أمي أقسى لحظات بيننا حين يساورها الشك وتتحول نظراتها إلى نظرات محقق بوليسي يحوم حول القاتل ليوقعه في كمين الاعتراف ،لم اكن يوما مذنبة لكن
تفحصها لجسدي كأنما تبحث فيه عن خطيئة أخبئها، إنها تشك على الدوام
بيننا أمواج من الشك… لا مفر من تلك النظرة إذ إنها ترفض الخروج من غرفتي حين أعود من الخارج أجدها تنتظر على سريري وإذا ما فكرت في تبديل ملابسي داخل الحمام مثلًا من أجل الاستحمام لا تسمح لي بفعل ذلك قبل تفحصي.
تعايشت مع غرز أصابعها في جلدي، وتحسسه.. ويا لسوء حظي إذا عثرت على خدشٍ صغير لا بد لي من سرد تاريخه: من أين جاء ومتى أصبت به؟.
فتاةٌ تعيسة تعيش تحت الميكروسكوب، لسنوات اتجنب الملامسة، أحرص على جسدي، أتأكد من حواف الأبواب قبل العبور إذا ما كانت هناك مسامير بارزة أم لا،أتفحص الكراسي والموائد في المطاعم والكافيهات قبل الجلوس .
بعد موتها تركت جسدي للهواء و المسامير وللخدش لكنني مصابة بها، عينها لا تزال بالداخل تترصد حركتي.
حين تعثرت خطواتي بك أثناء صعود المترو ونظرت إلى عينيك الواسعتين وأطلت النظر إليهما حتى كاد باب المترو يغلق علي… حينها شعرت بالخطيئة التي كانت تبحث عنها وهي تطفو فوق جسدي وتخرج من موتها لنجدتي…
مجرد ثوان غفوت فيها بين عينيك.
أنقذتني يداك بسحبي من فاهِ الباب المفتوح قبل أن يُغلق وبعض أصوات الركاب العالية: “الباب يا آنسة”
ثم أتى صوتك أخيرًا: هل أنت بخير؟
لستُ بخير هذا ما وددت قوله، و “نعم بخير” هذا ما لفظه فمي.
لم أركَ ثانية إلا بعدها بأكثر من ثلاثين يومًا تقريبًا ليس أثناء صعود المترو… كان عبورك سريعًا للشارع برفقة امرأة سمراء ترتدي فستانًا لونه أخضر من الستان الناعم، شعرت بعيناي تركض خلف قدميك لكنها لم تلحق بك تلاشيت أنت وهي وسط الزحام .
في ذلك اليوم عدت إلى البيت بما يشبه الخيبة؛ لم أحظَ بأي خدشٍ على جسدي رغم عدم حرصي عليه.
بعد عدة أشهر من التكرار المزمن للأيام تعثرنا ببعضنا مرة ثالثة بمحل صغير داخل أحد الشوارع الضيقة في وسط البلد ، كانت بداياتي مع تدخين السجائر اشتريت العلبة الأخيرة فوق الرف ولسوء حظك ولحسن حظي هي صنفك المفضل، اعتلت وجهك نظرة الهزيمة وعدم الحصول على نوعك المفضل ، قلت لي مازحًا:
“أبحث عنها من نصف ساعة وهاهي بين يديكِ من نصيبك الآن. ”
ابتسمت لمزحتكَ قليلًا ولا أعرف كيف تجرأت لحظتها وطلبت منك مشاركتها معي داخل المقهى الموازي للمحل في نفس الشارع… لم تغضبك مبادرتي، خفت من اختفائك كالمرات السابقة…
تعارفنا، اقتربنا أكثر، تشاركنا السجائر والنكات القبيحة والأسرار… عرفت أن صاحبة الفستان الأخضر زوجتك، رغبتي فيكَ حينها كانت أقوى من شعوري بالذنب تجاهها.
حصلت عليك أخيرًا…
الآن أمام المرآة أتفحص العلامات الزرقاء والخدوش، أتفحص أثرك على جسدي… لو تعرف كمْ كنت أتمنى في تلك اللحظة استعادة أمي من موتها ليهدأ شكها ويتحول إلى يقين.
دوما تصوير دقيق للأحداث
بالتوفيق دوما أستاذة