الرحلة إلي مصر المصدر من كتاب الفن القبطي في مصر 2000 عام من المسيحية
انتظر النبى هدية ربانية كبرى بعد أن أنجب من السيدة خديجة بناته الأربع،تزوجت زينب الكبرى من ابن خالتها العاص ابن الربيع ،وتزوجت أم كلثوم ورقية من أبنى أبى لهب،وعاشتا فى بيت حمّالة الحطب،حتى جاءت الرسالة فتغير مصير الثلاثة،وبقيتْ فاطمة الزهراء حتى تزوجت على بن أبى طالب،وظل حلم إنجاب الذكر قائما،فمازالت السيدة خديجة قادرة على الإنجاب وليس فى الحلم اعتراض على المشيئة الإلهية،لكنها الفطرة الإنسانية التى تمتعّ بها النبى المختار صلى الله عليه وسلم من حب البنين،فقد فاضتْ عاطفة أبوته على أثنين كانا بمثابة الولد أولهما على بن أبى طالب،والثانى هو زيد بن حارثة الذى كان يُسمى زيد بن محمد حتى نزلت (ادعوهم لآبائهم )، كما قدم الدرس البليغ فى تربية البنات ولم يجزع وكل هؤلاء الجهلاء يتغامزون عليه ويجرحون مشاعره الرقيقة بوصفهم الخسيس (الأبتر ) ،فهم أبناء الجاهلية الذين وأدوا بناتهم تحت الرمال وتفاخروا بالذكر حتى لو كان سفاحاً!،وهو الكريم ابن الكريم الذى سهر على تربية أربع بنات سعيداً صابراً،ويحق له أن يحلم بولد من صلبه،وظل الأمل قائما حتى جاء القاسم وتلاه عبد الله لكن يشاء الله أن يرحلا صغيرين ولم يحدد رواة السيرة متى ماتا ولا كيف! ،بل إنهم لم يتفقوا على رأى واحد فى عدد أبنائه الذكور كما تذكر بنت الشاطى فى كتابها (بنات النبى)،فبعضهم قال القاسم وعبد الله والبعض الآخر أضاف الطيب والطاهر،وأصبح للبنى صلى الله عليه وسلم ـ وفق هذه الروايات ـ أربعة من الذكور توفاهم الله قبل الرسالة المحمدية وجميعهم من السيدة خديجة بالطبع ،حتى جاء إبراهيم فلم يختلف أحد من رواة السيرة عليه وعلى والدته ماريا القبطية بنت مصر أخوال العرب .
الحنين إلى قصة السيدة هاجر
من الأشمونين جاءت مارية بنت شمعون لاب قبطى عاش فى إحدى قرى المنيا ،وانتقلت مع شقيقتها إلى قصر المقوقس وشهدت وصول (حاطب ابن بلتعة) حاملاً رسالة النبى محمد صلى الله عليه الشهيرة بدعوته لدخول الإسلام،وكانت ماريا الهدية الكبرى التى أرسلها المقوقس مع شقيقتها وغلام خصى دارت حوله حكايات مضحكة، وفى طريقها من مصر إلى مكة لم تكن ماريا تعرف شيئاً عن العالم الذى ستدخله ،ولم تكن تعلم أن سيدات الحجاز سيعجبن من جمالها الآخاذ الذى وصفته السيدة عائشة فى حديثها عنها بأنها (شابة حلوة جعدة الشعر جذابة الملامح).
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم قدرها فهى على دين عيسى الذى بشّر برسول يأتى من بعده اسمه أحمد،وكان يعرف أصلها ومنبتها فهى ابنة البقعة المقدسة وتحمل رائحة الأرض التى احتمى بها السيد المسيح وليدا فى رحلة العائلة المقدسة،فأنزلها النبى صلى الله عليه وسلم بمنزل قرب المسجد بعيداً عن زوجاته فأثار ذلك غيرتهن وتظاهرن ضدها حتى نزل قوله تعالى (يا أيها النبى لما تحرم ما أحل الله لك) ، وتدفأت ماريا بمشاعر الرسول الأمين الذى كان قد بلغ الستين فشعرت بالطمأنينة فى اغترابها وفراقها للنيل وأهل مصر،وكان هو صلى الله عليه وسلم مازال يتمنى أن ينعم الله عليه بولد فقد تزوج بعد خديجة عشرزوجات،ولكن أرحامهن أمسكت عن الإنجاب،فهل يتجدد الأمل مع الفتاة الغريبة!،هل تكون هى هاجر المصرية التى أنجبت لإبراهيم ابنه الذبيح إسماعيل!،هل تأتيه بشارة السماء إلى زكريا وهو قائم بالمحراب( قال رب أنىّ يكون لى غلام)،وفى عامها الثانى معه وبعد أن تأكدت من البشارة التى فى أحشائها أخبرته صلى الله عليه وسلم فانتابته فرحة قيل إنها أكبر من فرحته فى يوم الفتح ،وأشرق نور وجهه الكريم وهللت المدينة للخبر السعيد واكتملت شهور الحمل وجاءت لحظة ميلاد (إبراهيم ) الذى اختار له النبى الاسم تيمناً بالخليل،وكان قائما يصلى حين جاءته البشرى فى شهر ذى الحجة سنة ثمان من الهجرة،ففاضت دموع فرحته وتصدقّ على كل مساكين المدينة وعاش فرحة عارمة جعلته يحمل الوليد بين ذراعيه ويطوف به على زوجاته ليباركنه حتى وصل إلى عائشة ودعاها لترى ملامحه فكان ردها عنيفا ً،ولم تفارقها الغيرة لحظة واحدة، حتى انطفأ الفرح ومرض إبراهيم مرضا شديداً وهو لم يبلغ عامه الثانى بعد،وعمّ جو من الكآبة والحزن فى المدينة كلها وتصف الكاتبة الكبيرة بنت الشاطىء مشهداً يلخص حالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى دخل يتحامل على يد (عبد الرحمن بن عوف) متألما باكياً وحمل صغيره فى حجره محزون القلب ضائع الحيلة ،لايملك سوى أن يقول 🙁 إنّا يا إبراهيم لا نغنى عنك من الله شيئا)، ودمعت عيناه وهو يرى صغيره يعالج سكرات الموت ثم أصغى واجما إلى حشجرة احتضاره ،مختلطة بعويل الأم الثكلى والخالة المفجوعة، وأنحنى النبى على جثمان فقيده فقبله والدمع يفيض:( تدمع العين يا إبراهيم ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضى الرب وأنا يا إبراهيم عليك لمحزون ،وإنّا لله وأنا إليه راجعون )، ثم نظر إلى مارية يواسيها : ( إن له مرضعةً فى الجنة )، وحمل جثمان إبراهيم على سرير صغير إلى البقيع فصلى عليه وأضجعه بيده فى قبره ثم سوى التراب عليه ونداه بالماء وطوى جرحه مستسلما لأمر الله،واعتكفت ماريا فى بيتها تحاول أن تتجمل بالصبر .. بينما استظل النبى صلى الله عليه وسلم برائحة إبراهيم مسبحا بحمد الله .
مقال رائع.
تحياتي