أوائل التسعينات رأيت شابا وسيما يكتب القصائد على مقهى زهرة البستان بقلم رصاص، كان هادئا وواثقا رغم ملامحه الطفولية ولم أتردد فى الاقتراب منه وعرفت من يومها عمر طاهر الذى سيقدم لى بعد أيام من تعارفنا شابا خجولاً يفيض عذوبة ويعبىء جيوبه بحلم لقاء الأستاذ نور الشريف!!، فكان عبد الرحيم كمال .. وتعددت اللقاءات على زهرة البستان وفى كل مرة يتأخر عبد الرحيم وأحيانا يغيب وننشغل به فليس هناك وسيلة اتصال ممكنة لشباب فقراء يجلسون على المقهى ولا لغيرهم آنذاك، حتى تعودنا غيابه وتأخيره وصنعنا نغمة واحدة تعبيراً عن الوضع( رايح فين يا عبرحيم ؟ رايح اقابل الأستاذ نور الشريف .. جاى منين يا عبرحيم كنت مع الأستاذ نور الشريف .. ..) عشر سنوات يا مؤمن وهو يطارد الحلم وينتظره ،حتى بعد أن عملنا سويا فى صحيفة الجيل ظل عبرحيم قابضا على حلمه وترك شغف المهنة لعمر طاهر الذى كتب يوما عن (الكالو) ـ والكالو أعزك الله كان منتشرا فى التسعينات بين العاملين بالديسك أو إعادة غسيل الموضوعات أو كتابتها أحيانا باستخدام القلم الجاف الفرنساوى مما يصيب أصبعى الإبهام والسبابة بورم أو تكيس يشبه ما يصيب عضمة الكتف لحاملى الجروانة من عمال البناء،ـ أصبح عمر طاهراً واحداً من أشطر الصحفيين فى مجلة نصف الدنيا وصنع نجومية مبكرة فى كتابة شعر العامية ،ولم يتوقف (عبرحيم )عن الحلم ولقاء الأستاذ نور .. حتى ظهر الحلم على الشاشة فى مسلسل الرحايا .. ليكتب عبد الرحيم أول سطر فى عالم الدراما قبل أن يحصد جائزة التفوق عن مجمل أعماله التى حققت نجاحا مبهرا، واستمر نجاحهما وتبادلهما المحبة قائما حتى اليوم. كلاهما ـ عمر طاهر وعبد الرحيم كمال ـ ينتمى لجيل يصغرنا لكنهما أكثر وعيا وأشرس موهبة من أجيال سبقتهما بكثير،هذا بخلاف ما تمتعا به آنذاك من تقدير كلاهما لموهبة الآخر وتقديمه على نفسه أحيانا .. وربما جاء الوقت ليتعلم البعض أن الصداقة قد تدوم رغم كل هذه السنوات إن حافظ كلاهما على خيط المحبة ممدودا .. وقد فعلها عمر وعبد الرحيم فى رحلة شقاء وتعب لا يعرف غيرهما تفاصيلها وعذاباتها وانكساراتها ،فلم يكن الطريق سهلا يا رفاق .