اللوحة للفنان محسن شعلان
جلستُ في أحد مقاهي وسط البلد المتواضعة، أشرب فنجانًا من القهوة، وأستريح من عناءِ يومٍ شاق في انتظار صديقة. وشرعت في
قراءة رواية بدأتها بالأمس.
على الطاولة الملاصقة لى، جلس رجل تعدَّى الخمسين، حسن الهندام تتبعه سيدة تبدو لأول وهلة أكبر منه بكثير، وبالنظر إلى ملامحها مليا، يظهر أنها تصغره بعدة سنوات، لكن ملامحها الحزينة البائسة وملابسها المتواضعة تضفي عليها سنًّا أكبر. ومعهما طفلان ولد في
حوالي الثانية عشرة من عمره، وبنت تكبره بعام أو عامين. طلب فنجانا من القهوة لنفسه، ولم يطلب شيئًا للمرأة.. ولا للصغيرين
اللذين بدورهما لم يطلبا منه، ولا من الجرسون شيئًا.
ودار بينهما هذا الحديث
ها تفضلي لاوية بوزك كدة كثير ؟
– مش لاوية بوزي، ولا حاجة.
– دي آخر مرة أسمعك فيها تجادليني، أودي فلوسي فين؟ ولمين؟ إنت
آخرك عندي تاكلي وتشربي إنت وعيالك وبس. ولو مش عاجبك…
خدي عيالك وروحي بيت أبوكي وشوفي مين هايصرف عليكم. – أنا ما طلبتش غير كسوة للعيال الشتاء داخل، وهدومهم صغرت
عليهم.
– إنت بتاخدي مصروف؛ أبوكي – لحد ما مات – ما مسكش ربعه، أنا مش قاعد على بنك ليكي إنت وعيالك.
– ما هم عيالك برضو والعيال بتكبر، ومصاريفهم بتكبر معاهم والدنيا بقت غلا وإنت والحمد لله ربنا فاتحها عليك. واللا هما
مش زي ولاد درية” مراتك ؟ أقله دول من صلبك. إلا حتى ما عدت
بتيجي، ولا تطل علينا. وده اللي خلانا نستناك تحت مكتبك. إسمعي: كلمة زيادة، والله لارمي عليكي اليمين، وأرميكي إنت وهما في
الشارع. وإبقي روحي سراية أبوكي، ووريني مين اللي ها يصرف
عليكي وعليهم جاتكو القرف.
انتفض واقفًا، وألقى لها بمبلغ من المال. سدد ثمن القهوة، وتركهم
خلفه وانصرف.
طوال الحديث، لم ينطق أي من الطفلين بكلمة واحدة. كانا ملتصقين بوالدتهما، وكأن الشياطين تصرخ في وجهيهما، لا تعرف إذا كانا
خائفين، أم هو الحزن.
ما إن اختفى الزوج، حتى سالت دموع الأم، وانتفضت واقفة ترتجف.
خرجَتْ مطأطئة الرأس، تجر خلفها حملها الكبير.
حاولت أن أعترض طريقها للمساعدة شكرتني بمزيد من الكسرة
والقهر، وذهبت وهي تتمتم
– ضل الحيطة أكرم يابا.
…………………………………………………..
من مجموعة قصص ما بعد العيد
اقرأ أيضًا:
ناقص واحد.. قصيدة لـ مايكل عادل
مقهى لا يعرفه أحد..قصيدة لـ زيزي شوشة
ماء البارحة..قصائد لـ مروان علي
حفرة للعب..قصيدة لـ مها شهاب الدين
سحر الغواية..قصيدة لـ رحاب زيد
مندرة العائلة..قصائد لـ فتحي عبدالسميع
أغلقي الباب ونامي..قصيدة لـ كمال عبدالحميد
مختارات من قصائد قاطع طريق.. لـ سيد العديسى