قد يبدو العنوان مثيرا ومشوقا ويشير إلى أن المهندس نجيب ساويرس حصل على بعض هذه اللوحات بطريقة غير مشروعة لا سمح الله !،وهذا غير حقيقى، لكن الوصول إلى ذلك لم يكن سهلا بالمرة ، والحكاية بدأت من كتاب غاية فى الأهمية صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب منذ أربع سنوات واختفى من الهيئة وفروعها بعد ذلك ربما لنفاذ المطبوع! ،الكتاب الذى قدّم له د. عبد الغفار شديد عنوانه (خبيئة بيكار) للكاتبة إيناس الهندى المدرس بكلية الفنون الجميلة والتى بذلت جهداً خرافيا فى بحثها عن حقيقة الخبيئة وما جرى لها،ففى 1969 طلب وزير الثقافة ثروت عكاشة من الفنانين والرسامين زيارة النوبة ومشاهدة ما يحدث هناك بعد موافقة اليونسكو على عملية إنقاذ معبد أبى سنبل ونقله ،وكان الفنان حسين بيكار على رأسهم بترشيح من الفنان
الكبير حسن فؤاد،وذهب بيكار فوقع فى غرام النوبة أولا،ثم رسم أكثر من 80 لوحة فى عامين متواصلين تخيل فيها شكل المعبد منذ عرض المهندسون الفراعنة تصميماتهم على رمسيس الثانى وزوجته نفرتارى ،كما تخيل بيكار الحفل الملكى الذى سيحدد مكان وتوقيت بناء المعبد وتعامد الشمس ودخولها يوم مولد الملك ويوم تتويجه ، ويقول صلاح بيصار إن اللوحات جاءت بعد دراسة ورسوم مئات الاسكتشات ،وكانت حدثا فنيا كبيرا دفع المخرج الكندى (جون فينى ) إلى اقتراح تحويل الرسومات والاسكتشات إلى فيلم بعنوان (العجيبة الثامنة ) وتحمست وزارة الثقافة المصرية لأن تلك هى الطريقة الأمثل لتوصيل فكرة بناء السد العالى كحدث القرن العشرين بالإضافة إلى توثيق عملية إنقاذ المعبد بالصوت والصورة، ولم يكن المخرج الكندى (جون فينى)غريبا على وزير الثقافة ثروت عكاشة فهو المخرج الذى اختاره الوزير قبل ذلك لفيلم ينابيع الشمس الذى يحكى رحلة نهر النيل من المنبع إلى المصب ، ومع حماس الجميع استقر الرأى على أن يقوم المخرج بوضع السيناريو بمساعدة الفنان حسن فؤاد ،وتم اختيار معزوفة موسيقية إيطالية مستوحاه من همهمات فرعونية عزفها بيكار بنفسه على الطنبور، وتم إنجاز الفيلم بالفعل ،وكانت رسومات بيكار هى الديكور التوضيحى لمراحل إعادة بناء المعبد ،وعرض فى مصر وإيطاليا وألمانيا .
ودارت السنوات واختفى الفيلم واختفت اللوحات وأصبح كل ذلك مجرد ذكريات يكتبها الذين عاصروا الحدث ، أما نحن الذين ولدنا فى هذا التاريخ وما بعده، فلم يصلنا سوى صور لبعض هذه اللوحات تتكرر فى المجلات والصحف، أما اللوحات الأصلية والتى وصل عددها إلى أكثر من 80 بخلاف الاستكشات ،وكذلك الفيلم الذى انتجته وزارة الثقافة المصرية فلا نعرف عنهما شيئا !.
من الأردن إلى الجونة
الكاتبة إيناس الهندى استطاعت الوصول إلى نسخة الفيلم الإنجليزية ،كان المهندس كريم علاء قد نجح فى الحصول عليها من نيوزلاندا مسقط رأس المخرج الكندى جون فينى ، والنسخة عبارة عن شرائح فيلمية (سلايدز) ومن خلاله قدمت الدكتورة إيناس تحليلا عظيما للوحات ، وفتحت ملفاً شائكا وغائما نظرا لندرة المعلومات بل وإنعدامها تقريبا فيما يخص مصير اللوحات والفيلم ،وكأنه سر حربى أو جريمة يتم اخفاء ملامحها جيلا بعد جيل ، المهم أن الكتاب فتح شهينى للبحث عن أى معلومة تخص العجيبة الثامنة ،وبدأتُ البحث من الكنز الذى عثر عليه الشاعر والكاتب الصحفى وائل السمرى فى إطار حملته التى أطلقها تحت عنوان (لن يضيع ) استكمالاً لمشروع ضخم بدأه الدكتور عماد أبو غازى، وعثر( السمرى) على كنوز من صور ومقتنيات لبيكار ،لكنه لم يعثر
على معلومات عن الخبيئة !،وبعد جهد جهيد وسط ملفات بيكار المتعددة عثرت على نصف معلومة تقول إن المهندس نجيب ساويرس يعرض عدداً من هذه اللوحات فى متحف خاص وكانت الكاتبة والناقدة عبلة الروينى صاحبة هذه المعلومة،إذ لم يتح للعبد لله السفر إلى الجونة ومشاهدة المتحف ومعرفة عدد اللوحات التى يعرضها نجيب ساويرس ، لكن النصف الثانى والأهم من المعلومة كان محشورا بين سطور للكاتبة نعم الباز فى عدد خاص وممتع عن بيكار أعدته مجلة الهلال (يناير 2008 ) وهى
الفترة الذهبية التى قادها مجدى الدقاق فى المجلة العريقة ،وعندما نذكر اسم نعم الباز لابد وأن نعرف أنها الأقرب إلى عقل وقلب وفن بيكار الذى رسم لها أشهر بورتريه كانت تتخذه مصاحبا لكل مقالاتها ،تقول نعم البازتحت عنوان( سيمفونية ابى سمبل) إن بيكار أمضى عامين متواصلين فى رسم أبو سنبل وحكايته كما نجح فى تخليد لحظات نقل المعبد ب 80 لوحة وتحولت ـ كما تقول نعم الباز ـ الى فيلم شاهدناه عام 1973 وضاع،لكن اللوحات اقام لها المهندس نجيب ساويرس متحفا خاصا فى قرية الجونة بعد أن شاهدها بالأردن حيث اقتناها أحد الأردنيين فاشتراها وأقام لها متحفا خاصا..)
وهذا هو الجزء الأهم فى المعلومة التى تستوجب سؤالاً عن هذا الشخص الأردنى الذى امتلك تلك الثروة قبل أن تقع عليها عين المهندس نجيب ساويرس فيشترى منها عددااُ قيل أنه أكثر من خمسين لوحة ، فكيف خرج بها هذا الأردنى ولماذا انتظرت وزارة الثقافة على مدار عهود حتى تحدث تلك المصادفة التى أعادت إلى مصر مجموعة من هذه اللوحات بفضل رجل أعمال مصرى وضع أسفل (مصرى) ألف خط إن شئت ، المهم أن الكاتبة (نعم الباز ) لم تذكر تلك المعلومة فقط ،لكنها صرحت بمعلومة أكثر أهمية حيث قالت بحكم علاقتها من بيكار وأصدقائه ـ إن أكثر مقتنيات بيكار فى الإسكندرية لدى حسن سالم والمهندس تاج الدين وليتهما ـ تقول نعم الباز فى 2008 ـ يتفقان ويقيما متحفا لها فى مسقط راسه ).
وإلى هنا ،انتهت المعلومات المتاحة والتى تستوجب من كل مهتم بميراث بيكار وخبيئة بيكار أن يبحث معنا أو يستكمل ويصحح ما ورد من معلومات .
نعم الباز بريشة بيكار