المتحذلقون فى تفسير معانى أسماء البنات، يقولون إن الفتيات يحملن بعضًا منه، فتجد بعض العذوبة والرقة فى عبير وياسمين ونرجس، وكثيرات من “هند” تجدهن ممشوقات فارعات وجبارات أيضًا، ومعظم النواهد قصيرات محندقات أنيقات يتمتعن بأنوثة فياضة وخبث ورخامة لا حدود لها،هكذا يقول المتحذلقون، وبعضهم يقول إن سلمى ومنى وسهى ورشا وهالة ..خفيفات الحركة لطيفات الروح، و”مى” تختال وتتغندر على سائر البنات باعتبارها”ذات الحرفين”، وشيماء وأسماء وإيمان وعفاف ونيفين يحرصن على التحذير من تناول القهوة والسجائر
وهكذا ـ وحسب رؤية المتحذلقين ـ تجد الاسم يحمل فى معظم البنات جزءًا من المعنى إلا “هناء” يا أخى!، كانت عيلة كئيبة وبائسة وحين وقعت فى حبها كنت فى زهرة شبابى هائمًا فى البرية مع غنوة الأستاذ محمد عبدالوهاب التى كتبها حسين السيد “عاشق الروح” أرددها كمتصوف عارف بعلوم الفلك وحسابات النجوم، يحمل بردته على كتفه ويطوف الشوارع بحثًا عن هذا المعنى: «وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فانى”، وحين جلست إليها أتغزل فى عينيها وبريق الوجد حين يطل مع فنجان القهوة وصوت فيروز، أشاحت بوجهها الكئيب وطلبت النادل، وقلت إن كلماتى أثرت عليها وستفيض أنوثتها بعد أن تتناول الليمون المثلج، فالبنات يطلبن «ليمون»، وجاء الولد مهذبًا بقميص أبيض وقبل أن أرفع عينى لأطلب ليمونها المثلج وقهوتى التى سأرشفها كما المتصوفة الكبار الهائمين فى بستان الحب، قالت هناء باقتطاب: قهوة، فقلت: قهوة..ليه ما تشربى ليمون ،قالت لأعايزة قهوة، وألقت محاضرة فى حرية الاختيار والنظرة الذكورية التى تفرض البتاع،ولم أكن أحمل نظرة ولا أفرض بتاع!،وشعرت بأن الليلة غامقة أكثر من اللازم،وتأكدتُ بعد أن انتهى حوارنا بخلاف حول الأيديولوجيا!، ولم أكن أحب هناء من أجل الأيديولوجيا فى حقيقة الأمر، لذا كرهت هناء وعشق الروح ذات نفسه، فقد كانت هناء قد سوّدت كل الصباحات التى جمعتنا قبل هذه الموقعة الأيديولوجية، فما من مرة التقينا إلا وكانت مكلضمة كارهة للحياة وللغد والأمس أيضًا، لكننى تعلمت أن الجسد ليس بتقاسيمه وما تكرمت عليه الطبيعة من نتوءات والتواءات تحدد الخصر واستدارة الصدر، ولكن بنداءاته الخفية التى تمس القلب وتخطف الروح والجسد أيضًا، وابتعدت عن «هناء» ووقعت فى غرام أغنية أخرى هى «حياتى أنت» كتبها حسين السيد وغناها عبدالوهاب وهى أشبه بمندبة كاملة، لطم خدود، وشد شعر وعياط ونهنهة كمان، الغنوة بتقول إيه يا سيدى: لكن غرامى كان أوهام.. ما كانش أكتر من أحلام»، يا نهار أسود يا جدعان، وكانت «منى» قد جننت أفكارى بالفعل، وجعلت غرامى بها أوهامًا تذروها الرياح فى يوم عاصف، عرفتها فى الجامعة وكانت حلوة حلاوة لا مثيل لها،ولأننى لم أكن أعرف حكاية معانى الأسماء فى ذلك الوقت. فقد كانت هى «المنى» الذى أسعى وراءه فأعبّ أنفى برائحتها إن اقتربت تهمس فى أذنى، وأهيم شوقًا إن انسدلت خُصلة من شعرها الأسود الغزير على وجهى، وكانت تفعل كل هذا بدلال وحب وأنوثة، حتى إذا انضم إلينا باقى أعضاء الشلة من الأصدقاء والصديقات فتتحول «منى» إلى كلبة وزبالة وحقيرة تتعمد السخرية من بنطلونى، وكان من هذا النوع الذى تبرز منه جيوب كثيرة ويُعد أحدث صيحة فى موضة التسعينيات، وأمرر السخرية بسخرية لكنها لا تتوقف عن القهقهة والسخف، تضحك وتضرب كفها بكف «نشأت» الذى أشاع وسط الشلة كلها أن منى تحبه هو ولا تحبنى أنا، ومنى تضحك معه، وإن عُدنا وحدنا- هى وأنا- انكمشت كقطة تحك رأسها الصغير الناعم بكتفى، فأنسى غضبى كالعبيط وأحبها تانى، حتى إذا ذهبنا فى رحلة إلى فايد كما كل الجامعات آنذاك، فكانت منى مع نشأت السئيل، وكنت أنا أندب حالى مع عبدالوهاب أفندى «لكن غرامى كان أوهام»، وقد ذهبت هناء ومعها منى وبقيت مع عبدالوهاب نجدد العهد كل يوم حتى وصلنا سويا ـ أنا والأغانى ـ إلى
مرحلة (.. وفات قلبك وحدانى ) سيبك من اسم الغنوة (هان الود عليه ) لأنها عبارة شعبية عادية ،وتوقف يا مؤمن مع (وفات قلبك وحدانى ) ماهذا الجمال يا عم أحمد رامى !،تخيل القلب قاعد وحدانى!، عبد الوهاب كان مؤمن بحسين السيد على طول الخط،لكن عندما جاءت القصة شخصية جدا وتخص قلب عبد الوهاب نفسه، فقد ذهب إلى رامى لينقذه من هذا العذاب الذى يعيش فيه بعد أن تركته نهلة القدسى عائدة إلى الأردن بعد زواج كان حديث العالم العربى،فقد عرفها فى لبنان ـ كما يقول كامل الشناوى فى كتابه عرفت عبد الوهاب ـ وهي من أعرق الأسر السورية، وكانت متزوجة من الديبلوماسي الأردني السيد عبد المنعم الرفاعي ، وأنجبت منه ولدها الوحيد “عمر” .. وعاشت الصحف العربية في لبنان وسوريا والأردن ومصر بضعة أسابيع على حادث زواج عبد الوهاب من السيدة نهلة …التى حدث بينهما خلاف فقررت أن تتركه حتى شمت الصحف اللبنانية الخبر،فنشرت تقريرا بعنوان (هان الود)،أشارت فيه إلى أن خلافا بين موسيقار كبير وزوجته العربية وصل إلى حد نسيان الود والعشرة!!،ولم يكن الخبر يحتاج تفسيرا ولا ذكراً للأسماء!،فذهب عبد الوهاب باكيا شاكيا إلى أحمد رامى وهو يقول: شايف يا أستاذ بيقولوا إيه عنى؟،فاستمع رامى جيدا، وكتب (قالولى هان الود عليه ونسيك وفات قلبك وحدانى .. رديت وقلت بتشمتوا ليه هو أفتكرنى عشان ينسانى) لينحت رامى هذا التعبير المبهر المروع (فات قلبك وحدانى)،والروايات تقول إن السيدة نهلة القدسى قد حنّ قلبها مع نغم عبد الوهاب الحزين وكلام رامى المرير وعادت إلى عبد الوهاب الذى تغيرت حياته معها تماما وتوقف عن نزواته القديمة ،يقول كامل الشناوى عنها: (.. لم نتوقع أن يستمر زواجهما فى البداية،ولكن الذى حدث أن حياة عبد الوهاب تغيرت بهذا الزواج .. أصبح يحب بيته … ابتعد عن كل ما يثير الريبة والظن .. صار يحب المال لينفقه ، وكان يحبه ليدخره)، لذا كان فراقها أصعب بكثير من فراق أم أولاده السيدة إقبال نصار، فالسيدة نهلة القدسى فقط هى التى قال لها عبد الوهاب بلسان رامى : فات قلبك وحدانى ).
من كتاب رائحة الأسماء يصدر قريبًا.
حكايات آخرى عن الجميلات فى حياة عبد الوهاب
حكايات كامل الشناوى عن عبد الوهاب
الشيخ مصطفى إسماعيل ..من طنطا إلى القاهرة
أحمد بهجت .. حياتى بين تشيكوف ..ونهر الحب الصوفى
رائع جدا