودفء لحظات قليلة عاشتها تتستمع مع زوجها الذى تركها هنا فى هذا الفراغ الذى لا يملأه سوى ملل المذاكرة لصغيرها والاستجابة لطلباته التى لا تتوقف حتى وهى على هذه الحال من الحنين للحظات الدافئة،وهكذا تصنع مرفت ياسين فى قصصها الصادرة عن دار ميتابوك أبطالها وعالمها المختلف والبعيد والوحيد حتى فى توزيع الأولفيرا الحزينة.
اقرأ أيضًا:
يحيى عبد التواب يكتب عن ماجدة صالح
غراميات شارع الأعشى .. الفيلم الجديد للمستشار ترك آل شيخ
أحمد بهجت .. حياتى بين تشيكوف ..ونهر الحب الصوفى
كل المحبة والتقدير لقرائتك الواعية
رائع جدا كل التوفيق إن شاء الله