منذ أكثر من ثلاثة أعوام كتبت هذا العنوان (ياعينى عليك يا محسن )وكان المقصود هو الفنان التشكيلى الراحل محسن شعلان الذى مات وفى قلبه حسرة وألم بعد واقعة سرقة لوحة فان جوخ الشهيرة والتى سنعود إليها بعد أن أقول لك يا عزيزتى ويا عزيزى بأن سيرة محسن عادت ومعها نفس الحسرة بمجرد أن وقع فى يدى كتاب صغير بعنوان (حكم الغربان) وهو تجميع لمقالات كتبها محسن شعلان من الزنزانة وقام ابنه (أحمد) بتجميعها وأصدرته السيدة سعاد الصالح على نفقتها الخاصة فى طبعة محدودة،ويبدو أنه تم توزيع النسخ على عدد محدود من الأصدقاء فكانت تلك النسخة على سور الأزبكية بإهداء لواحد منهم!.
والسيدة سعاد الصالح كما كتب أحمد فى مقدمة الكتاب هى إحدى الصديقات المخلصات والمقربات للفنان الراحل، وبالفعل تستحق هذه السيدة كل تقدير واحترام،ففى الوقت الذى تجاهل الجميع هذا الفنان تماما وكأنه قد سرق اللوحة بالفعل!، ظهرت هذه السيدة لتعيد تقديم محسن شعلان من خلال مقالاته الموجعة التى نشرها فى جريدة التحرير 2011 والتى تكشف حجم المعاناة التى عاشها بين أقسام الشرطة والنيابات وحتى جحيم الزنزانة والحبس ظلما، وكل الشكر للابن الذى حكى فى مقدمة الكتاب عن معاناته شخصيا كمرافق لوالده طوال تلك الفترة الصعبة عليهما والتى جعلته يسعى لنشر تلك المقالات فلم يجد سنداً سوى تلك السيدة التى اكتفت بدورها ولم تكتب كلمة أو تشير إلى وجودها وأظنها لم تكن تسعى إلى ظهور اسمها،لكن الواجب اقتضى على الابن توجيه الشكر لصاحب الفضل.
القصة من أولها
عموما القصة بأكملها حدثت فى ظهيرة السبت 21 أغسطس 2010، فوجئت الأوساط الثقافية بخبر سرقة لوحة زهرة الخشاش من متحف محمد محمود وحرمه بالجيزة ،وتحول الخبر ” الثقافى ” إلى حديث الساعة فى الشارع المصرى خاصةً وأن التليفزيون المصرى أضاف الإثارة المطلوبة حيث اذاع فى التاسعة من مساء نفس اليوم خبر القبض على سائحين إيطاليين ومعهما اللوحة المسروقة، وبعدها بقليل تم تكذيب الخبر
وهنا تناثرت الشائعات حول تورط شخصيات كبيرة فى سرقة اللوحة
الثمينة التى كانت تقدر وقتها ب 55 مليون دولار ، وطالت الاتهامات
سوزان مبارك وفاروق حسنى وغيرهما
وفى صباح اليوم التالى تم القبض على الفنان محسن شعلان ـ الذى رحل عن عالمنا فى 2014ـ والذى كان يشغل منصب رئيس قطاع الفنون التشكيلية وقتها و10 من العاملين بالمتحف
وفي أكتوبر 2010 صدر حكم بحبسهم جميعاً 3 سنوات مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لاتهامهم بالإهمال الجسيم!!.
ولم يرحب الشارع المصرى بتلك الأحكام واعتبرها البعض تهدئة للرأى العام ، وقيل أن المتهمين ” كبش فداء ” لغيرهم من ” الكبار”
وجاءت ثورة يناير وسقط مبارك وتلاحقت البلاغات ضد العائلة ورجالها،وتوالت المحاكمات ومضت الثورة ومات ناس وظهر بشر كثير ، ولم تحدث أى مفاجآت مما توقعها المثقفون وترقبها الراحل محسن شعلان والذين معه خلف القضبان فيما يخص سرقة أحد ” الكبار ” للوحة !!، فقط صدر حكم جديد بتخفيف العقوبة إلى ستة أشهر !، وبقيت اللوحة وال 55 مليون دولار سراً دفيناً، مثلها مثل فضيحة “رشوة المرسيدس الشهيرة ” ، وجاء مجلس عسكرى فى لحظة توتر ،وانتظر الناس “الاستقرار” كى يعرفوا أين ذهبت اللوحة
وجاءت انتخابات رئاسية وفاجأنا القدر بأسوأ رئيس فى تارخ مصر القديم والحديث وإلى أبد الأبدين ، وبالطبع لم يكن من اللائق السؤال عن لوحة ..وخشخاش ..وفان جوخ ، بينما رئيس الدولة يرعى ـ ضمن ما يرعى ـ قطعان إخوانية تلطخ التماثيل فى الميادين وتعتبر منحوتات أم كلثوم وطه حسين وغيرها “أصنام ” لابد من تحطيمها
اربعة وزراء ثقافة تبادلوا المنصب فى عام 2011 ، ولم يتمكنوا من فك سر اللوحة إما لقصر المدة أو لأسباب أخرى كتلك التى يذكرها الدكتور جابر عصفور،فالقضية كانت فى هذا الوقت منظورة أمام القضاء ، ثم إن الأحداث كانت ساخنة لدرجة لا تسمح بفتح هذا الملف
أما محمد الصاوى” الذى تولى المنصب عقب استقالة “عصفور،فلم يتمكن حتى من فتح أدراج مكتبه وترك الوزارة سريعا ( 10 فبراير ـ 5 مارس).
وجاء الدكتور عماد أبو غازى الذى لم يتمكن هو الآخر من فتح ملف زهرة الخشاش ،وقبل أن ينتهى العام ( 7 ديسمبر 2011) جاء الدكتور شاكر عبد الحميد وزيراً للثقافة واكتسبت القضية بعض الإثارة ، حيث تلقى الوزير اتصالاً تليفونياً من مجهول أكد له أن اللوحة المسروقة معروضة للبيع فى لندن ! وطلب منه أن تدفع مصر ثمنها كى تعود إليها
ورفض شاكر عبد الحميد هذا العرض وطلب من محدثه أن يفصح عن هويته وأن يأت للحوار ، وانقطع الاتصال ولم يعد ثانية :” كان اتصالاً غريباً ـ يتذكر شاكر عبد الحميد ـ وقد رفضت هذا الابتزاز ، فليس من المنطقى أن تدفع مصر ثمن لوحة مسروقة منها! ، والطبيعى أن تتخذ الدولة إجراءاتها القانونية وتطالب بعودة اللوحة بطرق مشروعة
ولم تحمل التغييرات التالية جديداً فيما يخص اللوحة المسروقة ، سواء فى عهد حلمى النمن او إيناس عبد الدايم أو نيفين الكيلانى ،وكأننا قد عثرنا على اللوحة !! فهل يفعلها الوزير الجديد أحمد هنو ويفتح الملف ؟ لا اظن !.
رحمة الله على محسن شعلان .. واتمنى أن يهتم المتخصصون بالفنون فى بلادنا بقصة هذا الرجل الذى يعتبر أول شهيد للوحة فان جوخ فى الشرق الأوسط.
………
المزيد من لوحات محسن شعلان مع المبدعين :
ضل الحيطة..قصة لـ تغريد النجار
ناقص واحد.. قصيدة لـ مايكل عادل
مقهى لا يعرفه أحد..قصيدة لـ زيزي شوشة
ماء البارحة..قصائد لـ مروان علي
حفرة للعب..قصيدة لـ مها شهاب الدين
سحر الغواية..قصيدة لـ رحاب زيد
مندرة العائلة..قصائد لـ فتحي عبدالسميع
أغلقي الباب ونامي..قصيدة لـ كمال عبدالحميد
مختارات من قصائد قاطع طريق.. لـ سيد العديسى