وظهر فى مصر كاتب رفيع المستوى ونادر الموهبة اسمه (شفيق أحمد على)، وتلك قصة آخرى نحكيها بعد أن نعرف من خلال كتابه من هى السيدة التى أحبها عبد الناصر ؟
ففى صيف 1983 ومع احتفالات ثورة يوليو كتب صلاح منتصر مقالا هزّ مصر من شمالها إلى جنوبها،قال فيه إن عبد الناصر وقع فى غرام إحدى بنات الباشوات !،وأن هذه الشقراء ظلت تراود أحلامه حتى تقدم لخطبتها فسخرت منه عائلتها وأهانوه!،فأصيب بعقدة نفسية جعلته يطبق قانون الإصلاح الزراعى !!،وقال منتصر بالحرف الواحد
( .. وهناك حكاية سمعتها عن قصة حب من طرف واحد هو جمال عبد الناصر، وفتاة شقراء الشعر، تنتمي إلى أسرة من الباشوات ، وكان من عادة هذه الفتاة أن تذهب كل يوم أربعاء إلى سينما ديانا حفلة الساعة الثالثة بعد الظهر ، عندما كانت السينما تقوم بتغيير أفلامها في ذلك الوقت من كل أسبوع .. وكان جمال عبد الناصر حريصاً على أن يكون دائما على باب السينما كل يوم أربعاء انتظاراً لرؤية الفتاة التى أحبها في صمت ، ثم حدث بعد ذلك أن تقدم جمال عبد الناصر إلى والدها طالباً الزواج من ابنته . ولكن الأب ثار عليه ، وربما طرده من المنزل ، إذ كيف يجرؤ من في مثل فقره ، وسمار بشرته ، أن يتقدم للزواج من ابنة الباشا شقراء الشعر)!!.
ولم يكتف الأستاذ صلاح منتصر بالقصة لكنها أضاف :
“عبد الناصر كانت لديه عقدة خاصة من باشوات الأحزاب ، وبسبب هذه العقدة فإننا نلحظ أن أول قرار أصدره مجلس الوزراء برئاسة على ماهر بعد طرد الملك فاروق ، كان هو قرار إلغاء الألقاب والرتب المدنية . ولقد كان من الممكن تقبل هذا القرار ، هو أو قانون الإصلاح الزراعي في إطار فلسفة فلقد كان صدور قانون الإصلاح الزراعي بالسرعة التى حدثت ، يعتبر شيئا يسترعى الاهتمام والتفكير”
وقامت الدنيا وانبرى الكثيرون للرد على هذه الافتراءات،ولكن العقلاء منهم رأوا ضرورة تجاهلها، ومن بين الذين اقتنعوا بضرورة الرد عليها وتوضيح حقيقتها المستشار الأستاذ حسن النشار، الذى كان صديقا صدوقاً لعبد الناصر منذ الطفولة حتى النهاية. ويعتبر شقيقا له في الرضاعة ، إذ أن أم حسن النشار قد أرضعت عبد الناصر ذات يوم على محطة السكة الحديد فقامت بين الأسرتين صداقة حميمة خاصة أن رب كل من الأسرتين كان يعمل في نفس المجال .
وهكذا قام الأستاذ حسن النشار بإرسال رد إلى الجريدة لكنها أحجمت عن نشره . وفكر الأستاذ في إقامة الدعوى لكنه رأى عدم جدوى ذلك فسلم أمره لله وسكت .
ومن أين جئت يا أستاذ صلاح يا منتصر بهذه القصة ؟ قال من الأستاذ هيكل!، وكتب بالحرف الواحد : (أستطيع بعد أن رويت هذه الحكاية التى ربما تكون قد ذكرت لأول مرة فوق الورق ، أن أضع يدي فوق القرآن الكريم، وأقسم عليه أنني سمعت هذه الحكاية من الأستاذ محمد حسنين هيكل في خلال السنوات الأولى من الثورة ، وأنني لم أكن وحدي الذى استمع إليها ، ولكن كان هناك زملاء آخرون موجودون حتى اليوم ، وكنا جميعا نضع أقدامنا على اول سلالم العمل الصحفي في مجلة آخر ساعة التى كان يرأس تحريرها الأستاذ هيكل).
وقامت القيامة مرة آخرى واشتعل غضب الناصريين، وغيرهم من الرافضين لنهش لحم الموتى بقصص غير أخلاقية،ونفى الأستاذ هيكل ما زعمه الأستاذ منتصر، وتوالت الردود لكن شفيق أحمد على ترك كل هذه المعركة مشتعلة والتقط بذكاء خيط (حسن النشار) وبدأ البحث الميدانى عن الحب الأول فى حياة عبد الناصر، فعبد الناصر إنسان ومن حقه أن يحب ،ولكن هل أحب فتاة من تلك الطبقة بالفعل؟، ورغم الذكاء الصحفى الكبير فى تحطيم افتراءات صلاح منتصر بحرفنة إلا أن الناصريين انتفضوا بغباء شديد يهاجمون شفيق أحمد على لانه تجرأ واختار هذا العنوان غير اللائق بالقائد الزعيم المقدس!!،وراح البعض يزايد على الكاتب بأن السيدة تحيه كاظم مازالت على قيد الحياة ،ولا يليق الحديث عن غراميات رفيق عمرها!!، ووجد شفيق أحمد على نفسه بين نار خصوم عبد الناصر وجحيم ودراويشه!!.
وفى الطبعة الثانية من الكتاب خصص شفيق أحمد على صفحات لمقالات الهجوم الذى تعرض له مع نشر مقالات أنصفت الكاتب والكتاب وعلى رأسهم الكاتب الكبير خيرى شلبى الذى كتب موبخا الناصريين الغاضبين من الكتاب بحجج فارغة وغير منطقية،مؤكداً أن الكاتب شفيق أحمد على كشف الحقيقة بالوقائع بعيداً عن النجورية والعبارات المطاطية الجاهزة،
ومن خلال الحوار المطول مع المستشار حسن النشار نجح شفيق فى الحصول على حقيقة هذه المرأة التى أحبها عبد الناصر ولم يتزوجها ، ووضع النشار أمامه كل الخطابات الشخصية التى كان يرسلها له عبد الناصر بخطه أيام الشباب وفيها كل أسراره،فكشف افتراءات صلاح منتصر من دون أن يهاجمه أو يتطاول عليه ،بل قدم فى الكتاب عطر تلك السنين التى عاشها عبد الناصر لأول مرة،فالرسائل التى يكشف من خلالها عبد الناصر حبه لتلك الفتاة تكشف أيضا عن طبيعة شخصية عبد الناصر ،فقد ظل وفيا مثلا لحسن النشار حنى النهاية، وظل محافظاً على حبه لتلك الفتاة فى احترام وتقدير فحينما قرأ في صفحة الوفيات في جريدة الأهرام نبأ موت هذه السيدة- وكان وقتها رئيساً للجمهورية ملء سمع وبصر العالم أجمع – وضع النظارة السوداء على عينيه ، وفي الخفاء استقل سيارته الخاصة ، وتسلل كأي شخص عادي، ليمشي في جنازتها مع المشيعين ، وفعلا، مضى بسيارته خلف موكب الجنازة مسافة كبيرة ثم ارتد عائدا إلى منزله .
خطابات عبد الناصر الغرامية
الحقيقة كما يرويها المستشار حسن النشار من واقع الذكريات المشتركة والخطابات والصور، هي أن السيدة “س .ص ” لم تكن ابنة أحد الباشوات أو البكوات أو حتى الأفندية ، إنما كانت ابنة رجل عادي ينتمي لأسرة من الطبقة المتوسطة لا يزيد مستواها في كثير أو قليل عن مستوى أسرة عبد الناصر أو أسرة النشار ، وكانت “س.ص” زميلة لأخت حسن النشار – واسمها همت – في مدرسة واحدة ، وكانت تربط بين الفتاتين ، إلى جانب الزمالة ، صداقة .
ولأن عبد الناصر كان صديقاً للنشار ، وكانت أم حسن النشار تحنو عليه بعد وفاة والدته، فقد كان يتبادل الزيارات مع صديقه، ويبثه همومه ومشاكله،التى تتعلق كلها بوضعه في بيت عمه، وبوضع أشقائه الليثي وشوقي وعز العرب ، خاصة بعد أن تزوج أبوهم بسيدة أخرى وأنجب منها أبناء آخرين .
وفي إحدى الزيارات لمنزل صديقه رأى الفتاة “س.ص” ففتن بها من بعيد لبعيد ، ولم يستطع أن يخفي أمر فتاته عن صديقه وكان ذلك في عصر يوم 28 مايو سنة 1939 حينما تلقى حسن النشار خطابا بخط جمال عبد الناصر يقول فيه:
عزيزي حسن…
أبلغك سلامي وأرجو أن تكون بخير وماشي في الامتحان زي الجدع .. لم أرك من مدة طويلة ولا أعرف للآن هل هذا ذنبي أم ذنبك أم ذنبنا نحن الاثنين.. زي ما تشوف..
وقد سمعت من عبد الرؤوف جبريل أنك متأثر وزعلان لخلف الميعاد ولكنني أحب أن أقول لك : ألغي كل ما يدور بخلدك ..
في هذا اليوم كان تأخرى بسبب حضور عمي وعبد الرؤوف – كان مدير لمكتب عبد الناصر – في الميعاد ، وأظنك ستستغرب إذا قلت لك أني لم أرى عبد الرؤوف من يوم شم النسيم لا مرة واحدة وسأقول لك يا أستاذ عن السبب ويمكن تكون عرفته بالتخمين..
أظنني قلت لك بأنني عزلت إلى شارع زغلول رقم (1) بالظاهر .. وبينما كنت أتجول في أحد الأيام وجدت “سعدية هانم” وطبعا أظنك تقدر تعرف إيه اللي جرى لي في تلك الساعة، ومن يومها وأنا أبحث عن منزلها في الظاهر، حتى عثرت عليه أخيرا ، بعد جهد وهو يقع في شارع الخليج أمام سينما فيكتوريا .. وبما أنه عندى عمل بعد الظهر في يومي السبت والثلاثاء فإنني أمتع نظري باقي أيام الأسبوع ويشهد الله بأنني لم أحاول تتبعها ولا معاكستها حتى أنزه نفسي عن عبث الشباب الحديث وحتى لا يقال عنها القيل والقال ، وأظن أن هذا يا أستاذ هو ما عاقني عن السؤال عنك.. ولا مؤاخذة ، وإن شاء الله أقابلك قريبا ، ونشوف مين فينا يغلب الثاني ويجيب الحق عليه ..
وقد سألت عنها فعرفت أنها في مدرسة الفنون الطرزية بشبرا وأن لها أختين أكبر منها، وأنها لا يمكن زواجها إلا بعد زواجهما ..
وأني أعمل كل جهدي الآن حتى أنقل لمصر وعشمي أن يصلني منك جواب على سلاح الإشارة قريبا وإن شاء الله بعد الامتحان بتاعك سأضايقك من الزيارات .. سلامي إلى الست الوالدة والسيد الوالد والأخوة طبعا… وتقبل سلامات وقبلات ..
“جمال عبد الناصر”..
تلك هي قصة السيدة “س.ص” التى أحبها عبد الناصر في مطلع شبابه وهو ضابط صغير بالقوات المسلحة ، وليس هناك أي تفاصيل أخرى معلنة أو خفية ، فيما عدا الخطوة التى أتخذها عبد الناصر ليؤكد بها صدق نواياه وشرف موقفه ..
فعلى الرغم من أنه سمع بحكاية أختيها اللتين لابد أن تتزوجا قبلها تبعا لتقاليد أهلها، فإنه قرر التقدم لها لكي يسد في نفسه ثغرة الندم فيما بعد ..
وكان يعلم أن الصداقة التى تربط بين فتاته وبين همت أخت صديقه حسن، يمكن أن تكون باباً شرعيا يسلكه إلى فتاته ليقنعها بالزواج ، وهو في الواقع لم يكن مصرا على الزواج منها دون غيرها ، ولو كان الأمر بيده لتقدم للزواج من همت أخت صديقه، لكن همت محرمة عليه بحكم الأخوة في الرضاعة.. فليجرب حبيبة قبله التى افتتن بها ..
وهكذا ذهبت أم حسن النشار إلى أم الفتاة “س.ص” لكي تخطبها للملازم جمال عبد الناصر، ففوجئت بأن الأسرة لا يمكن أن تزوج البنت الصغرى قبل أختيها مهما كانت الظروف والأسباب ومهما كانت رتبة العريس . وكانت أم الفتاة في حقيقة الأمر مرحبة بهذا العريس ولكن بدون أن تخترق قانون العائلة ، فألمحت إلى أم حسن النشار أن الأختين الكبيرتين يمكن أن تكونا عروسين لولديها حسن وأخيه ، لولا أن حسن وأخاه على كانا طالبين ولا يستطيعان فتح بيت .
وحاولت “نينه وهيبة” – أم حسن – أن تبحث له عن عروس من بنات أقاربها ، كذلك حاول عبد اللطيف البغدادى أن يزوجه من شقيقة زوجته ، لكن جمال لم يرتح لهذه الطريقة ، ورجاهم أن “يتركوها للظروف” . وقد جاءت هذه الظروف فعلاً، حينما تعرف الزعيم على زوجته الفاضلة ، التى كانت شقيقة أحد أصدقائه . ثم تزوجها ، ليقضي العمر كله وفيا لها ولأبنائه من يصل لناظر المدرسة؟
اقرأ أيضًا:
شركة هالة زايد تطيح بأحلام مجدى الجلاد فى الجنسية!
صبرى السيد ..العرّاب يعود للقصيدة