الموضوع لا يحتمل التهريج ، هكذا قلت وأنا اضرب جبهتى بيدى ،ولابد من وقفة حاسمة مع النفس ،فلم يعد هناك متسع من الوقت، فقد قطف الزمن عاماً من عمرى وسلمنى تسليما إلى عام آخر ، وبما إن الخمسين على الأبواب فلابد من وقفة صريحة وواضحة وعنيفة مع النفس كى أرجعها وأنظمها وأعيد ترتيب أولوياتها لابد من تجديد الحياة بأشخاص آخرين يصونون العشرة ويحافظون على الأسرار ،ربما لا أتورط من جديد فى علاقات مع بشر مثل أولئك الذين خدعونى وهبشوا يدى التى مددتها إليهم ، ربما أنجح فى اختيار صديق أو صديقة ، قواعد الاستيقاظ من النوم والخلود إلى السرير تحتاج تغييراً ،طقوسى المعتادة فى الأكل والشرب والكتابة والقراءة ليست على ما يرام ، وتدفقت الأفكار الجديدة وهيأت نفسى كى أواجه “نفسى” وأعنفها وأصحح أخطاءها ، وأسلمتُ جسدى للكنبة منتظراً النفس أن تأتى ، وعندما تأخرتْ كانت أفكارى قد صعدت إلى السقف تحملق فيه ! فضغطت على زرار الريموت وفتحت الشاشة على مشهد من فيلم “حبيبى دائما ” والأستاذ نور الشريف فى شبابه يحتضن الجميلة بوسى بعد أن عرف بخطورها مرضها وراح يعدها بأيام حلوة جاية وأحلام وردية قادمة وليال هانئة فى شاليه على البحر ،وبينما يختنق بالدموع قالت له بوسى : الموت مش هياخدنى منك يا إبراهيم .
يا أدى العذاب ياربى! ، هى ناقصة بؤس ، وضغطت على نفس الزر ، وتركت الكنبة إلى المكتب والحوار بين نور وبوسى يزن فى رأسى ، من صاحب هذا الحوار الرومانتيكى يارب العالمين؟ ، ما أعرفه أن السيناريو للراحل وفيق الصبان ،ولأننى لا أثق فى معلومات “جوجول ” فقد غرقتُ فى المكتبة حتى عثرت على كنز كان مدفوناً وسط الكتب رغم ضخامته إنه كتاب ” مبدعات تليفزيونيات ” للناقدة ماجدة موريس الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة ،واكتشفت مفاجأة لم تخطر على بالى فصاحبة الحوار هى الأستاذة “كوثر هيكل “التى كتبت السيناريو والحوار البديع لفيلم “أمبراطورية ميم”، وصاحبة مجموعات سيناريوهات غاية فى الأهمية” العذراء والشعر الأبيض، دمى ودموعى وابتسامتى” عن أعمال
لإحسان عبد القدوس ، وفيلم “على ورق سوليفان ” عن قصة ليوسف إدريس ، بالإضافة إلى عشرات الأعمال الدرامية التليفزيونية ثم العودة عام 2010 مجددا إلى السينما بفيلم ” العاشقان ” فى أول تجربة إخراجية للراحل نور الشريف الذى شارك بوسى البطولة فى عودة أو حنين إلى عام 1979 حين اشترك الثلاثة فى تقديم ” حبيبى دائما ” .
ولم تتوقف مفاجآت ماجدة موريس فى كتابها الذى خصصته للحديث عن جيل الستينات من مبدعات مصر فى مجال الكتابة والإخراج الدرامى والتسجيلى والرسوم المتحركة ، وتحكى ماجدة فى مقدمة الكتاب عن العصر الذهبى للتليفزيون المصرى وكيف كان قلعة ومنارة عظيمة لها قواعدها ، وتتوقف طويلاً أمام مبدعات الكتابة التليفزيونية “كوثر هيكل ، وفيه خيرى ،فتحية العسال ” ،وفى مجال الإخراج ترصد تجربة “مجيدة نجم ،وعلية ياسين ،وشويكار زكريا ،وعلوية زكى التى قدمت مسلسل ” عبد الله النديم “عن رواية أبو المعاطى أبو النجا “العودة للمنفى ” ، واللسان الُمر عن قصة عبد الوهاب الأسوانى ، ونهاية العالم ليست غدا عن قصة وسيناريو يسرى الجندى ،إلى جانب إخراج عدد من الأفلام التليفزيونية منها “القانون لا يعرف عائشة” عن قصة نادية رشاد، وتأخذنا ماجدة موريس إلى مخرجات الأفلام التسجيلية ” سعدية غنيم ، شويكار خليفة ، سميحة الغنيمى وفريدة عرمان التى قدمت ثروة عظيمة من الأفلام الوثائقية عن النيل والمحميات الطبيعية والثروات السمكية والفنية فى مصر ولا أحد يعرف مصيرها حاليا ،أما شويكار خليفة التى اختارت إخراج أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة ونجحت قبل سيطرة التكنولوجيا فى إخراج فوازير رمضان مع فهمى عبد الحميد من (1977 ـ 1990) ومسلسل ألف ليلة وليلة مع نفس المخرج (1984 ـ 1990) فتحتاج إلى وقفة طويلة بعد أن فتحت ماجدة موريس صفحات رائعة من كفاحها وجهودها حتى تدخل عالم الرسوم المتحركة وتحقق فيه كل هذا النجاح رغم فقر الإمكانيات ،والكتاب فى مجمله وترتيب فصوله وتوفير المعلومات عن كل هؤلاء المبدعات يحتاج وقفة ربما تغنى تماماً عن الوقفة مع النفس واستدعاء الذكريات المؤلمة ، فهذا البلد العظيم قدم مبدعات يحق لنا الفخر بهن وبجهودهن فى الفن والحياة ، ومازال قادراً على ذلك لو تحررت العقول وتخلصت الفتيات المصريات من أوصياء الدين والعفة والشرف الذين أضاعونا على مدى ثلاثين عاماً أويزيد.. وعدت يا يوم مولدى وفى يدى أول كتاب غير موجود بمكتبة الصديق محمد الباز الذى كان يسألنى الأسبوع الماضى غياب الكتابات عن عن الدراما التليفزيونية .