يتميز ناصر عراق بقدرة كبيرة على تلوين الصورة الروائية فى أعماله، فهو ابن اللون قبل أن يكون أن يكتب الرواية ،عرفته أوائل التسعينات بصحبة صديقى الكاتب سعيد شعيب ،كان ناصر وقتها مولعا بالفن التشكيلى الذى درسه فى كلية الفنون الجميلة ،وقادرا على تزويدى بمعلومات مرعبة عن تاريخ الفن وحكايات محمود سعيد وإنجى أفلاطون ، لم يكن يظهر كثيراً فهو مشغول طوال الوقت بمعارض الفن التشكيلى ، وإذا ظهر كان هادىء الصوت قليل الكلام إلا عن والده وسيرته العطرة التى كان حريصا على ذكر طرف منها فى كل مرة التقيته فيها ، كان يعتبر نفسه محظوظا لأن والده هو السيد عبد الفتاح إبراهيم عراق الذى استقر بالقاهرة أوائل الأربعينات قادما من إحدى قرى الغربية ليعمل فى مصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة ، ووسط العمال الذين كانوا عصب الحياة فى مصر العشرينات ، بدأ الوالد نشاطا سياسيا محدودا رافضا صلف أصحاب المال ، كان واحداً من الذين يمتلكون وجهة نظر وسط جموع العمال فقد قرأ لسلامة موسى وطه حسين وفكرى أباظة وترجمات لديستوفسكى وموليير ودواوين شعر للمتنبى وشوقى وهى الكنوز التى شبّ ناصر ليجدها متناثرة فى البيت مع مجلات ورسومات بالرصاص أبدعها الوالد الذى كان يحرص على مشاهدة أفلام السينما وعروض المسرح ، وحملّ ناصر حقيبته على كتفه وبدأ رحلة العمل الصحفى التى التقيته فيها فى صحيفة الأحرار عام 1994 ، واقتربنا بحكم صداقتى مع الكاتب والمهموم بالمسرح سعيد شعيب ، فكانا بالنسبة لى روافد معرفة كبيرة ،ولم أعرف أنه رسام وتشكيلى إلا بعد صدور كتابه الأول والمهم ( تاريخ الرسم الصحفى فى مصر ) بغلاف لا ينسى بسبب لوحة الفلاح التى اختارها ناصر وكانت للقائد والُمعلم حسن فؤاد الذى صنع مجد الرسم الصحفى مع اللباد وزهدى وأبو العينين وعشرات من جيل الأساتذة .
وحدث أن غاب ناصر عن المشهد الثقافى المصرى واستقر فى دبى مؤسسا لدار الصدى ورئيسا لقسمها الثقافى ثم خاض تجربة مجلة دبى الثقافية وكان أول مدير تحرير لها، وكل ذلك لم أعرفه وقتها لكننى فوجئت بأعماله الروائية بداية من نساء القاهرة ـ دبى ) التى كانت العمل الأول الذى يقع فى يدى ولم استطع الوصول إليه للتعبير عن إعجابى بها ، وراحت أيام وجاءت آخرى وأصدر ناصر مجموعة من ال~أعمال المؤثرة والتى حصدت عشرات الجوائز ولم يعد فى حاجة إلى كتابة عنه بفضل الله ونعمته ، لكننى منذ شهور قليلة قرأت روايته (أيام هيسترية ) وأعجبنى العنوان قبل أن أخوض تجربة تلك الأيام التى عاشها نبيل ،بطل الرواية الكاتب الستينى
البائس الذى وقع فى حبائل فتاة جاهلة ومحطمة نفسيا لم يكن يعرف عنها سوى قشور وتزوجها وجاء بها إلى دبى ليكتشف كم كان غبيا وجاهلا ولا يستحق أن يكون كاتبا مهمته قراءة مشاعر الناس ومعرفة دواخلهم!.
موسيقى صاخبة للفنان حامد ندا
عبر رسائل فيس بوك بدأت العلاقة بين الكاتب البائس والفتاة اللعوب (نسمة فريد) التى تصغره بعشرين عام تقريبا ،كان يهرب من الوحدة بعد طلاقه من “علا الجميعى” ،ويهرب أيضا من الخوف محروقا فى شقته بعد أن تعرض لحادث مصغر فى مطبخه أثار فى نفسه مخاوف أكبر ودفعه الأصدقاء إلى الزواج خوفا من تكرار مرعب للحادث البسيط ، ووافقت ابنته المقيمة فى استراليا بصحبة شقيقها على الفكرة ، وكان السيد (نبيل ) قد أعجب بنسمة فريد من بوستاتها وبعض قصائد الشعر التى تكتبها على فيس بوك، كما أعجبه اهتماماتها المكتوبة على صفحتها ومنها كتابة السيناريوهات : “كما آثار انتباهى جمالها الواضح وثيابها الأنيقة وشعرها الأسود الطويل .. ” ،إذن كل شىء جيد، وتم الزواج لتبدأ الهيستريا ويجد نفسه أمام نموذج مختلف عنه تماما بداية من ثقافة الأكل والشرب مرورا باختيار الملابس الداخلية ! نسمة فريد التى تبدو على فيس بوك عبقرية متفردة تجهل كل شىء عن أى شىء! ، لا تعرف الفرق بين بليغ حمدى وحمادة سلطان!!، تدعى الثقافة والوعى بالتاريخ والجغرافيا وهى لم تدخل متحفا ولم تشاهد فيلما من كلاسيكيات السينما المصرية ،وكلما جلس إليها باعتباره كاتبا كبيرا يتجاذب أطراف الحديث مع زوجته الصغيرة يكتشف خيبته الكبيرة وكيف سقط فى هذا الاختبار وتورط هذه التوريطة .. لتبدأ هيستريا ضرورة الخلاص والطلاق وإعادة البضاعة إلى مخزنها بالقاهرة وتلك كانت تجربة أصعب وأبشع فى هيستريتها .