لم يكتب الشاعر الكبير مجدى نجيب مذكراته،لكنه ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ تحدث عن معظم ذكرياته فى كتابه (صندوق الذكريات) وسجل تقريبا نصف مشواره الفنى منذ بدأ كتابة الأغانى وحتى اكتشافه لمحمد منير مع عبد الرحيم منصور مروراً بتجربته مع عبد الوهاب الذى لم يسترح مجدى نجيب للتعامل معه،أما بليغ حمدى وعبد الرحيم منصور فقد سجل مجدى نجيب معظم ذكرياته معهما،وأنا أحب مجدى نجيب بشكل شخصى ولا أفرض عليك أن تحبه معى قبل أن تتعرف عليه،فربما كنت تردد أغنياته أو قصائده الغنائية من دون أن تعرف أنه مجدى نجيب صاحب ( قولوا لعين الشمس ،غاب القمر يا ابن عمى للفنانة شادية ، (كامل الأوصاف) لعبد الحليم (أوعدك )لسعاد محمد ، ياريتك معايا لهانى شاكر ) ، والأغانى التى ذكرت لك بعضها ليست شيئاً بالنسبة لدوره فى الحركة الغنائية والشعرية والتشكيلية المصرية من الستينات، دار مجدى مع الأيام والسنين والسهرات الفنية فى بيوت الكبار بداية من عبد الوهاب إلى بليغ والموجى وشادية وعبد الحليم وسعاد حسنى وسعاد محمد ،مرورا بجيل محمد منير وهانى شاكر من قبله .. فكما ساند تجربة منير كان من أكبر الداعمين للفنان هانى شاكر فى بداية ظهوره وكتب له : (سيبونى أحب ، ياريتك معايا)
فأول أغنية يكتبها كانت ( قولوا لعين الشمس ) وكان رافضا تماما للفكرة من أولها إلى آخرها ،فعندما عرض عليه بليغ لأول مرة كتابة أغنية شعر بالصدمة : ( لم أكن أتصور أن أترك الشعر والرسم والصحافة والإخراج الفنى وانضم إلى قافلة كتّاب الأغانى لأننى كنت مقتنعا أن تأليف الأغانى نوع من العار” بالنسبة للشاعر لأنه بالضرورة سيتنازل عن بعض الأشياء التى قد تضره كمبدع )، لكن بليغ لم يتوقف عن الإلحاح حتى جمعتهما جلسة فى معهد الموسيقى بحضور عبد الرحيم منصور قال له بليغ :
ـ اسمع المزيكا دى .. أنا شايف أنك تقدر تكتب عليها كلمات مناسبة .. اسمع.
ثم أخذ بليغ يعزف على أوتار عوده .. وكأنه يريد تحفيز مجدى أو تعذيبه ، ( وكانت الموسيقى التى أسمعنى إياها تفيض بكم هائل من الشجن الجميل الذى جذبنى ، لكننى ترددت ، ولاحظ بليغ ترددى فقال بابتسامة لئيمة :
ـ حاول تجرب فلن تخسر شيئا .
ودخلت التحدى الكبير واستهوتنى فكرة استلهام التراث فقد فعلها (لوركا ) شاعر إسبانيا الكبير وجمع أغناى الغجر.
كتبت الكلمات على اللحن وكانت تجربة غاية فى الصعوبة وكان مولد (قولوا لعين الشمس ما تحامشى ) التى غنتها شادية عام 1966 وحققت نجاحا كبيرا وكان أجرى الذى حصلت عليه خمسة جنيهات قبل خصم الضرائب .
ولا تنتهى حكايات مجدى عن بليغ حمدى فى سيرته الفنية التى سجلها فى كتابه صندوق الذكريات ـ زمن الفن الجميل ، فقد اقتربا كثيرا وسهرا طويلا وتبادلا الخصام والوئام والغضب أحيانا .
وفى صندوق الذكريات الذى يحتفظ به مجدى ستجد نفسك أمام مفاجآت ستظل طازجة ومثيرة فهو يروى قصص حب سريعة عاش تفاصيلها مع عبد الحليم حافظ ـ مثلاـ الذى أحب ( ميمى فؤاد) التى كانت تعمل فى فرقة محمود شكوكو واعترف العندليب لمجدى بأنها كانت أول قصة حب فى حياته وأنه تعرف عليها عن طريق محمد الموجى الذى كان معجبا بصوتها فى البداية ثم بدأ يحذرها منه وأجبرها على الابتعاد عنه !
يقول عبد الحليم لمجدى نجيب : ( كانت تأتى إلى معهد الموسيقى ، وكنت أنتهز فرصة انشغال الموجى فى بروفاته وأتحدث إليها وكانت تنبعث من صوتها الهامس نعومة راقصة مثل النسمة ، وتطورت الحكاية وبدأت تسأل عن غيابى ولاحظ الموجى لهفتها وانشغالها فبدأ يحذرها ويأمرها بالابتعاد عنى .. وكان لابد أن احتج على تحريضه لها ،وهذا ما جعل مناقشتنا تتحول إلى مبارزة ساخنة وتأكدت من حب ميمى وتفضيلها لى ).
ويسأل مجدى : كنت تبحث عن الحب وأنت لا تملك ثمن وجبة الطعام؟
ويجيب عبد الحليم : اللحظات الخاطفة معها كانت تسعدنى وتبعث الدفء فى قلبى
ـ ألم تخطط للزواج منها ؟
لا ، لم أفكر .. لكنها هى التى فكرت وبدأت ترتب أوراقها للزواج.
ويكتب مجدى نجيب باقى القصة ، ففى هذه الفترة التائهة الحائرة كانت ميمى فؤاد قد بدأت الشهرة فى الوسط لدرجة أن (صديق أحمد) أكبر متعهد حفلات طلب منها الانضمام لفرقته فاشترطت عليه التعاقد مع عبد الحليم ،ووافق الرجل ،وتعاقد عبد الحليم لكنه تراجع وتم فسخ العقد ، وانزعجت ميمى وظنت أن حليم يتهرب منها فأصيبت بصدمة الوجع ـ كما يصف مجدى نجيب ـ فأسرعت بالسفر إلى بيروت لتعمل راقصة ومطربة فى الملاهى الليلية وحققت شهرة واسعة وكان عبد الحليم قد بدأ هو الآخر الشهرة مع ( صافينى مرة ) وكانت ( ميمى ) تغنى وترقص على ألحان أغنياته ، واعترف العندليب لمجدى بأنهما عادا للتواصل بعد نجاحها فى بيروت وكانا يخططان للزواج لولا أن الصحف سربت أخبارهما وأصبحت حكاية المطرب المغمور والراقصة المصرية التى تعيش فى وطن عربى شقيق هى حديث المجلات الفنية : ( وكان لابد من تكذيب هذه الأخبار ـ يعترف حليم لمجدى ـ كما نصحنى بعض أصدقائى من الصحفيين وتعلمت يومها كيف تقسو قلوب العشاق ).
ويختتم مجدى نجيب الحكاية بأن الفنانة ميمى فؤاد ابتعدت عن الحياة الفنية كلها وتزوجت أحد الأثرياء العرب .. (فقد وجدت فى شارع الفن الصراعات والغدر والتنكر ).
وكنت أظن تلك القصة شائعة قبل أن يؤكدها مجدى الذى أكد أيضا أن محمود الشريف وأم كلثوم تم طلاقهما بأمر من قصر الملك فاروق !، ولا تتوقف الإثارة عند هذا الحد ،بل تصل إلى القمة عندما يحكى مجدى نجيب عن لقائه بالموسيقار محمد عبد الوهاب وكيف خرج من عنده نادما!، أوعندما يحكى عن تلك الليلة التى بكى فيها محمد الموجى حسرة وألماً على مشاركته فى بطولة فيلم (رحلة غرامية ) بنفس الألحان التى قدمها لعبد الحليم ( صافينى مرة ، على قد الشوق )، وكانت سببا فى شهرتهما ، أو تلك اللحظة التى قرر فيها عبد الرحيم منصور الزواج من الست نعيمة التى تزوجت الأبنودى !،ولم أسمع عنها إلا من مجدى الذى مازال قادراً على إدهاشى حتى وهو يحكى عن حفل زفافه على السطوح والذى دعا إليه الشيخ إمام ليغنى جيفارا مات وسط دهشة أهل العروسة وجنون الجيران الذين كانوا يتابعون الحفل على السطوح مباشرة!.. وصندوق ذكريات مجدى يحتاج مجلدات لسرد حكاياته المبهجة والدرامية والساخرة
اقرأ أيضًا:
غراميات شارع الأعشى .. الفيلم الجديد للمستشار ترك آل شيخ
أحمد بهجت .. حياتى بين تشيكوف ..ونهر الحب الصوفى
الرجل الذى يحمل أسرار مدارس الإخوان