قبل أن أعرف الشاعر إبراهيم عبد الفتاح ،كنت أعرف كلماته فى صوت على الحجار وهو ينقل عذابات جيلنا البائس فى قصص الحب التى لا تكتمل ولا يتبقى منها سوى ذكريات الشتاء الذى يدق البيبان فيصفعنا بحنين جارف للحبيبات القديمات ،وكثيراً ما كنتُ أنظر إلى إبراهيم عبد الفتاح متأملاً هذا الشاعر البسيط الذى يتسكع فى شوارع القاهرة الآن،وكان قد استحوذ على جزء من وجدان جيلنا بتلك الأغنية التى ستبقى نشيداً محزنا لكل أصحاب الذكريات المؤلمة حتى فى نعومتها ووسط أمطارها!.
كان على الحجار بالنسبة لجيلنا شاطىء مريح حتى بالنسبة لهؤلاء الذين أحبوا هيجان بحر محمد منير،وملامح الحكمة والثقة فى صوت محمد الحلو، فهو فى منطقة مختلفة ويجيد اختيار كلماته بحكم علاقات القوية أولاً بالعبقرى المصرى سيد حجاب ،وثانيا علاقاته بمعظم شعراء الجيل ،فأخذ (لما الشتا يدق البيبان) من إبراهيم عبد الفتاح بملاليم ، وقطف من الشاعر جمال بخيت أحلى وردة (أنا كنت عيدك .. تنقص نجوم السما أزيدك)ربما بملاليم أيضا، وتربع الحجار فى قلوب مريديه بروائع سيد حجاب فى مسلسل الأيام تحديداً ،وبإعادة المسحراتى لعم الشعرا فؤاد حداد ،ثم أكمل وجوده بغنوة بديعة للشاعر الكبير بهاء جاهين اسمها (عارفه .. مش عارف ليه بتونس بيكى وكأنك من دمى .. على راحتى معاكى وكأنك أمى) ،لكن الحجار لن يعجب بعضنا فيما بعد،وهذا أمر الدنيا وفنونها وعلاقة الأجيال بها،لكن الكل سيحتفظ بالحب القديم ،وهو الرصيد الذى جعلنا نستهجن موقفه من مدحت صالح فى معركتهما حول مشروع 100 سنة غُنا والتى تفجرت فى يونيو 2023 فماذا تبقى لنا وكبار الجيل يرتكبون تلك الحماقات الصغيرة؟!فلم يكن مدحت صالح بعيداً عن جيلنا العتيق فهو من الكبار أيضا،والحقيقة أن على الحجار كان قاسيا للغاية فى التعامل مع الموضوع، ووضعنا ـ نحن عشاقه القدامى ـ فى موقف غاية فى الحرج لما حملت تصريحاته ضد مدحت صالح من جنوح زائد،لكننى وللأمانة قررت الاعتذار العلنى لعلى الحجار ليس عما جرى مع مدحت فقد تصالحا بحمد لله ، ولكن اعتذارى بسبب هذا حوار وقع تحت يدى بالمصادفة أجراه على الحجار لمجلة الموعد فى أغسطس 1999 وكان عنوانه :
” على الحجار:سؤال من ابنتى مشيرة جعلنى أبدأ مشروعا ضخما لتقديم تراث 100 سنة غنا).
وهنا استشعرت ضرورة الاعتذار لأننى قسوت عليه ضمن كثيرين ممن كانوا قساة معه بسبب غضبه الزائد،فلم أكن أعرف وقتها أن هذا الحلم يراود على الحجار منذ 1999 وأن الغضب الذى اعتراه قد يكون مبررا عندما تنظر إلى واقعة مسجلة معه فى حوار يتحدث فيها عن المشروع الذى وجد غيره يزاحمه فيه، نعم كان على حاداً ولم تعجبنى حدته وقتها ،لكن بهذا الحوار ،أو العنوان إن شئت الدقة يكون للغضب آنذاك ألف مبرر .. سامحنا ياعلى وكل وربنا يبارك فى مشيرة” التى كانت حافزاً لمشروع كبير.
اقرأ ايضًا:
عظمة