لوحة في الليل لما خلي للفنان حامد ندا
أما هذه السهرة فهى على شرف الفنان الكبير حامد ندا الذى مات بطريقة عبثية تجعلنى أتعجب من بقاء رائحته طازجة فى لوحاته تماما كما بقيت أعمال يحيى الطاهر عبد الله حين مات موتا عبثيا أيضا،وألبير كامى الذى طار من السيارة!، كان حامد ندا فى وكالة الغورى حين انقطع التيار الكهربائى عن مصر كلها فى تلك الليلة (25 ابريل 1990)،هبط الفنان أحد السلالم ربما بحثا عن شمعة فصعقته الكهرباء فى إحدى الروايات ،وسقط على رأسه فى رواية آخرى!،والنهاية لا تؤدى إلا إلى العبث الوجودى الذى يجعل تلك نهاية فنان كان معجونا بالعبقرية منذ جاء عام 1946 إلى كلية الفنون الجميلة بفرقة زار كى يرسم انفعلاتها أمام لجنة الامتحان للحصول على الدبلوم،وهو المجنون الذى أزعج طه حسين الساكن بفيلا مجاورة لكلية الفنون،وهو المُلهم حتى فى رحيله عن الحياة .
هذه الدخلة الدرامية لم تعجب معظم رواد الخمارة،وامتعض عدد كبير من السهرانين ،لذلك قرر النادل أن يعرض لوحات حامد ندا المثيرة للخيال والمُحرضة على السعادة ،يرسم حامد ندا قصة قصيرة ـ كما يقول النادل ـ وأحيانا يشخبط رواية كاملة ـ كما يقول النادل الذى يرفع الآن لوحة بين يديه :
وعندك لوحة زى دى اسمها (فى الليل لما خلى)، نموذجا لما يمكن لعمل فنى أن يفعل فى إنسان ضعيف الجناح ،فقد سهرتُ ليلة كاملة مع حامد ندا بسببها، وكانت مفتاحاً لاختيار قصائد وكتابات أحبها، وسأعرضها عليكم قبل نهاية السهرة،لكن دعونى الآن أقول لكم إن هذا الفنان المولود بحى الخليفة فى 19 نوفمبر 1924 كان سابقاً لعصره فى التعامل مع الأحياء الشعبية بخرافاتها وأساطيرها وخيالاتها عن الحياة والموت والجنس باعتبارها أساس الفنون!،وعندما التحق بمدرسة الفنون الجميلة العليا عام 1946 كان يرفض كل القواعد التى تعلمها على يد أساتذته الكبار،وظل مصراً على أن الفن لا يعرف القوالب أو الحدود حتى جاء موعد امتحانه للحصول على درجة الدبلوم،وفاجأ الجميع باستضافة فريق أبو الغيط للزار إلى مبنى كلية الفنون بالزمالك! وبالفعل قدمت الفرقة رقصات مجنونة على هدير الطبول والدفوف مما زلزلّ حى الزمالك واشتكى الدكتور طه حسين الذى يسكن بجوار الكلية مباشرة من هذا الضجيج،ولم يهدأ ـ كما يحكى الناقد صبحى الشارونى ـ إلا بعد أن شرح له أحد الأساتذة حكاية الصخب والطالب المجنون الذى جاء بفرقة زار كى يقوم برسم حركاتها وانفعالاتها مباشرة أمام لجنة التحكيم التى ضمت بيكار وأحمد صبرى ومحمد يوسف ،وهدأ العميد وهو يبتسم للولد الذى يقدم تجربة هى الأولى من نوعها ،ونال الولد درجة الدبلوم بامتياز عن لوحاته المجنونة.
عرف حامد الطريق إلى كائناته الشعبية فى كل أوضاعها،وصنع لنفسه مفرداته الخاصة من قطط وكلاب وخيول،حتى بعد أن أصيب بالصمم ظل يجدد فى مفرداته فأضاف الآلات النحاسية وفرق الغناء الصاخبة ،وفى كل مراحله ظلت المرأة حلما وخوفا وسراً،وظل يبحث عنها فى ثلاث زيجات كانت الأخيرة من الفنانة التشكيلية هند شلبى، ليظل فنانا استثنائيا حتى فى رحيله المدهش،يحكى صبحى الشارونى أن حامد ندا كان يستضيف بعض تلاميذه من كلية الفنون فى مرسمه بمبنى وكالة الغورى بحى الأزهر حين انقطع التيار الكهربائى،وأنه بعد ارتطام رأسه فى الليلة المشؤمة(25 ابريل 1990 )فقّد الوعى،وقضى بالمستشفى ثلاثة أسابيع تقريبا،واسلم الروح فى 27 مايو 1990 ومعرضه مقام فى قاعة إخناتون بالزمالك!
وقد أنعم الله علىّ بكتالوج عظيم قام بإعداده الناقد صبحى الشارونى،ولن أبخل عليكم بالجمال الذى بحوزتى،فكل لوحة تستوقفنى آرى بجوارها شاعراً،وأحيانا عشرين كاتبا ،وفى مرات قليلة آرى حبيبات قديمات وأحضان كانت دافئة ،وشجرا كان أخضر ،وبيوتا كانت ناعمة، وحارات كانت مفتوحة على نوافذ الأمل والحلم، كل فرشاة تضرب لونا فى الذاكرة ،البنفسجى يأتى بالشعروالأحلام ، والأخضر بهمس النساء وصياح الديك ،والأحمر بالموت والحب فى وقت واحد!، حملنى حامد ندا فى وهيد الليل الذى خلى إلى هذه الكتابات لبهاء جاهين وإبراهيم داود وعبده المصرى وجمال القصاص وأحمد المريخى وخالد حريب ومدحت منير ومسعود شومان ومنتصر حجازى ودعاء عبد الوهاب ومصطفى إبراهيم ،وأصبحت لوحاته جزءً من كل قصيدة .
الحي الشعبي للفنان حامد ندا
ست الحُسن
قابليني يوم
في أول المنيل
في خمسة سبتمبر سنة تلاتين
قابليني تحت الرَبْع في القلعة
في جامع السلطان حسن شمعة
وفي الرفاعي مقام وناس مساكين
أنا مش ح اقول لك حددي لي معاد
قابليني صدفة واحنا متخاصمين
في السيدة زينب في حارة جاد
أو ستة شارع ساقية الطواحين
قابليني في البرج اللي تحت البير
قابليني في الأحلام وفي الطوابير
في اسكندرية وشندويل وشبين
قابليني في محطة فراق القطر
قابليني في مصحة لقا المجانين
عارفك أنا. مش بالشَبَه بالعطر
مسك الحسين وروايح البساتين
ملح البيوت اللي أكلها البحر
ريحة سحالي الأرض والجعارين
قابليني فى الشبورة في دولاب الهدوم
وأنا بابكي في الملايات وفي الفساتين
أنا من زمان وأنا بافتح الجرانين
وباتوه من العناوين
أنا من زمان وأنا بافتح المَنْدَّل
ما بشوفش غير مَنْزَّل
أنا من زمان وأنا بافتح الكوتشينة واقرا قهوة الفناجين
ما بشوفش غير شارع لا بيوَصَّل
ولا بأقابلك فيه
بهاء جاهين
لوحة الألم للفنان حامد ندا
أحيانًا
يحتاجُ الواحد منا أنْ يتنفّسَ بصوتٍ عالٍ
ليُقنِعَ نفسَهُ بالشّتاءِ
وهوَ يَعبُرُ منْ ليلٍ
إلى ليلٍ
متجاهلاً الدخانَ
الذي يُخلفُهُ الركضُ..
أحيانًا
يتمنّى أنْ يغفُو في آخرِ السّطْرِ
ليبْدَأَ جُملةً مفيدةً
يَسْتهلُّ بها ما يُريدُ
أحيانًا
يقبضُ الواحدُ منّا على نفسِهِ
وهو يبكي
البكاءَ الذي لا ينظُرُ الآخرونَ إليهِ
بإجلالٍ
ورُبما وهوَ يضحكُ
عند تَصَادُمُ الأيامِ
في الطُّرقِ السّريعةِ
إبراهيم داود
لوحة الأحزان
هذا هو اليوم الأول من العام الجديد
ينبغي أن أغير نظارتي الطبية لأرى ..
هل سأبدأ أم أنتهي
نظرتي ثقيلة لا تذهب أبعد من كوب الشاي
من قرص المسكن
الساعة الحائطية مهذبة على غير العادة
عقرباها أحس أنهما يطبطبان على كتفي
يعتذران عن خطأ ما
كأنهما يريدان أن يمنحاني فرصة أخرى للبقاء
يعرفان أنني عشت العام الماضي بقوة اليأس
أشياء كثيرة ينبغي أن أنجزها
في هذا المربع الصغير
أريد أن أتعلم طفولتى من جديد
ليس مهما أن أفرح أو ترتكب السعادة حماقتها
استوعبت الدرس جيدا
صعب أن أتحمل المزيد من الغباء
جمال القصاص
لوحة مقهى شعبي
كأس
كان النادل صاحب بار.. لو مالت يعدلها
وكانت كأس …
يطلبها الرواد وتتلطف بالمكلوم
تتمنى لو يغفل عنها النادل
والنادل من قسوته صام عن الخمر
كانت تحيي الليل. ولا تفرق معها،
تعرف أن النادل سوف يُغسلها من أنفاس الرواد
وبعد التشطيب يكفلها في منديل أبيض
وتعرف أكثر … أن البار سيغلق أبوابه في وش الصبح
وتبقى…. بلا ذاكرة أو ذكرى
أحمد المريخى
لوحة مغنية الفندق
عربية فول
كلنا زي بعض
وشنا بيضحك للرغيف
ماخترناش .. صوت البياع حلو ولا حار
صبحية مفتوحة على كل احتمال
رصيف واحد و كلنا فى الفطار صنف واحد
هنا تترد كرامة الجنيهات الفكة
رأس البصلة .. بيشب لفوق ف غرور يستاهله بواب .. بيبوس حرف اللقمة وفرحان بلطافة علشان ..بدلة لموظف بنك بتطلب سلاطة
كلنا .. زي بعض ف تساوي الصبح قادرين على ترتيب الروح
ونشاغب خمسين طريق للعافية والطبيب … كاذب
رشة…. لملح الأرض مخلوط مع الكمون
عمرنا .. ما كنا هامش
ضّفرنا قُداس الكنيسة مع صلاة الفرض
وكأننا سكاكين معجون بتنضف بعض
خالد حريب
لوحة البيانولا
لو بس كنت ساعتها عارف
إن دي المره الاخيرة
….ميه مية كانت حتفرق ف الوداع
لو بس كنت ساعتها عارف….
إن دي المره الاخيرة…
…..ميه ميه
كات حتفرق ف الوداع….
كنت هحضن سندس اللي ف تانيه تالت ع المشاع…
واحنا طالعين م اللجان…
بعد اخر امتحان…
كنت يومها أكيد حبيّت…
عند جدي ف شقته…
نلعب ورق….
نسهر سوا….
ومش حسيبه عشان ينام ليلتها من بعد الدوا…
أو يرد الشيش عشان ضهره بيتعب م الهوا….
واقوله يعني بذمتك….
اخر نفس ساقع اخدته ف صحتك….
بقي مايساويش حبة وجع ؟
بطل دلع …
جدي اللي مات دفيان ليلتها بـاللحاف …
لو كان عرف….
إن الليلادي وداع لانفاس الهوا….
مكنش رد الشيش ف اخر ليله له….
ومكنش خاف …
كل الشوارع والمباني…
اللي مش حدخلها تاني …
والاغاني….
اللي لما سمعتها…دندنتها…
من مره واحده بالسماع …
ميه ميه…
كات حتفرق ف الوداع….
يا كل حاجه كسبتها …
أو سبتها….
و ملحقتش اشبع منّها …
اكمنّها…
قالت “حنروح من بعض فين؟ ”
يا ناس يا عبط يا عشمانين…
ف فرصه تانيه للقا…
بطلوا اوهام بقي….
وكفايه أحلام واسمعوا….
عيشوا بذمه و ودعوا…
كل حاجة بتعملوها…
وكل حد بتشوفوه…
وكل كلمه بتقولوها…
وكل لحن بتسمعوه…
عيشوا المشاهد… كل مشهد….
زي مايكون الأخير…
واشبعوا ساعة الوداع ….
واحضنوا الحاجه بـضمير….
دا اللي فاضل مش كتير ….
اللي فاضل….
مش كتير
مصطفى إبراهيم
لوحة محاورة
مزحة
أعطيت قلبى لكل شىء
ما جنيتُ
غير حياة رفيعة
ووحدة متأرجحة
كثمرة متراخية
تكفى لوقوعها
مزحة بالكاد
أو يوما لعيناً
خاليا من الخجل
…..
خيانة
الورد الذى أهديتنى
عابثنى
لمّا فاتك الانتباه
إلى جسارة الورد
…..
سوء تفاهم
مغسولة من الأسرار
دخلت اتساع
الليل
أنت لا تفهم كلماتى
كأنما
أضع دبوس شعر
فى فمى!.
عناية جابر
لوحة المبروك
اشهد يارب ع اللى شالوا عينيا من وشى
واشهد على دراعى وهو بيترفع فى الصمت
واشهد على راجل فقير بيغنى فى الضلمة وصوته ملكه
وتحت الشمس عامل روحه شمسيه
بيسقى جوز البط بحفانه
واشهد يارب
على روحى لما دخلت لجسم عيل مريض
وسلمت على قلبه
واكتبنى عندك من صنوف الشجر
وخلى طرحى يبقى حلو فى بق مليان بالمرارة
واغمرنى بالنور لحد ما ادوب زى حتة تلج تسرح فى بحر قديم وميته تدعى لى
يارب خلى الضلمة قناديلى وخلى ورق الشجر فى الصحرا يناديلى
مستنى ندهه واطير .. زى طير من نور
مسعود شومان
حواء فى ضوء القمر
يوم من يناير
حررنا سقف الأوضة
من فوضى اللمض
وولعنا الشموع
قالت غمض عينيك واتمنى اللى نفسك فيه
حسيت ساعتها
إن الأمل
ملجأ عنيد للمهزومين
واللحظة
مش عارفه تبيّت فين
رديت فى سرى :
(دايما .. وانا مغمض
شايف قوارب نجاة فى وقت الضيق )
قالت : فتح عنيك
فتحت
لطشنى نور الكهربا ومالقيتهاش
فنفخت فى الأيام بابتسامة ذنب بيكمل طريق .
مدحت منير
لوحة رجل وامرأ
شىء يظهر فجأة بين أسنانك ويظل هناك لساعات ،أنقله بعينى إلى وضع آخر ثم أعيده إلى مكانه القديم ،أداعبه وحدى دون أن تعرفى شيئا عن الأمر،أنزعه من مكانه وألقى به بعيدا وأعيده مرة أخرى ،أنت فى موضعك وأنا أذهب بك فى رحلات لا تنقطع نذهب فيها معا وأعود وحدى
أحمد يمانى
لوحة الأخوة
صحابك
اللى ضحكوا ف ألبوم الصور القديمة
أديك أهو
حتطلعهم من قلبك واحد ورا التانى
بنفس الهدوم اللى كانت عليهم
بنفس السهر للصبح
ف الشوارع
بنفس الأغانى القديمة
ونفس الحماس والحنان والمحبة
من غير ما تحايل دموعك
عشان ما تجريش وراهم
عبده المصرى
لوحة من الداخل
انا مش زعلان من حد
انا مش زعلان على حد
انا بس اختارت البعد
علشان كان اريح لي
عديت بما فاق الحد
عديت وتعبت أعد
آسف مش قادر أرد
لو تسمح اسمح لي
أرجع لسكاتي واروح
رديت بطلوع الروح
علشان مبقاش مسموح
احكي عن أوجاعي
مبقاش ف القلب مكان
ينفع لجرام احزان
ولا ح ينسي النسيان
يبقى خلاص ايه الداعي ؟!
احسن لنا خليني ساكت
ماتصحيش فيا حاجات ماتت
وجراح دبلتها ونسيتها
ايام عدت على قلبي سنين
ف الم وندم ودموع وحنين
وحاجات ولا يمكن تتعدى ..وانا عديتها
وان كان ع البعد ف كده احسن
مبقاش في عتاب ينفع أصلًا
وحاولت كتير وكتير مليت
انا عايش من شِدة ل شِدة
واتعود قلبي على الوحدة
لو كان النسيان بإديا ..أنا كنت نسيت
منتصر حجازى
لوحة قراءة الطالع
سألت البخت جاي إمتى
قالولي بكره تتعدِّل
و فات بكره ورا بكره
و لسه الحلم متأجل
و لسه عيوننا سهرانة
بتستنى اللي راح و مجاش
و لسه قلوبنا بتدارِي
تحس الآه و متقولهاش
ولسه كل ما نقرَّب
وشوش حوالينا تتبدِّل
و نبدأ تاني م الأول
يجوز من بكره تتعدِّل