ثلاث سنوات تقريبا وأنا أحايل وأهدهد فى الكاتب الشاب مصطفى شُهيب: معلهش يا مصطفى ده برضه فنان كبير واختارك وانت لسه شاب صغير يعنى بيديك فرصة.
ومصطفى يكتم الآهات ويوافقنى على كلامى والسلام!،لكنه كان مخنوقا من العمل من الفنان محمد صبحى الذى اختاره لكتابة مسرحية (عيلة اتعمل لها بلوك) التى تسببت فى أزمة كبيرة مؤخراً،،كان مصطفى يكتب المشهد ويعرضه على الفنان الكبير فيصفق ويربت على كتفه بابتسامة واسعة،لكنه فى اليوم التالى يطلب بعض التعديلات،ويصفق للتعديلات التى سيطلب تغييرها وإعادة المشهد إلى ما كان عليه فى اليوم التالى!،وهكذا عاش مصطفى عذاب كتابة كل مشهد وكان عليه أن يقطع الطريق من المعادى إلى مدينة سنبل،بل كان عليه حضور الاحتفالات التى تقام على شرف الفنان الكبير، ولا أنكر أننى كثيراً ما كنت أصاب بالملل من حديث مصطفى الدرامى عن تجربته مع صبحى والتى كنت أظنها قد باءت بالفشل وكل واحد راح لحاله،حتى فوجئت ببيان المتحدة المكتوب بدقة واحترام كبير لقيمة صبحى كفنان أخلّ ببنود عقود واضحة ، وهنا ارتفع حاجبى لأعلى ورحت أقرأ العقود وقيمة الأجر الذى طالب به محمد صبحى وحصل عليه بالفعل، وبحثت عن عقد مصطفى شهيب كمؤلف للعمل المرفوض من شركة المتحدة،فلم أجد عقداً باسمه ،فقلت لاشك أنه كان يلهف من صبحى ألوفات كل يوم ويأتى إلىّ بالهموم والدراما،وعلى الفور تركت بيان المتحدة واتصلت بالأستاذ مصطفى شهيب أساله عن الدنيا المقلوبة على المسرحية واستدرجه فى الكلام لأعرف كم هبشّ من صبحى وأعرف أيضا كيف استغفلنى ولم يخبرنى عن الأموال بينما جعلنى حائط مبكى!، لكن تليفونه كان مغلقا بكل أسف فانتظرت حتى المساء واتصلت فكان مغلقا أيضا،وهنا بدأت أشعر بالقلق ،فكتبت إليه رساله أحذره من عدم الرد حتى لا أكتب على فيس بوك أنه اختفى اختفاء مريب!، وبعد دقائق كان يتصل ،فقلت :جاء الوغد،ورحتُ استدرجه فى الكلام ،فأقسم أنه لا يعرف شيئا لا عن العقود ولا عن الأرقام التى حصل عليها الأستاذ محمد صبحى ،وأنه عرف المعلومات من بيان المتحدة مثلما عرفت أنا، وقبل أن أندهش :قال مصطفى : أنا حصلت على نسخة من المسرحية وها تفرج عليها ،ونتكلم!،وبعد ربع ساعة كان مصطفى تصل ثانية: يا أستاذ أشرف الراجل مش واخد مشهد واحد من اللى أنا كتبته!!
ـ إزاى يعنى؟
ـ والمصحف زى ما بقول لك !.
طيب يا مصطفى أنا ذنب أهلى إيه أقعد سنين تلاتة اسمع فى قصتك الدرامية والنفسية مع صبحى؟! ،أنا توقعت تهبش هبشة حلوة وتعوضنى عن وجع القلب ،وضحكنا وكل واحد راح لحاله ،لكننى لم أذهب إلى حالى وظللت مشغولا بكاتب شاب يتم استغلال موهبته على هذا النحو غير الأدمى وغير الأخلاقى!،فلم يكن مصطفى شهيب قبل تجربة محمد صبحى مجرد كاتب والسلام،بل نجم له مؤلفاته الساخرة التى طبعت مرات (ليالى الحنية،وبلد متعلم عليها ،ورحلتى من الشك إلى الشك برضه)،هذا بالإضافة إلى كتابته سيناريو وحوار مسلسل انحراف الذى عرض رمضان 2022 بطولة الفنانة روجينا، ولا أعرف كيف سيتعامل مع آثار تلك التجربة التى كان أحد ضخاياها !،لقد ظللت مشغولاً بمصطفى وبحقوق آخرى ضاعت وتاهت فى زحمة الهجوم الصبيانى الذى جعل من محمد صبحى بطلاً!!،فأخمد هذا الضجيج أصوات عدد كبير من المقهورين والذين كان يكفيهم البيان الذى صدر بشكل رسمى عن الشركة المتحدة ليشاهدوا مصير فنان كبير أهدر فى السنوات العشر الأخيرة رصيداً كبيراً من الفن والمتعة والموهبة والتفرد أيضا حين أصابه الغرور فاعتقد أن الكوكب كله يسمع مواعظه ونصائحه!، لكنها الحياة التى جعلت ـ حتى ـ الحانقين عليه والغاضبين منه يتعاطفون معه بسبب تلك الحملات الساذجة!،وسامح الله من نصح بها وروجها لدرجة أن مصر كلها قضت ليلة كاملة تمصمص الشفاة على مصير الفنان الكبير الذى يتعرض لحملة كبيرة، ونسى الجميع مصير مصطفى شهيب ومصير شعر العامية ومصير الشاعر يسرى حسان الذى كان ضحية تلك الأزمة هو وشعر العامية!!،فمن سؤء طالع الشاعر يسرى حسان أن أعلن استقالته من رئاسة تحرير سلسلة ديوان العامية التى تصدر عن هيئة الكتاب المصرية،فى صباح نفس اليوم (25 يوليو) الذى انطلقت فيه حملة صبحى !!، وكان المستفيد الأول من تلك الغلوشة هو رئيس الهيئة العامة للكتاب السيد أحمد البهى ،فقد كانت الاستقالة بداية لاستقالات آخرى ومواقف ثقافية تضامنية على الاقل مع الشاعر الذى كتب حيثيات استقالته والتى تتلخص فى التدخل الدائم والمستمر من العاملين بالهيئة فى إبداعات الشعراء،واستعرض الشاعر يسرى حسان حكاية مؤلمة عن احتماله وصبره الذى طال حتى قرر أن يعلن الاستقالة التى راحت (فطيس) بسبب زحام معركة صبحى الزائد عن الحد،فقد كان من الضرورى أن يظهر رئيس هيئة الكتاب ليرد على اتهامات يسرى حسان الموجهة له وللعاملين معه، وكان من المقرر أن يتضامن رؤساء السلاسل الآخرى مع موقف رئيس تحرير سلسة ديوان العامية، لكن شيئا لم يحدث والفضل للترند الذى كان فرصة لكثيرين من المثقفين للاختفاء بعيداً عن استقالة يسرى!،وأهى كلها أرزاق.