إن لم يجد سيادة المستشار فى رواية بدرية البشر ما يريد من رغبة فى تقديم المجتمع السعودى وعلاقته الفنية والثقافية مع مصر، فهناك رواية آخرى لكاتب مصرى عاش تجربة العمل موظف استقبال فى فندق بمكة المكرمة ونقل كيف كان هناك من نسى قيمة مصر ومكانتها.
فالرواية تعيدنا إلى نفس النقطة التى نعيشها من فقدان للذاكرة وغرور زائد لدى البعض بقوة البترول وفلوسه،دارت الأرض دورتها بعد الفترة الزمنية التى كتبت عنها بدرية البشر روايتها ،وظهر البترول بغزارة وتطورت الحياة فى المملكة وظن كثير من أبناء الأجيال التالية أن “مصر ” مجرد بلد! وليست منارة حضارة وثقافة ومحبة !،والروائى المصرى ” محمود عبد الوهاب ” ينتمى إلى جيل التسعينات، وستكون تجربته فى رواية ” العيش فى مكان آخر” تدور فى هذه الفترة الزمنية، لذا نجده يصطدم من خلال البطل بكثير من هؤلاء المتغطرسين عن جهل وعدم وعى، فلك أن تتخيل نفسك موظف استقبال فى فندق بمكة المكرمة !، لا أظن تجربة روائية سبقت هذا العمل فى الدخول إلى تلك المنطقة الوعرة، بل والدخول إلى “جنوب إفريقيا ” بشوارعها وميادينها وطباع المسلمين المقيمين فيها ممن تعّرف عليهم البطل خلال عمله بالفندق وبحث معهم عن إمكانية الهروب من مكة وبداية حلم جديد فى مكان يحمى كرامته ويصون آدميته التى ستظل هاجسه طول الوقت :
“..فى مكة ذقت لأول مرة طعم وإحساس المواطن من الدرجة الثانية، كان سعوديون كثر ينادوننا فى بهو استقبال البرج الفندقى هكذا: يا مصرى! كان هذا يثير غضبى إلى أقصى درجة، لكنى ممنوع من أن أعبر عن هذا الغضب إلا بالتلكؤ فى معظم الأحيان، كأن أكون معطياً إياه ظهرى، أغضب فى داخلى وأرغب فى الشجار معه ورد إهانته، ولكنى أعرف أن هذا ما يريده، وشجار واحد كفيل بتهديد وجودى فى المملكة، لم يكن كل السعوديين يفعلون هذا بالطبع، كان بعضهم ينادى: يا أستاذ، أو يقول السلام عليكم، وعندما ألتفت له يبادرنى بعبارة «حياك الله» ثم يدخل فى الموضوع.”
فى هذه الأجواء القاتمة تأتى لغة بسيطة هادئة تشبه طباع بطلها ” يوسف ” الذى يعمل فى أبراج مكة بجوار الحرم ،وهو شاب مصرى يمتلك خبرات فندقية كبيرة ، ولكى يخفف على نفسه وطأة المناخ النفطى الذى يسيطر على المعاملات بين الموظفين والنزلاء من حجاج بيت الله ، اختار أن يتعامل مع مسلمى جنوب إفريقيا وغيرهم ممن يتحدثون الإنجليزية ، ربما يبتعد عن أجواء الاستعلاء والغرق فى الدونية والانتهازية التى أصبحت قاموس التعامل فى ردهات الفندق.
ومن الصفحة الأولى فى الرواية يضعك الكاتب على حافة الخطر الذى يهدد مستقبل البطل الذى أصابه ملل شديد ولم يعد قادراً على تحمل الحياة فى المملكة ، فقرر العودة للقاهرة والانطلاق إلى جنوب إفريقيا بحثا عن ” مكان آخر” .
فرصة الخروج للعيش فى مكان آخر يحفظ الكرامة جاءت مع ظهور السيدة ” فضيلة ” التى اتفق معها على تأسيس شركة سياحة فى جنوب أفريقيا، يكون مقرها الرئسى فى مدينة “دربان ” التى تقيم فيها:
” أقوم بالحجز للأفارقة الراغبين فى أداء الحج والعمرة، وأجمع الأموال وأتراسل مع نفس الفندق الكبير فى مكة، وأدفع تأمين المواسم الكبيرة من حسابها الخاص فى لندن”.
ويستقبله ابنها ” رياض ” المتهور الذى سيأخذ البطل من المطار فيعرف أنه بصدد مجنون قيادة سيارات ، ولكن هل يصل الجنون إلى ” الموت ” ويضحى الكاتب بنهاية لطيفة تجمع البطل بالسيدة الإفريقية ويتم المشروع فى تبات ونبات ؟! فعلها محمود عبد الوهاب ومات رياض بعد ساعات من توصيل البطل الذى نجا من الموت ودخل دوامة البحث من جديد عن شريك يضمن له العيش بكرامة ، بعد أن دهس رياض الأمل .
هناك ” تسنيم ” التى عرفها فى مكة وهى أيضاً سيدة أعمال لكنها الأنثى الأروع بلا جدال ، ظل مفتوناً بعينيها الباسمتين وجاذبيتها الطاغية وقوامها اللين الملفوف ، زفعلها محمود عبد الوهاب ودخل مغامرة الكتابة عن مدن جنوب إفريقيا فى رحلة الوصول إلى ” تسنيم”.
اقرأ أيضًا:
غراميات شارع الأعشى .. الفيلم الجديد للمستشار ترك آل شيخ
كل هذه الكتب الجميلة .. تطاردنى !
الساحرة التى سرقت عقول كبار الأدباء فى العالم
حكاية العمدة شمروخ والأستاذ كسراوى مع (مو)