يذكرك صوت هدى سلطان بـ “مزازة” التفاح البلدي الأخضر، الذي يفسح الطريق أمام مواسم الفاكهة، صوت يحمل على ظهره الأشواق المهجورة، الأشواق الخالية من الكهرباء والافتعال، أنت مع صوتها أمام الريف الذي كان، الذي نسجت البداهة فيه الحكايات الجانبية بمهارة وذوق نادرين، أنت مع هدى سلطان تجلس إلى أهلك وجيرانك الذين كانوا يؤمنون أن الغناء ضروري لكي يكبر الأطفال، وتثمر الحدائق، ويفيض النهر، ويسقط المطر، كانوا يستخدمونه درعًا في مواجهة القهر والفقر أيضًا، صوتها الحميم استعار من الأرغول والتشيللو ما تريده لكي تزيح الغبار عن قلبك، وجهها الصبوح يأخذك من يدك إلى صباك، أيام كانت المرأة تعني صاحبة هذا الوجه. شقيقها العبقري محمد فوزي أمسك في الموسيقى شيئًا عذبًا في روح الزراع،”عصر” روح الدلتا في ألحانه، ستكتشف وأنت تنصت إليه أنك إما في مولد شيخ العرب أو سيدي إبراهيم، أو في فرح كل الحضور فيه فرحون، أو تستمع إلى شخص طيب يريد فقط أن يغني على طريقته هو، ولا يريد أن يستعير حنجرة آخر لا يعرف حاله. الست هدى-رحمة الله عليها- كانت تغني باسم الدلتا كلها، حتى لو كان الملحن من أبناء المدن الكبرى، تفرح عندما يهل صوتها، وتتذكر المناطق الخضراء في ذاكرتك، ذات مساء ركبت مع سائق تاكسي، قطع المسافة التي تستغرق في الظروف العادية نصف ساعة في ساعتين، لا يستمع إلا إلى أغنيات هدى وفوزي، وأضاء لي هذا الشاب مناطق في التذوق يصعب على المتخصصين بلوغها، قال لي إن والده من أسيوط، وأنه يحلم أن ينصلح حال البلد لكي يعود الناس للغناء.
من كتاب (طبعا أحباب )
اقرأ أيضًا:
ورشة مجانية للإخراج المسرحي فى مسرح الطليعة
عريس البحر .. فنانون ينتظرون شمس النهار
أنا ونور الشريف .. ورفاق الصبا: ناصر عراق