يعنى أنت برنس فى نفسك ، عارف علاقتك مع ربك تمشى إزاى ، بتصلى وتصوم وتزكى وتحج إن كنت قادر ،لكن ده لا يعنى أنك عبد خالص مخلص لخالق السموات والأرض ، تحتاج روحا غير تلك التى تسير بها وسط الخلق ، نفساً عميقا يصل آهاتك ووجعك الأرضى بطرف السماوات ورافعها سبحانه تجلت قدرته فى البكاء وفى رائحة الزهور وفى شمس الصباح وغسق المغيب وضحك الأطفال وشقاء البسطاء ولوعة الفقد وشجن الفراق ،دورة الحياة وفناء الأجساد وخلود الروح الطيبة فى جوف الناس بالرحمة والمغفرة ، الفزع من أذى الناس فى أرزاقهم وحياتهم ،والهلع من ندالة البشر ووضاعتهم فى الحسد والحقد والغل،كل هذه المشاعر والأحاسيس ليست حكراً على شخص واحد ولا حتى على دين واحد ،وقدم الفيلسوف والمترجم المصرى الكبير عبد الرحمن بدوى كتابا عن الوجودية والإسلام ربط فيه بين مفهوم معنى التصوف والزهد وبين الوجودية كفلسفة تضعك فى مواجهة اختياراتك لتكون مسؤلاً عن عواقبها ، كل إنسان يمتلك مدونة السلوك الإنسانى يكون متصوفا إن كان المعنى هو ما نقصده بعيداً عن المدلول اللغوى المحدد لكلمة ( تصوف) التى لها أكثر من تفسير ورأى ،فهناك من يقول أن كلمة “التصوف” مأخوذة من كلمة “صوفيا” اليونانية، ومعناها: الحكمة، وهناك من يقول ان الكلمة منسوبة إلي لبس الصوف الخشن الذى تعود الصوفية لبسه منذ القدم، وهناك من يقول هي نسبة إلي قبيلة “صوفة” التى كانت منقطعة لخدمة الكعبة، وهناك من يقول: إن الكلمة نسبة إلي “الصفة” وهي مكان بآخر مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وهناك من يقول: إن الكلمة نسبة إلي الصفاء والمصافاة،وهناك من يقول غير ذلك من الآراء والتفاسير، لكن البراح الذى يجعل العبد حراً فى علاقته مع فاطر السموات والأرض يكتمل أحيانا بترديد كلمة (تصوف ، وزهد ، وقناعة ، وخشوع ، ورهبة ومهابة ) فهما كان القول والرأى فإن علماء الأخلاق والتهذيب الروحي، يقولون: إن حقيقة التصوف الكاملة الفاضلة هى مرتبة “الاحسان، التى يفسرها الرسول عليه الصلاة والسلام فى حديثه “.. أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.
وتتسع مملكة التصوف لتشمل الأصفياء من البشر الباحثين عن مكان أفضل يجعلهم أقرب إلى السماء وبعيداً عن ثرثرة الهوام ، مملكة ملكها الوحيد هو رب العرش العظيم ،وقد يخاصمها الجهلاء الذين ظنوا بالصوفية ظن السوء،وقد يسخر منها المتثاقفون ،لكن مملكة التصوف الإسلامى تبقى مملكة الفضيلة بعيداً عن التصنع ، والرياء، وذلك يقتضى أن يكون الإنسان مسلما حقا، وأن يكون مؤمنا صدقا، ويحسن الجمع بين اسلامه وايمانه، ويزينهما باحسانه واتقانه، عن طريق المراقبة لله، والمحاسبة للنفس، قبل أن يصير الحساب إلى غيرها، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا”.
التصوف ليس همهمات ولا تمتمات، كما يقول الشيخ الأزهرى الكبير أحمد الشرباصى رحمه الله ،وليس خروجا علي شريعة الله فى قليل أو كثير، فالتصوف الصحيح أساسه التقيد بالقرآن والسنة، والخضوع لأوامر الله وأحكامه، وكل من خرج علي حكم الله وأمره، فدعواه أنه متصوف دعوى باطلة لايقرها شرع ولا عقل.
والتصوف ليس بالمظهر والأشكال، ولا بلبس المرقعات أو تعليق المسابح، بل هو أن يعمر الإنسان صدره بالصلة بالله، والخوف منه، والرجاء فيه: “ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لايحتسب، ومن يتوكل علي الله فهو حسبه، ان الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شئ قدراً”.