إن كنت محباً للجمال والطبيعة فهذا كتاب مهم للغاية،وإن لم يكن فى مكتبتك فها هو بين يديك فاحرص على أن يكون واحداً من كتبك المفضلة لأنه كتاب عن الجمال وإلى الجمال.
لا هدف لجبران خليل جبران من كتابه (حديقة النبى) سوى التجول بين سماوات المحبة ،يقطف زهرة من هنا ويهديها إليك ،يقتنص السلام وعبارات الطمأنينة من لسان الأنبياء والقديسين ويزرعها مع خياله شديد الخصوبة،فتنمو حديقة تتشكل منها صفحات كتاب كأنما تنطق بالحب والتفاؤل والأمل ،
ينظر جيران إلي الحياة من حوله نظرة متصوفة زاهد، فيراها حديقة غير ذات أسوار. يدخلها كل المحبين للجمال من مريديه الذين يستمعون إليه وهو ينصحهم :
(عيشوا نهبا لسرق السارق، وغش الغاش، وخداع الخادع، أجل! كونوا صيدا لخديعة وارتعوا في حبائلها ولو سخر منكم الناس، فليس هذا كله بضائركم .. إنكم عندها سوف تشرفون من عليائكم وتبتسمون .. عالمين أن الربيع سيوافي حديقتكم من بعد ليرقص علي أوراق الشجر، وأن الخريف سيقبل لينضج أعنابكم، مدركين أن أيديكم لن تخلو من الرزق ما دامت نافذة واحدة من نوافذكم تطل علي المشرق).
ولوحات الفنان المصرى الكبير صلاح طاهر المصاحبة للنصوص تجعلك تكاد تلمس الجمال بعينيك وأصابعك.
ونأتى إلى المترجم ثروت عكاشة الذى زرع حديقة واسعة من المعرفة فى تقديمه للترجمة،فالحديقة تسكن عقائد البشر ووجدانهم وفي أشعار الغزل المصري القديم كانت أزهار الحدائق تتخلل أقوال العشاق في مناجاة عذبة رقيقة: إيه أيتها الأزهار، منك يخفق قلبي، وبين ذراعيك تلين إرادتي، ومن رؤيتك تستمد عيناي الضياء.
وفى الحديقة تلقى بوذا تعاليم عقيدته و”المسيح” عليه السلام ولد تحت جذع نخلة، ولما هاجر إلي مصر أنقذته شجرة المطرية من الأذي، محمد صلوات الله وسلامه عليه أخذ البيعة من أنصاره تحت الشجرة. هذه الشجرة – وهي نبت من نبات الحديقة يفوح برائحة النمو ويوحي بالأزدهار والترعرع – دخلت حياة الناس إذن مع عقائدهم، فأصبحت رمزا لما تتوق إليه نفوسهم من متع وما تجيش به صدورهم من آمال.
كان جبران في هذا الكتاب مُعلما، يحاول أن ينشر بين الناس التعاليم التي استمدها مما اكتسبه في تجربته، وهو يستمد الحكمة كلها من الطبيعة فالطبيعة عنده هي المعلم، وهي الأساس الذي تقوم عليه كل حكمة.
ثروت عكاشة
مختارات حدائق النبى
١ – والشمس مثلك ومثلي ومثل سائر الكائنات .. تشاركنا جميعا شرف الجلوس إلي مأدبة المولي…. وبابه دائما غير مُوصد، ومائدته أبدا مبسوطة.
٢ – أنت وحيد .. وماذا يضيرك؟ لقد أتيت وحيدا، وستمضي وحيدا صوب جوف الضباب.
فلتشرب إذن كأسك وحيدا في سكون. إن أيام الخريف قد منحت شفاها أخري غير شفتيك كؤوسا أخري وأترعتها بالخمر، مُرها وحُلوها أترعت كأسك سواء بسواء
ـ فلنشرب كأسك وحيدا، وإن كان مذاقها من مذاق دمك، ودموعك، واشكر الحياة علي نعمة الظمأ، فلولا الظمأ لما كان قلبك إلا شاطئا لبحر ناضب، لا يهدر ولا يحركه مد.
ـ أي رفاقي وأحبابي، لسوف تلتقون في طريقكم بأناس ذوي حوافر، فلتُعطوهم من أجنحتكم، وأناس ذوي قرون، فلتتوّجوهم بأكاليل الغار، وأناس ذوي مخالب، فلتعوّضهم عن أصابعهم بتلات الزهر، وأناس ذوي ألسنة لاذعة كالشوك، فلتهبوهم نظير كلماتهم شهدا يقطر.
لسوف أجلس إلي موائدكم وإن غاب عنكم جسدي.وأمضي معكم إلي حقولكم، روحا خفية لا تراها العين.
ـ ـ فمن ذا الذي يُطعم الفرخ المريش في عُشه إذا ما طارت عنه أمه محلقة في السماء؟ وأية شقيقة من شقائق النعمان في الحقل يكملُ نموها إن لم تلقّحها نحلة من شقيقة أخري؟.
ـ هيموا وراء الجمال واتبعوه وإن قادكم إلي شفا الهاوية، أجل، اتبعوه وإن كان ذا جناح وأنتم لا جناح لكم، اتبعوه وإن انتهي. بكم إلي الهاوية. اتبعوه، فإن افتقدتم الجمال، افتقدتم كل شيء.
ـ كونوا حديقة غير ذات أسوار، وكرمة لا حارس دونها، وكنزا مباحا ينالُ منه كل عابر.
ـ عيشوا نهبا لسَرق السارق، وغش الغاش، وخداع الخادع. أجل، كونوا صيدا للخديعة وارتموا في حبائلها ولو سخر منكم الناس، فليس هذا كله بضائركم. إنكم عندها سوف تُشرفون من عليائكم وتبتسمون، عالمين أن الربيع سيوافي حديقتكم من بعد ليرقص علي أوراق الشجر، وأن الخريف سيُقبل لينضج أعنابكم، مدركين أن أيديكم لن تخلو من الرزق.
ـ في هذه الحديقة يرقد أبي وترقد أمي وقد وسدتهما الثري أيدي الأحياء. وفي هذه الحديقة تغيب بذور السنة الماضية، حملتها إلي هنا أجنحة الريح. ولوسوف يرقد في الثري الريح البذور، ولسوف نُقبل معا بعد ألف عام، أنا وأنتم وهذه الزهرات، إلي هذه الحديقة كما هي حالنا الآن فيتحقق وجودنا، وسنكون من عشاق الحياة، وسنكون من الحالمين بالفضاء، وسنكون من الصاعدين صوب الشمس.