فى أبريل 1974 نشرت مجلة الكواكب تقريراً عن استعدادات الفنانة سهير زكى لتقديم مجموعة من الرقصات والتابلوهات الفنية للتليفزيون بعد أن تم الإعلان عن مجموعة من الحفلات التى تم تصويرها،وقالت سهير زكى فى حوارها مع المجلة والذى أجراه البرنس حسين، إنها تفكر فى تقديم رقصات مستوحاه من البيئة المصرية مع إدخال الآلات الموسيقية الشعبية مثل المزمار،وقالت سهير إنها قدمت حفلات فى المحافظات ووجدت ترحيبا من الجمهوربهذا الشكل الجديد.
وأنا مواليد 1969 ،يعنى لحقت اتفرج على ما سيصبح عيبا وحراما فيما بعد، والذى استمر تقديمه فى التليفزيون حتى مطلع الثمانينيات، والحمد لله على نعمة ماسبيرو زمان التى يمكنك أن تشاهد الرقصة التى قدمتها سهير زكى مع النجمة نجوى فؤاد ،لذلك ستجد كل أبناء جيلى لا يهتمون مثلا بكلام مجعلص عن التنوير والتظليم،أوعن البزرميط الذى جعل من الست فدوى مواهب قدوة تترك الآمهات بناتهن لديها لتعليمهن أصول الهوت شورت وحرمانية لبس الشووغغت قدام الماما!، وهو البزرميط الذى جعل شاعرة كبيرة مثل فاطمة ناعوت تدخل نادى (تكوين) لصاحبيه إبراهيم عيسى ويوسف زيدان قبل اعلان استقالته،فتصبح نسخة جديدة من الست مواهب فى صورة تنويرية لم تكن تحتاج إليها.
السيدة فدوى مواهب لم تكن مجرد تريند شغل السوشيال لمدة ليلة او ليلتين لكنها بالنسبة لى خطر لن يتوقف باختفائها مؤقتا،فهناك ألف مواهب دخلن بيوت القاطنين الجدد فى الكامبوند، وهؤلا طبقة لا يستهان بها تنتشر فى المدن الجديدة بداية من الشيخ زايد حتى الرحاب ومدينتى وكده!،عاد جزء منهم من الخليج بثروة،وصعد الجزء الثانى مع الصاعدين على ثورتى يناير ويونيو ممن عرفوا طريق الثروة ،وستجد بينهم أطباء أسنان وتجميل ومهندسى بترول وصحفيين من أبناء الطبقة الوسطى التى تحاول الصعود على كبر!،وأصبح من مستلزمات حياتهم الجديدة البحث عن الإيمان الذى يحفظ النعم،ومن شكليات هذا الإيمان تحفيظ أولادهم الكوران ـ معظمهم ينطق القرآن بالكاف والضم ـ وتحرص سيدات هذا المجتمع على ارتداء نظارة شمسية والخروشة بمفاتيح العربية،ونجحت الست مواهب فى الضحك على طبقة هشة وصاعدة وأقنعت الهوانم الجدد بأنها جزء من مشروعهم الإيمانى الجديد،فهى كما وضح بالفيديو الشهير تبدو جميلة ورشيقة وشيك وعندها كام كلمة إنجلش حلوين.
فاطمة ناعوت تقف فى الضفة الثانية بكل أسف!،أخذوها إلى تكوين فأحرقت أرضا خضراء كانت قد بدأت زراعتها منذ ثورة يناير كوجه مصرى لكاتبة ترتقى بالسلوكيات وتزور الكنائس والأديرة فى الأعياد والمناسبات وسط ترحيب كبير جعلها وجها لامعا وبراقا يقدم صورة لطيفة للغاية للمثقفة والمعمارية المصرية التى تشجع غيرها على المبادرة بتقديم الحب عربونا للوطنية وتأكيداً على وحدة المصريين، كنتُ سعيداً بدورها وكتبت أشيد به مرات ،فلم تكن فاطمة تتصرف وهى تحت لافتة سوى لافتة الثقافة المصرية فى التسامح والمحبة،لم تكن مدعومة من جبهة أو دكانة تعبىء كلوبات التنوير بالدولارات!،سامحها الله،ولا أعرف كيف طاوعها قلبها أن تجالس من تعرف جيداً إنهم لا يريدون تنويرا ولا يحزنون بل يصنعون البزرميط الذى يشعل الفتنة ويزيد حساسية المسلمين من التعامل مع المثقفين الذين تم اختصارهم فى كتلتى اللزوجة الثقيلة للغاية، صحيح أن يوسف زيدان كتلته أكبر بحكم السن إلا أن كتلة إبراهيم عيسى تظل هى الأخف مهما ثقلت .
فقدت فاطمة ناعوت عفويتها الجميلة وطلاقة لسانها باعتبارها تجيد الفصحى إجادة مجمع اللغة،لكنها انطفأت بعد تلك العملة التى عملتها فى نفسها وفينا،شاهدت لها فيديو منتشر على السوشيال بعد انضمهما لتكوين فظهرت شخصا آخر تماما!، وقول للزمان ارجع يا زمان.
ما علينا ، ودعنا نعود إلى جيلنا البرنس فى نفسه تجاه تعاطى تلك القضايا البزرميط،حتى السجالات التى تحدث حول ظهور فنانة بفستان عريان أو طلاق وزفاف علانة من ترتان،لن تجدنا نخوض فيها،فنحن الذين شاهدنا الرقص والدلع والسينما والحب والبوس واستعراضات فرقة رضا فى تليفزيون البيت الأبيض والأسود وعلى قناتيه الأولى والثانية فقط،فعلنا كل ذلك من دون أن تلتهب المثانة ولا تحتقن اللوز!، احنا جيل شبعان غُنا ورقص ولا نحتاج البزرميط،لأننا نعرف أن الرقص لم يكن حراما ولا عيبا إلا من التمانينات وأنت طالع إلى الآن،فى الستينات مثلاً ـكانت مسارح العالم كله تتنظر عروض الفرقة القومية للفنون الشعبية التى صنعت حالة مصرية خالصة ببراعة فريدة فهمى و محمود رضا والعبقرى الموسيقار على إسماعيل ،وتعامل عبد الناصر مع أعضاء الفرقة باعتبارهم سفراء من حقهم “الحصانة الدبلوماسية” بجواز سفر خاص داخل مطارات العالم، كانت الثقافة تجرى فى ربوع بلادنا لذلك تنوعت الرقصات التى تصنع البهجة كما لم يخطرعلى قلب بشر، ويمكنك أن تلمس أشكالاً من الإبداع المصرى فى رقصة “الحنة السويسى “تختلف عن النشوة التى تحسها فى ” الصهبة الإسكندرانى” ولا تقل جمالاً عن “الضمة البورسعيدى” بل يمكنك أن تجد متعة فوق المتعة فى “الرقص البلدى” الذى هو خلطة مصرية خالصة قبضها الله من الجنة ونثرهاعلى بنات النيل وحدهن، وابتكر الريف رقصاته وصنعتْ المُدن أشكالاً متنوعة من الرقص.
واحتفظ أبناء بورسعيد برقصة (الضمة) منذ حفر قناة السويس حيث كان آلاف العمال والمزارعين والحرفيين القادمين من قرى ونجوع مصر يتسامرون بعد يوم شاق ويبدع أبناء كل مديرية فى تقديم موروثه الخاص حتى تجمعت “ضمة الأحباب ” وعاد الجميع إلى ديارهم وبقيت الضمة بطعمها البورسعيدى حتى اليوم.
اقرأ ايضًا:
اولا الف مبروك لهذا الموقع الجديد الجميل والمؤثر من خلال المقارنة بين أزمنة الفن وما حدث لنا من تحولات ..ثانيا كنت اتمني لو نشرت الحوار القديم مع علي الحجار والذي احتاج لاعتذار رسمي لان الكثيرين غضبوا منه في هذه الواقعة تحديدا ..وثالثا ..تحياتي وتقديري وشكرا ..