مسكين عم سيد عويس،فلو كنا فى بلد تحترم عقول أبنائها العاشقين لترابها لصنعت له تمثالا فى قلب ميدان كبير، فهذا الرجل الطيب تنبأ بظاهرة التوك توك وطالب المسؤلين بضرورة الاهتمام بسائقى الميكروباص والنص نقل والربع نقل والتمناية وقام بدراسة حالتهم الاجتماعية وسجل همومهم وقضاياهم وقدم عشرات الأبحاث التى تحذر من خطورة إهمال هذا القطاع العريض من المجتمع المصرى.
فما تقرأه اليوم على ظهر التوك توك وسيارات النقل والموتوسيكلات ( التقدير ضيعنا كتير
صاحبت ندل
لو كان الرزق بالجرى ماكانش حد حصلنى
،دى قصة كفاح مش جاية على المرتاح
كله شمال
بحبك ياربنا
لما كنت عصفور اكلونى ولما بقيت أسد صاحبونى).
ليست مجرد عبارات فارغة ولكنها تحمل مدلولات اجتماعيه تجعل الدولة بحكومتها وكل مسؤليها الكبار والصغار أمام مسؤلية كبيرة تجاه هذا القطاع الاجتماعى الذى يمتد من القاهرة حتى أصغر قرية فى المحافظات .
جمع عمك سيد عويس كل العبارات الممكنة ،وقام بفرزها حسب المناطق المنتشرة فيها وسجل مدلولات التعبيرات المكتوبة ، وقدم كتابا عظيما وخالدا هو (هتاف الصامتين ) وعليك أن تتأمل العنوان قليلا ،فأنت أمام تنغيم صوتى يثير الشجن ويرسم صورة لبشر فقدوا اللسان وعجزوا عن النطق فراحوا يرسمون الكلام ويحفرون الآهات والشكوى ويستغفرون بالليل وأطراف النهار، وهذا تقريبا هو مضمون الكتاب الخالد الذى ظهر أوائل السبعينات، أما عمك سيد عويس فهو رائد علم الاجتماع والذى يحتاج اهتماما من وزارة الثقافة حتى تعرف الأجيال قيمة هؤلاء الذين سخروا جهدهم وحياتهم لدراسة المجتمع ومتغيراته عبر العصور، وينتهى سيد عويس فى كتابه (هتاف الصامتين) إلى أن معظم العبارات المكتوبة تشير إلى خلل أخلاقى أو إلى انتشار حالة غضب وحنق ،وبعضها يشير إلى تفشى الفقر والحاجة،وكثير منها يبرر الخطأ فتستطيع ـ مثلاً ـ أن تعتبر عبارة “كله شمال يا صاحبى” التى تتكرر كثيراً على ظهر التوك توك ـ تحديداً ـ رسالة يحاول صاحبها أن يبرر التصرفات المستفزة واللا أخلاقية لمعظم أبناء هذا الكار الجديد، فإن كان هو لا يعجبك فى سلوكه الظاهر فالكل شمال فى الباطن وليس هو الوحيد فى هذا الأمر .
المهم أن عمك وعمى سيد عويس رحمه الله رحمة واسعة كان قد قرر تقديم دراسته عقب هزيمة يونيو 1967 وكانت أياماً وسنوات هى الأصعب على المصريين
وكان على باحث مصرى كبير يعرف معنى المسؤلية الوطنية أن يحمل أوراقه وأقلامه ويجوب القرى والمحافظات لتسجيل الحالة الاجتماعية لهذا القطاع العريض من الشعب والذى يؤثر فى المجتمع بالطبع ،كان سيد عويس يعرف أن بين الأزقة وفى الحارات وعلى المقاهى شعب كامل يحتاج اهتماما من الدولة ، وألف رحمة ونر على روح الدكتور المصرى سيد عويس .
( الصور من صفحة الروائي مينا عادل جيَّد ).
اقرأ ايضًا: