وكلمة الحواديت تحمل دفئاً خاصا، ومنذ شهرين وأنا أتابع حالة جديدة وعظيمة فى مصر اسمها (الحواديت) وهو فن مصرى أصيل ،صحيح أن مسرح الحكواتى فلسطينى بحكم ظهور فرقة تحمل الاسم منتصف السبعينات ثم أصبحت الفرقة هى المسرح الوطنى الفلسطينى،إلا أن جلسة السامر وحواديت الجدات ميراث مصرى بامتياز،وهذا هو السر وراء حالة الحكى التى انتشرت فى مصر وأصبح لها جمهور عريض ينمو ببطء وسيكتسح المجال الثقافى لما يملك من أدوات تجمع معظم الفنون فى فن واحد، فالقصة موجودة وهى أساس الحدوتة ،والمسرح موجود من خلال الحاكى الذى يتلبس حالة ممثل على الخشبة ليقدم مشاهد ورؤى سينمائية وقد يستخدم مؤثرات صوتية وحركية وربما راقصة ،وكل ذلك فى دقائق لا تزيد عن الخمس ،وهذا أيضا جانب آخر من جماليات فن الحكى، وكنت أعرف بالطبع أن هذا الفن موجود ولكننى فوجئت بعدد الفرق التى جعلت كاتبا ومخرجا كبيرا مثل محمد عبد الفتاح يفكر فى ملتقى عربى كبير يجمع كل هواة الحواديت والحكى فى لقاء سيكون هو الأول من نوعه فى مصر والعالم العربى ،لكن قصتى مع عالم الحواديت بدأت من خلال صديقتى
نيرمين العطار التى أعرفها منذ بداية عملى بالصحافة،ومن يومها ونيرمين العطار تحب الناس،تحب الخير، تحب الدعم والمساندة، لم تتغير ولم تتبدل،نفس الضحكة الطيبة والشغف الدائم بالثقافة وفنونها،فرقتنا الأيام طويلا حتى التقينا فى نقابة المهندسين احتفالا بذكرى سيد درويش ،كانت مدعوة من الصديق صلاح أبو الليل الذى يدير اللجنة الثقافية بالنقابة،وفاجأتنى نيرمين بشغفها الجديد، لقد وقعت فى غرام الحواديت وراحت تحكى عن سيد درويش بطريقة عفوية ولطيفة،ثم فاجأتنى بفرقة (مساحة) وشبابها الحالم المنطلق وعرفت أنهم مجموعة من أعمار مختلفة يحاولون تقديم فنهم الوليد،وبعد اللقاء بفترة قصيرة ،كنت فى لقاء مع الموسيقار الكبير يحيى خليل بدار الأوبرا نشرب القهوة ،فوجئت مرة ثالثة بفتاة تتقافز الأحلام فى عينيها تتقدم نحوى بخجل شديد وتقدم لى كتابا صغيراً ،فتذكرتها على الفور(مى عبد السلام) التى كانت بصحبة نيرمين فى نقابة المهندسين، وكان الكتاب عبارة عن تجميع لحواديت الفرقة تم تصنيفها وتقسيمها بحيث تشمل حواديت رمضانية عن ذكريات وطقوس عاشوها ،وفصل عن الأحياء القاهرية وعلاقة كل كاتب بمنطقة تحمل تاريخا، وقضيت الليلة سائحا بين قصص وحكايات بسيطة ولطيفة وتحمل روحا جديدة وتضيف سعادة فكل هذا بجهود هؤلاء الشباب الذين صدقوا حلمهم فقرروا الإمساك باطرافه ليس بالتجول فى منتديات الحكى ولكن بكتاب يوثق مرحلة من عمر فرقة سوف تستمر لسنوات ،فالذين اتفقوا على كل هذه الخطوات،الذين سهروا لتوضيب كتاب يجمع قصصهم ثم يطبعوه على نفقتهم الخاصة لن يتفرقوا بسهولة ،الكتاب بسيط بغلاف أكثر بساطة يسمح لاسم الفرقة(مساحة) أن يتمدد باعتباره دفتر حكايات شباب مصريين،خطفتهم الحدوتة فوقف أحمد الرومى يستعيد حكاية النبلة التى صنعها فى طفولتة فأصبحت مرسال الحب (تررراك) تخبط فى قزاز البلكونة ،وترراك تصيب قفا عيل رخم،وتررراك يخشى الكل من ضربة مباغتة من نبلته ،وترراك حتى انتهت الطفولة وضاعت النبلة التى تشبه تعويذة تبحث عنها (مى عبد السلام)فى حدوتة لطيفة عن البنت التى تجد كتابا فى البيت القديم يمتلىء بالخطوط والدوائر التى تشير إلى أن كل هذه تعاويذ متعددة يمكن استغلالها فى كل ما تحتاج إليه بداية من تعويذة الانتقام وحتى تعويذة الشهرة ،وتتحول الدراما إلى سخرية لاذعة وجميلة حين تصل إلى سر التعاويذ وتبدأ الانتقام من جارتها المزعجة ،لكنها تنزلق على السلالم،وتستخدم تعويذة الشهرة وتنفذ طلباتها فى لبس الأزرق والنزول إلى الشارع مبكراً، فتجد طابوراً يبحث مثلها عن الشهرة بنفس الملابس الزرقاء،فتقف معهم وتنظف معهم الشارع كما طلب الرجل الذى سيأخذهم إلى الشهرة ،حتى ينتهى التنظيف ويضع الرجل فى يدها 25 جنيها، وفى حدودتة الواد حسن تستعيد نيرمين العطار ببراءة كبيرة رعشة الطفولة مع جواب أو رسالة كتبها الولد حسن ابن صاحب باباها الذى انتظرها وهى رايحة المدرسة وأداها الجواب،وهى اتخضت لان الواد حسن فى اعدادى وهى فى ابتدائى وهى ما تعرفش يعنى إيه جواب ،ودخلت حمام المدرسة وقرأت جواب حسن اللى بيقولها انه بييجى عشان يشوفها،وهى كانت فاكراها بييجى عشان البنات الكبيرة اللى زيه!، وفى البيت وضعت الجواب فى مكان بعيد،حتى انكشف السر وعرف الأب والأم تقف تدافع عن ابنتها، ومع رعب البنوتة سمعت ضحكات الأبوين لإن حسن كان كاتب فى الجواب انه بيحب عمو محمد قوى .. وعم محمد هو السيد الوالد.
دينا هريدى تعود إلى بورسعيد وطفولتها وشغف مشاهدة طقوس شم النسيم فى ديلبسبيس التى تسمع عنها،فى حدوتة لطيفة عنوانها( بإذن الله هيلاقوها)،وذهبت دينا إلى عمتها لتشاهد احتفالات حريق ألنبى .. حتى تاهت من يد عمتها، وراحت الميكرفونات على دينا هريدى اللى لابسة فستان ازرق،وهى تسمع ولا تصدق أنها المقصودة!حتى وجدت عمتها تلطم خديها وحولها الناس يرددون مش هيلاقوها .. فاقتربت منها واحضنت وهى تردد بإذن الله هيلاقوها،
وتحكى سارة عن جدتها،ويحكى أحمد الرومى باقتدار عن البنت اللى ما تتسنيش ويحكى هشام عبد الحميد عن فرقة أفراح المدينة ومحمد كامل عن السينما وعطية أحمد عن الحلم ،ومحمد زوام عن أم سمير ،وناهد مختار عن التوهة وجميها حواديت ممتعة فى تجربة لطيفة صدرت عن دار الملتقى للنشر.
اقرأ أيضًا:
عش الغراب .. فقراء يصرخون من الضحك !
جسور ماديسون .. الحب كما قال المطر!
سعيد شيمى .. ماهذا الجمال يارب العالمين!