التنوير مش خناقة مع ربنا، وكل التجارب التنويرية -لا مؤاخذة- التي دخلت في خصومة مع السماء وحاولت هدم معتقدات الشباب باءت بكل فشل ولم نحصد منها إلا مزيدًا من الظلامية والعياذ بالله، لو عايز تنوير حقيقي رجّع للمصريين أفلامهم القديمة المسروقة علنًا وفي وضح النهار وكل الشهود أحياء، رجّع للناس تراثهم السينمائي اللي اتربوا عليه، واللي كان مراية لصورة مصر في ثقافتها وتديُّنها وشوارعها وأزيائها ومبانيها ومجتمعها الراقي والشعبي، حكايات شعب تعب عشان يربي عياله ويدخلهم مدارس وجامعات وفضل يقاوم الاحتلال والشر والظلم لحد ما صنع بلد كبيرة، كل ده هتلاقيه في الأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ.. سهلة خالص.
عشان تعمل تنوير مش مؤتمرات ومَكْلَمات مجانية وندوات في المجلس الأعلى للثقافة، ارجع تاني اتحكّم في ثروتك الناعمة واسمح بعرضها في تليفزيوناتك وسينماتك ومراكز شبابك وقصور ثقافتك المتوزعة في أقاليم مصر، ومش هاحكي عن جماليات وثقافة الأبيض والأسود، لأنها محفورة في وجدان العواجيز اللي زينا، الصورة دي اتسرقت واتبدلت واتشوهت واتمزعت ألف حتة، وأجيال كتير ما شافتهاش، وشافت الصورة اللي اتحطت مكانها صورة الشيخ أبو دقن وزبيبة، واللي بيدفعوا له ملايين عشان يقول مصر بلد الدعارة والكباريهات والمسارح والضلال، والفن حرام وعيب والبنت عورة والنساء جهنم والغناء رصاص
مصبوب في الأذن! كل ده تم خلال سنين طويلة من عصر السادات اللي سرّح الأصوليين في الشوارع للتحريم والتحليل وبيع السواك والحجاب والمسك والخمار ولبن الحمير، لغاية التسعينيات، وكانت مصر خلال العشرين سنة دول بقت محجبة الرأس والعقل، لا وجود لمفكرين ولا أدباء ولا مفكرين ولا علماء… اللي يقرب من الدين نسيّح دمه.. وحتى الفنانات راحوا طوابير للشيخ الشعراوي، ولم تجد شمس البارودي تكفيرًا عن حمام الملاطيلي إلا النقاب! ولو كان فيه تريند أيامها كانت ركبته بكل أريحية، وراحت أيام وظهرت أموال الخليج في الإعلام وتنافس أباطرة المال، وأقسم أحدهم أن يجعل اللهجة الخليجية بديلًا للعامية المصرية
التي سيطرت على أجيالهم وأحفاد أجيالهم! واعتبرها معركة غير معلنة، واحتكر أصوات المطربين المصريين المؤثرين، ثم دخل على السينما، وتزوجت الممثلة المصرية إسعاد يونس من أحد هؤلاء المليارديرات والأباطرة الكبار، وأسَّس لها شركة للإنتاج السينمائي ركَّعت -بالمعنى الحرفي- كل منتجي السينما في مصر، شركة شركة، ومعظمهم أو تسعة وتسعين في
المية منهم عايش ويقدر يحكي تفاصيل مرعبة عن سيطرة إسعاد يونس على سوق السينما في مصر من أول دور العرض لغاية الريجيسيرات، ومن غير مبالغة، وبتوع السينما عايشين واسألهم عن تركيع إسعاد وشركتها السينمائيين المصريين.
ونامت الدنيا تاني وتالت وعاشر وعرضت روتانا أفلامنا المصرية زي ما هي عايزة، وما بقاش للتليفزيون المصري غير كام فيلم يحق ليه عرضهم.. واترفعت مئات القضايا وبعضها لسه قدام المحاكم لغاية دلوقتي! وآدينا وصلنا مع حضرتك إلى عصر صاحبة السعادة، وأديك شايف النجومية اللي تخلي كلام زي اللي بقوله يبقى مجرد حقد على نجمة عظيمة دخلت كل قصر وكل فيلا وكل كومباوند في مصر ورجعت زمن عصير القصب وطبق الفول المدمس.. مين بقى هيبوظ صورة النجمة المرسومة في دماغه ويصدق كلام زي ده عن الست الجميلة الناعمة الطيبة الكريمة!
عمومًا.. إيدك معانا يمكن نقدر نعمل رأي عام، ويمكن نقدر نعرض الأفلام دي على قنواتنا ونسمح بعرض بعضها في دور السينما وستكون تجربة غاية في الأهمية، ولك أن تتخيل أن تعلن سينمات مصر عن عرض الأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ..
أو إحسان عبد القدوس .. وشوف إقبال الجماهير على حضور “اللص والكلاب” أو “ميرامار” أو “السراب” أو “بداية ونهاية” أو “قصر الشوق” أو “السمان والخريف”.. و”أبي فوق الشجرة” و”النظارة السوداء”، وعشرات التحف الفنية المصرية، عودة حق الدولة المصرية في تراثها العريض، والمهم جزء من إعادة بناء الجمهورية الجديدة وترتيب العقل المصري بعد أن تم تهجينه بالإعلام والدق على الرؤوس، يمكن ساعتها بقى نعرف قيمة تراثنا الثقافي الكبير جدًّا.
الله علي الكتابة الحلوة…. الصور كمان بتتكلم.. اختيار رااااااائع