السؤال مخجل فى بلد علّم العالم فنون العمارة والحضارة، لكنه سؤال خطير رغم مرارته وطرحه الناقد والكاتب سمير غريب منذ عشر سنوات وأعاد طرحه مؤخراً فى كتابه البديع المهم ( معارك العمران)، وسنعود للسؤال وردود الفعل التى أحدثها بعد أن استعرض معكم جانبا مما جرى فى قرية حسن فتحى بالبر الغربى حسب شهادة سمير غريب الذى لم يكتف بالمشاهدة ليحكى لكنه يقدم معلومات تفصيلية وموثقة باليوم والتاريخ عن مخطط تدمير الأقصر الذى بدأ من 2004 مع مشروع تطوير الأقصر والبر الغربى، ويروى كيف كانت سطوة رجال الأعمال أقوى من القوانين بل ومنه هو شخصيا باعتباره كان رئيسا للجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى الفترة من 2004 ـ 2014، ويقول إنه استمر فى حملته ضد ما يحدث فى الأقصر ستة أسابيع نشر خلالها خمسة مقالات بصحيفة الأخبار وتم منع نشر المقال ـيقول سميرـ إن أهل الأقصر الغيورين على بلدهم ساعدوه فى حملته وكذلك الدكتورة شهيرة محرز عاشقة الأقصر التى قامت بتصوير وتوثيق ما جرى حول معبد الكرنك وشارع المحطة بالقرنة، وقام هو بصفته بعرض هذا الملف المصور على اللجنة الوزارية المكلفة بتطوير وتنمية الأقصر، وقررت اللجنة بالفعل منع أى مشروع للتطوير فى هذه المدينة تحديداً إلا بموافقة اليونسكو والجهاز القومى للتنسيق الحضارى والمجلس الأعلى للأقصر، ومع ذلك ـ يقول سمير ـ لم يتم الالتزام بقرارات تلك اللجنة التى كان من ضمنها وضع مخطط شامل لتطوير قرية حسن فتحى بالبر الغربى وتسجيل مبانيها وتحويلها إلى محمية تراثية، ولم ينفذ من ذلك شىء حتى بعد حملات المثقفين وجمعية أصدقاء حسن فتحى بسويسرا! وكذلك وضع الجهاز تصميما لتطوير واجهة مستشفى الأقصر العام فى عهد حاتم الجبلى وبعد فترة قصيرة كان هناك تصميم آخر، أما قرية المريس وما جرى فيها فيفرد له سمير غريب صفحات مطولة عن بطولة أهالى المنطقة فى الوقوف ضد مشروع تطوير قريتهم .
أما معارك القاهرة فيرصد سمير غريب جانبا مما جرى فى أبراج القلعة وكيف نجح محمد نصير فى تجنيد كبار المسئولين ، كما يحكى ما حدث بعد تفكيك كوبرى أبو العلا.
الكتاب مثير للشجن والآسى ، ومثير للتساؤلات المريبة أيضا عن دور فاروق حسنى وطبيعة العلاقة مع سمير غريب الذى كان يلقب كثيراً بأنه ظل فاروق حسنى!، كيف كانت تسير تلك المعارك بين الصحفى الذى تنقل فى مناصب وزارة الثقافة جميعها حتى وصل إلى جهاز التنسيق الحضارى، وبين الوزير ؟!، يحكى سمير جانبا كبيراً من ألغاز العلاقة وكيف تم تجميده فترة طويلة، وكيف أقاله فاروق حسنى ثم أعاده ، وبشكل عام فإن الكتاب يعتبر كشف حساب، ويعترف الكاتب بذلك فى الفصل الأول فهى شهادته الشخصية الموثقة على ما جرى فى العمران خلال وجوده فى منصبه، أما بعيداً عن منصبه فقد خاض معركة السؤال الذى طرحناه فى البداية عن السر وراء غياب مصر عالميا فى مجال العمارة ، وكان السؤال ضمن حملة حاول من خلالها سمير غريب فتح قنوات اتصال بالمعماريين واستفزاهم بسؤال صحفى يدفعهم إلى الحديث والرد والانفعال أحيانا ، وتلقى سمير غريب رودا متعددة من معماريين مصريين كبار طرحوا أسبابا متعددة لعدم وصولنا المعمارى إلى العالمية بما يتناسب من حجم حضارتنا، لكن الردود فى معظمها كانت تدور حول ضرورة إسناد الأعمال الكبرى داخل مصر لمعماريين مصريين وليس استيراد معماريين، ولاشك أن المجال مازال مفتوحا ليتلقى سمير غريب ردود المعماريين بعد مرور عشر سنوات على إثارة القضية ليبقى السؤال: لماذا لم نصل إلى العالمية رغم حجم ما لدينا من خبراء ومواهب كبيرة؟!