-البيت ما فيهوش كمون يا ست هانم!
التفتتْ إليه ليلى هادئة،كانت تعلم علم اليقين أن الكمون ليس سببا للثورة، قالت:
ـ طب وإيه يعني يا أنور ، نبعت نشتري!.
وصرخ أنور:
ـ وإيه يعني؟!… طب… إنتي طالق يا ليلى!.
وبهدوء شديد خرجت ليلى من بيت الزوجية إلى فندق سميراميس، لتعيش فيه، وأصبحت في ذلك اليوم مطلقة
ليس الأمرنكتة،فعندما استيقظت ليلى مراد من نومها واستعدت لمغادرة البيت لتصوير بعض المشاهد لفيلم من أفلامها،كان صوت أنور وجدى يتصاعد من المطبخ صارخا لاعنا، وكان صوت الأطباق والحلل يتطاير،ووجدت ليلى صديقهما محمد البكار في صالون البيت فسألته عن سر ثورة أنور، فأخبرها أنه يطبخ طبخة دمشقية من التى يحبها، وعادت ليلى تسأل عن السبب في هذه الثورة، فجاءها صوت أنور من خلفها صائحا:
البيت ما فيهوش كمون سابقة الذكر،فلم يكن أحد يتصور أن يأتى اليوم الذى يتنكر فيه أنور للسيدة التى ساهمت فى صناعة نجوميته وانقذته من خسارة فادحة كان سيتعرض لها فى أول تجربة إنتاجية،
التقت ليلى بأنور وجدي وقد أصبح أحمد حسنين صديقا حميما ومنافسا خطيرالصديقها الملك لفاروق… التقت بهذا الشاب “الحرك” وقد خبت أحلامها في الحب تماما،وتحولت خبرتها مع الأيام إلى مخالب ،وأحلامها إلى واقع شديد الوضوح، فهل كان هذا كله، تمهيدا لأن تقع ليلى – لأول مرة – في حب واع واقعي؟!
كان أنور – حتى ذلك الوقت – يلعب الأدوار الثانية في الأفلام ، وكان قد تخصص في أدوار الشاب الفاسد الشرير،وقد كان من المحتمل أن تظل هذه الصفة لاصقة به إلى الأبد لولا طموحه هذا الذى دفعه إلى التفكير في الانتاج ، ثم المغامرة بكل ما يملك لانتاج فيلم يخرجه كمال سليم.
وعندما جاء أنور وجدي لأول مرة لمقابلة ليلى وعرض عليها أن تلعب بطولة فيلمه الأول، ظنت ليلى أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من هذا الممثل الشاب، جاء أنور ومضى ولم يترك في ليلى أثرا ما،ونسيت هى بعد أن مضى كل شئ،لكن الدهشة اجتاحتها عندما عاد إليها أنور بعد أربعة أيام، وكانت قد سألته أن يعطيها مهلة للتفكير،عاد أنور ليسألها عن قرارها النهائي، والتفتت إليه ليلى قائلة:
“أستاذ أنور… أنت جد فعلا في موضوع الفيلم ده؟!”
وانتبه أنور – في الحال – إلى مخاوفها ، فصاح على الفور:
“مدموازيل ليلى… أنا معايا شركاء؟!”.
لم يكن يخفي عليه أن اسمه في عالم الانتاج والمال ليس كبيرا ولا لامعا ولا موثوقا به، وكانت ليلى قد أخبرته أن أجرها خمسة عشر ألف جنيه، وها هي تعود فتسأله:
“حا تديني كام!”.
قال:
“اثنا عشر ألفا!”
نظرت إليه ليلى طويلا ، كان يتحدث في حرارة، قال لها:
إنه وضع تحويشة العمر في هذا الفيلم ، قال: إنه يغامر ليصنع لنفسه مستقبلا، وأن شركاءه وافقوا على انتاج الفيلم بشرط أن تكون هى بطلته،وأن يكون كمال سليم هو مخرجه … استمعت إليه ليلى، واستشعرت الصدق في حديثه.
كانت كلماته مليئة بالإخلاص الشديد والحرارة… وكان اسم الفيلم “ليلى بنت الفقراء”.
ووافقت ليلى
كانت قصة الفيلم هى قصة كل فيلم مصري في تلك الأيام، الشاب الغني الذى يقع في حب فتاة فقيرة ، ثم تحول بينهما الحوائل الطبقية ، ثم ينتهى الصراع بمورفين اللقاء بين الحبيبين بعد أن يستدرا أكبر قدر من الدموع من عيون المتفرجين.
وافقت ليلى ووقعت العقد بعد يومين وتسلمت العربون… كان أنور في ذلك اليوم سعيدا مرحا،رأته وهو يداعب عمال الاستوديو والفنانين والفنيين، كان من ذلك النوع الذى يعرف كيف يعامل الناس ويكف يكتسب حبهم وكيف يأكل عقولهم… وكانت ليلى تنظر إليه باسمة ، هذا النوع جديد من الشباب لم تلتق به من قبل ، كان عمليا لا يتصنع ولا يحاور ولا يداور… وعندما جاءها بعد يومين من توقيع العقد ، تهللت للقياه دون قصد: “أهلا أستاذ أنور”:
لكن أنور لم يتهلل ، بدا حزينا مكفهر الملامح… صافحها وجلس مهموما
“خير يا أستاذ أنور”.
كانت ليلى تجلس هذه المرة أيضا في غرفة الماكياج ، وكان وجهها إلى المرآة تنظر إلى أنور من خلالها ، وكان أنور يجلس خلفها ، ينظر إليها هو الآخر في المرآة يقطر وجهه بالألم… أن كمال سليم – مخرج الفيلم – اشتد عليه المرض، وأصبح من المتعذر أن يدخل الاستوديو قبل مرور بضعة أشهر.
كان كمال سليم في الحقيقة يحتضر في تلك الأيام ، وقالت ليلى ببساطة:
“نأجل تصوير الفيلم!”.
وانبعثت من عيني أنور نظرة غريبة … نظرة يائسة تماما، كان “محتاسا”، فلقد دفع عربونا للاستوديو وللممثلين والفنانين والفنيين… وكاد أنور وجدى يبكي وهو يحكي لليلى كل شئ، أزاح بيده كل ستار يفصله عنها، كان لابد من دخول الاستوديو بأي ثمن، وكان يريد أن يأخذ رأيها في المخرج الذى ترتاح إليه .
،فقالت بهدوء تام :
ـ ليه ما تخرجشي أنت الفيلم ده! ،ذهل أنور ظل للحظات غير مصدق أن ما كان يهدف إليه،وما كان يستعد لخوض معركة من أجله سوف تحققه ليلى بمثل هذه السرعة… صاح:
ـ أنتي بتقولي إيه؟.
ـ ليه ما تخرجشي الفيلم أنت يا أستاذ أنور؟!
ـ انا؟!
ـ أيوه أنت ، ليه لأ؟!
راح أنور يدور حول نفسه يخبط كفا بكف.
ـ انا أخرج… وأنتي… أنتي تقبلي؟!
ـ ليه لأ… أنت فنان ، ولك خبرة في المسرح والسينما ، والمخرج لازم يكون ممثل أولا، الإخراج إحساس… مش كده ولا إيه؟!
ـ بس إنتي تقبلي!
ـ أنا قبلت آهه .. أنا اللى باقول!
صاح أنور:
ـ باب السما اتفتح!.
وقالت ليلى:
ـ أتوكل على الله!.
وطار أنور وجدي من الفرح،كان الحوار بينهما كالحوار بين قط وفأر ، ومثلما كان أنور وجدي يمثل في أفلامه التي اشتهر بها كان يعيش حياته ، كان يكفي أن ينظر إلى الإنسان ، أي إنسان ، تلك النظرة المتلهفة ، المتمسكنة،المستضعفة، حتى ينهار هذا الإنسان ويلبي لأنور كل طلباته … ولقد كان شركاء أنور في فيلمه الأول رجل أعمال معروف،وامرأة ثرية … وعندما قالت ليلى ما قالت، طار أنور إلى شريكيه يزف إليهما الخبر … ولم يصدق رجل الأعمال ، فرفع سماعة التليفون وطلب ليلى:
“إيه الحكاية … صحيح أنتي وافقتي على أن أنور يخرج الفيلم!”
بذكاء شديد ردت عليه ليلى:
“أنا اللي طلبت منه كده!”.
وبهذه المحادثة الصغيرة،استطاعت ليلى أن تقدم لأنور خدمة عظيمة في حياته الفنية… ذلك أن كل رأس مال أنور وجدى الذى وضعه في هذا الفيلم كان ثمانية آلاف جنيه،وفي تلك الأيام التى وصل فيها الإنتاج السينمائي المصري إلى ذروته، وارتفعت فيها أجور النجوم والفنانين إلى مستويات خرافية، كان هذا المبلغ لا يساوي شيئا في ميزانية الفيلم، وكيف يساوي وأجر ليلى – وحدها – وصل إلى اثني عشر ألف جنيه؟!
وبدأت علاقتهما تتوط،وذات مرة وهو يوصلها بعد التصوير تنهد وقال: ياسلام يا ليلى لو أتجوزتك وعشت معاكي على طول؟!”
وصعقت ليلى،فما هكذا يكون الغزل،وعندما وقعت في الحب لأول مرة لم يفاتحها حبيبها في الزواج إلا بعد ثلاث سنوات،إن للحب أصولا، وللغزل قواعد … ولابد أن يكون أنور وجدى هذا مجنونا … لابد.
أبدا لم يغازلها أنور من قبل،أبدا لم يقل لها كلمة توحي بأنه يحب، طوال اليوم في الاستوديو وطوال الأيام الماضية لم يبد منه شئ ينم حتى عن الذوق … إنه لم يمتدح تسريحة شعرها مرة،ولا لفت نظره فستان جديد،ولا توقف أمام جمال الوجه… ثم يأتي ليتمنى الزواج منها فورا ، وبلا مقدمات!
ـ ياه… مرة واحدة كده؟!
كانت تسخر منه، كانت في دهشة من أمره، كانت مرتبكة.
ـ وفيها إيه … أهو ساعات ربنا يستجيب دعا الواحد!
قال هذا في صوت خافت رقيق،ثم انفجر فجأة تاركا عجلة القيادة، رافعا يديه إلى السماء ، صائحا بأعلى صوته :
“يا رب .. تتجوزيني يا ليلى!”
قال هذا فانفجرت ليلى ضاحكة ،لم تملك إلا أن تضحك ،ولم تملك إلا أن تستشعر – وفي لذة شديدة – خفقات قلبها من جديد … ها هو غاز يقتحمه بلا اسئتذان، وها هما يضحكان سويا،لكن كل منهما كان موقنا – رغم النكتة – أن الحديث كان جادا.
وقد كان،وما أن مضت بضعة أيام ،حتى كانت قصة الحب بين أنور وجدى وليلى مراد قد أصبحت حديث الوسط الفني كله، وإذا كان أنور وجدي مكشوف الإحساس عاري العاطفة انفعاليا وصديقا للجميع،فلقد كان من الطبيعي جدا أن يلحظ الجميع – جميع من في الاستوديو من فنانين وفنيين وعمال – أن ثمة قصة تنمو بين بطلي الفيلم الشابين … كانت ليلى قد تركت نفسها للعواطف بحرص، لكنها كانت تحسب الحكاية بدقة شديدة … أغضبها دون شك أن أنور فاتحها في الزواج مباشرة،دون مقدمات،دون غزل،دون نظرة،لكن أنور، ومنذ صباح اليوم التالي، بدأ يغازل ليلى،وكان أول شئ فعله ، أن أرسل إلى غرفتها في الاستوديو، باقة رقيقة من الورود، في اليوم التالي مباشرة تبدل أنور وجدي، أصبح إنسانا آخر، أصبح رقيقا هادئا،فقد عصبيته،ازداد مرحه،واتسع صدره للأخطاءوبدأت ليلى تفكر في الموضوع.
كانت حياة ليلى مراد مع أنور وجدى حياة عاصفة ،حقائق أغرب من الخيال، سوف كتشف معى صالح مرسى ـ مثلا ـ أن أنور وجدى ،ذلك النجم الذى تألق في سماء السينما المصرية لسنوات طويلة ، كان نموذجا غريبا من البشر، كان تركيبة من عشرات المتناقضات ، كان مجنونا بالمال،لكنه لم يكن عبدا له،كان جامحا مثل ثور هائج ، وكان رقيقا مثل طفل،كان يحب ليلى مراد لكنه كان يخونها!،واكتشفت خيانته وعرفت مكان الشقة التى يقيم فيها مع الفرنسية (سوليت)،وتوصلت إلى مكان إقامتهما،وبهدوء كبير ورغبة فى كشف الحقيقة، ارتدت ليلى الملاية اللف بطريقة سينمائية،وأقنعت البواب بأنها الخادمة التى طلبها الأستاذ،وإمعانا في التمثيل … تركت ليلى المصعد ، وصعدت الدرج حتى الدور السادس.. كانت ترتجف وهي تصعد، كانت تفكر فيما يمكن أن يحدث،وماذا ستفعل إذا ما واجهت أنور مع صاحبته ، ووصلت ليلى إلى الدور السادس وقد تقطعت أنفاسها، وما كادت تمد يدها إلى زر الجرس،حتى سمعت ضحكات أنور في الداخل مع لوسيت، وجمدت يدها،إنهما يتحدثان بالفرنسية، وحديثهما يصل إليها واضحا أشد الوضوح،والسلم مظلم،والبرد شديد،وليلى تنتفض من الانفعال والغيظ،هل تدق الجرس،هل تقتحم البيت،هل تتسبب في فضيحة؟!
لكنها تراجعت ،وقررت النزول وانتظاره فى الجراج،كان الجراج خاليا من السياس،وكانت سيارة أنور الكاديلاك هناك … وكانت مفتوحة ،ودخلت ليلى السيارة،وجلست في المقعد الأمامى تنتظر،حتى وصل وعشيقته بجواره .
هبطت ليلى من السيارة ، وانطلقت تتحدث مع لوسيت بالفرنسية:
“آسفة يا مدام،أو مدموازيل،أنا لا أعرف… لكني في نهاية الأمر زوجته!!”
كان مشهدا مروعا هذا الذى حدث في الجراج… وقف أنور مذهولا لا يعرف ماذا يقول، وراحت الفتاة تتلفت حولها يمنة ويسرة ، تنظر إلى أنور تارة وإلى ليلى تارة أخرى .. ،واشتعلت حياتهما بعد هذا المشهد وبدأت فصول من الصراعات والمعارك كتبها صالح مرسى بمعلومات دقيقة وقصص مثيرة،يمكنك الاطلاع على جانب من المذكرات فى ترجمان الأشواق .
وكثيرون كتبوا قصة حياة ليلى مراد بعد رحيلها،لكن صالح مرسى هو الوحيد الذى كتب مذكراتها فى حياتها وراجع معها الكثير من الأحداث والحكايات،لذا اعتمدت على كتابه(ليلى مرادـ الصادر ضمن سلسلة كتاب الهلال ديسمبر 1995) فى استعراض جانب من حياتها مع أنور وجدى خاصةً وأن كتباً كثيرة نقلتْ عن صالح مرسى ولم يكلف أصحابها انفسهم مشقة ذكر اسم الرجل الذى سرقوا مجهوده.
اقرأ أيضًا:
قصة زواج ليلى مراد من أنور وجدى
بنت العزيز تكتب عن الأنوثة مُحرمة