المجتمع الذى يرفض ظهور البنات من غير حجاب هو نفسه الذى يتلصص ليلا على فيديوهات المنتقبات!،وعندما أقول لك المنتقبات فإن الكلمة نفسها تحمل وقارا دينيا كبيرا، ولوأضيفت إليها كلمة (فيديوهات) فإن الوقار يتحول إلى وقاحة،وربما كان هذا هو السر فى انتشارها ووجود كل هؤلاء المهاويس بها،فلا يشترط أن تقدم المنتقبة وصلة من الإغراء ويكفيها أن تظهر وهى تنظف المروحة بملابس تكشف استدارة النهدين وقلوظة الردفين وعجين البطن الطرية،وسيتولى النقاب الذى يكشف العينين من بعيد باقى الإثارة، وقد طلبت من عبد الرحمن الشرقاوى أن يقدم لى كشفا بعدد اللايكات والإعجابات ،والمفاجأه أن الفيديوهات قد تخطت ملايين المشاهدات ويعيد من جديد قصتى مع صديقى سعيد عباس الذى كاد أن يتسبب لنا ـ نحن أصدقاءه ـ فى فضيحة وفى سرادق عزاء بمحافظة الشرقية!،فقد أصيب (سعيد عباس)باحتقان مزمن فى خصتيه وراح يكتم صرخات ألم مخجل أجبرنا على الخروج وراءه من سرادق العزاء بحثا عن مهدىء لهذا الشىء الذى يليق بمراهق صغير وليس بباحث شاب فى مركز للدرسات السياسية!، فى البداية قال إنه القولون ،ثم زعم إنه مغص كلوى ،لكنه فاجأنا جميعا على باب الأجزاخانة بأن الألم بين فخذيه وأن السيدة المنتقبة التى انتظرتنا على مدخل القرية وركبت معنا فى السيارة النصف نقل وجلست فى مواجهته هى السبب!، ولم نتذكرها بالطبع ،لكنه ضغط على كف يدى متألماً :”عينيها تجنن يا صاحبى .. غصب عنى “، ونصحنا الصيدلى الشاب برفع ساقيه لأعلى مؤكداً انه سيرتاح ، ولم نجد مكانا يناسب هذا الفعل ، فنحن مجرد ضيوف جئنا إلى محافظة الشرقية لتأدية واجب العزاء فى وفاة والد أحد أصدقاءنا ، واجتهد صديقنا إسماعيل فى البحث حتى عثر على مقهى خال تماما من الزبائن ودخلنا و”سعيد عباس” يتحامل على أكتافنا، فمدّ القهوجى المقاعد وساعدنا حتى أجلسناه ونام على ظهره ورفعنا ساقيه والقهوجى يردد : ألف سلامة يا بهوات تلاقيه برد فى المعدة أو كل شطة كتيرة!، وهدأ زفت الطين وقال “الحمد لله .. الحمد لله” ، وضربناه وشتمناه وضحكنا وعدنا إلى القاهرة وتفرقنا حتى جمعنا المترو فى طريقنا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب بعدها بسنوات ووقف”سعيد عباس “فى مواجهة سيدة منتقبة لا يظهر منها إلا عيونها وإذا به يتسمر أمامهما ساهما سارحاً غير مهتم بما نقول وبما يدور وتغامزنا وتذكرنا واقعة الشرقية ، لكن الموقف استمر وكل ركاب عربة المترو صوبوا عيونهم نحو هذا المشهد وانتبهنا للحرج الذى نغرق فيه فتزحزحنا بأقدامنا وأصابعنا التى تمسك بالمقابض الجلدية الساقطة من سقف المترو حتى أصبح “سعيد عباس” خلفنا كأننا لا نعرفه ولا نعرف أهله ولا شفناه قبل كدا ، أصابنا يأس منه فهو مريض بلا أدنى شك ، وقررنا الانصراف عن صداقته فهو خطر غير مأمون الجانب خاصة مع الانتشار الرهيب للنقاب فى المواصلات العامة والخاصة، اتفقنا على ذلك فور نزولنا من المترو متجهين إلى المعرض ونحن نخشى نوبات الألم الفاضح التى انتابته فى موقعة الشرقية السوداء .
ولم يكن (سعيد عباس) وحده المصاب بفتنة النقاب وشهوته، فقد تقابلنا فى ميدان التحرير وليلة تنحى مبارك تحديداً بصديقنا ياسر فؤاد الذى سافر منذ تخرجنا فى الجامعة وعمل محاضرا للفن التشكيلى بعدد من معاهد إيطاليا وأصبحت زياراته للقاهرة قصيرة ومتقطعة يقضيها فى شقة بجاردن سيتى مع زوجته الإسبانية الراقية والبديعة الجمال والشرقية الطابع والتى تدير قاعة لعرض اللوحات الفنية فى روما،وقد استقبلتنا فى بيتها وطبخت مكرونة معجونة وتعاملت معنا بكل لطف وذوق، وفوجئنا ذات يوم بفؤاد يعترف فى جلسة صفا بأنه يتمنى علاقة عاطفية مع منتقبة!، وبالفعل وجدناه يوماً قادما علينا وخلفه منتقبة تجر ذيول الخجل الأنثوى فى دلال ولا يظهر منها سوى عينين سودواين برموش طويلة وكحل يزينهما ومع ذلك وقفنا مصلوبين نحدق فيهما فتأخذنا إلى عالم سرى ممتع، وجلسنا صامتين بعد السلام نتبادل النظرات فى ذهول وهى تفرك كفيها فركا طريا ولذيذا وعطرها يفوح،ورحبنا بها بعد أن استوعبنا الموقف،وضحكنا،وشتمنا صديقنا فؤاد شتيمة بالأم والأب بعد انصرافها لما فعل بنا وبنفسه، وتذكرنا ملامح زوجته الطيبة وتصعبنا على حالنا ونحن نتذكر ملامح زوجاتنا ونتعجب أكثر من صمودنا أمام فتنة النقاب!، ولا تظن أن هاشتاج “حرق النقاب ” الذى أطلقته السعوديات منذ أيام بعد هاشتاج سابق بعنوان ” النقاب وصمة عار” سيمر مرور الكرام على المفتونين بالمنتقبات!،فهؤلاء سيقاتلون ـ ومعهم سعيد عباس وفؤاد بالطبع ـ لآخر نفس كى يستمتعوا بشهوة السيد مع الجارية!،سيرفعون المصاحف على أسنة الرماح دفاعا عن بقاء كتلة اللحم فى الشوال وتحت النقاب والخمار ،فهذا مكمن الفحولة الإسلامية والعلمانية والليبرالية أيضا، ستجد نعيقا باسم الحرية ونعيقا باسم الدين ونعيقا باسم الشهوة الحرام، وسيتفاءل البعض،فسقوط النقاب فى السعودية يعنى قطع جذر الشجرة المسمومة التى مدت فروعها الجافة إلى مصر، ولكن ترسانة الشهوة والجنس ستكون أقوى، فاختراع النقاب والخمار وتحويل النساء إلى كائن “حرام” جاء من تلك الجماجم التى ترى المرأة شهوة وجسداً وليست عقلاً ولا وجوداً،وهؤلاء لا يستحقون العيش على أرض حكمتها حتشبسوت ونفرتيتى وشجرة الدر، فمصر كماهو معروف ليست الصحراء التى يشتهى الرجال مضاجعة الحيوانات فوق رمالها الساخنة ، ولم تعرف حجابا إلا فى دولة العلم والإيمان الساداتية،أما اختراع النقاب فأخذ فى الظهور منذ الثمانينات وانتشر فى التسعينات مع مضخة المشايخ والدعاه الجدد إلا أنه ظل غريبا مريباً علينا نحن المصريين الذين سبقنا البشرية كلها لعبادة رب السموات والبحث فى أسرار الكون والحياة والموت ،لكن أمولاً ضخمة كانت تغذى التيارات الدينية ظلت تحمى”النقاب” وتفتح له المحلات التجارية وتصنع له أرضاً خصبة بين فقراء القرى وجمعيات رعاية الأيتام والمطلقات،وحدث ما تعرفونه من اكتساح للعادات الخليجية لأرض المحروسة وشوارعها.
النقاب فى المحكمة !!
فى التسعينات فقط ،تم السماح فى المدارس الإعدادية والثانوية بدخول المنتقبات وتبعتها الجامعات ومُدنها السكنية حتى تم ضبط شاب داخل مدينة الطالبات فى وضع غير أخلاقى مع إحدى الطالبات واتضح أنه كان يختبىء كل ليلة خلف “النقاب” وأنه ليس الوحيد الذى يستخدم نفس الحيلة!،وأثيرت القضية فى الصحف وظهرت على السطح عشرات الوقائع المشابهة ونشر محمود صلاح فى أخبار اليوم سلسلة متتالية لجرائم الجنس والزنا خلف النقاب، لكن قوة تأثير الأموال التى تدعم وتمول الجمعيات السلفية كان أقوى من حملات الصحف .
وعاد النقاب حماية ووقاية وستراً من البصاصين وأولاد الحرام ـ اللى همه احنا طبعا ـ ولم يعد بمقدور أحد أن يستوقف منتقبة ليسألها إن كانت رجلاً أم شبحاً ؟!،حتى جاء عام 1996 ليحمل مفاجأة كبيرة حين رفض وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين دخول تلميذة منتقبة إلى مدرسة فى الإسكندرية!، وتحول الموقف إلى أزمة جندت خلالها الجماعات الإسلامية كل أسلحتها لتحويل الوزير إلى مارق فاسق زنديق يمنع شعائر الله ! وتم ترويج الكذبة على أنها حقيقة ،وأصبح ” النقاب ” فريضة! ولجأ والد التلميذة إلى القضاء فكانت الضربة الكبرى لخفافيش الظلام حين أصدرت المحكمة الدستورية برئاسة المستشار”عوض المر” حكماً تاريخياً لم يكتف برفض الدعوى القضائية فقط بل قدم درساً فى الفقه والقانون ومقياساً للحرية الشخصية، فشريعة الله لا تمنح قدسية لأقوال أحد الفقهاء،والآراء الاجتهادية فى المسائل المختلف عليها لا يجوز اعتبارها شرعًا ثابتًا ،وقال الحكم انه ليس هناك دليل من النصوص القرآنية ولا من سنتنا الحميدة على أن لباس المرأة يتعين شرعاً أن يكون احتجاباً كاملاً، متخذاً نقاباً محيطاً بها منسدلاً عليها لا يظهر منها إلا عينيها ومحجريهما، فإن إلزامها إخفاء وجهها وكفيها وقدميها عند البعض لا يكون تأويلاً مقبولاً، ولا معلوماً من الدين بالضرورة، وكشف المنتقبة لوجهها “أعون على اتصالها بأخلاط من الناس يعرفونها ويفرضون نوعاً من الرقابة على سلوكها،وهو كذلك أكفل لحيائها وغضها من بصرها وأصون لنفسيتها وأدعى لرفع الحرج عنها”.
وفيما يخص قرار منع التلميذة المنتقبة قال الحكم إنه لا يناقض نص المادة الثانية من الدستور، “ذلك أن لولى الأمر فى المسائل الخلافية حق الاجتهاد بما ييسر على الناس شئونهم،كما أن القرار المطعون فيه لا ينال من حرية العقيدة ولا يعطل شعائر “ولا يناهض جوهر الدين فى الأصول الكلية التى يقوم عليها، بل يعتبر اجتهاداً مقبولاً شرعياً لا يتوخى غير تنظيم رداء للفتاة ويدخل فى دائرة تنظيم المباح ولا يعد افتئاتاً على حرية العقيدة”.
وتضمن الحكم العديد من الفقرات الدقيقة فى توصيف معنى الحرية الشخصية وما يدخل فى إطارها ، وأظنه حكماً يحتاج فقط إلى تفعيل بدلاً من الدخول فى دائرة قال الفقهاء وأفتى المشايخ التى ندخلها ولا نخرج منها بسبب الصوت العالى والتجارة بالدين وانتصاب أصحابها فى وجوهنا باعتبارنا كفاراً وهم الأتقياء والأوصياء على الدين! ، تفعيل الحكم وإصدار قرارات تمنع دخول المنتقبات المؤسسات والهيئات وتعيد إلى مصر هويتها الدينية والاجتماعية هو الحل الوحيد.
اقرأ ايضًا: