النص الكامل لمشروع الدكتور سيد كريم
أخناتون.. الحج السياحي
بقلم – سيد كريم
أهم مايهدف إليه التخطيط السياحي هو إنشاء مناطق سياحية جديدة، وفتح مجالات سياحية جديدة أو مايطلق عليه تصنيع السياحي بواسطة استغلال الامكانيات والتخصصات المميزة، واستخدام الخامات والعناصر السياحية الكامنة..
فالسياحة الدينية، وهي ناحية من نواحي التخصص في التخطيط السياحي العام، تسير متوازية مع نواحي التخصص الأخري كالسياحة العلاجية والسياحة الثقافية والسياحة الترفيهية والسياحة الرياضية ألخ فبرامج السياحة ذات الطابع الديني تجذب ملايين السياح من مختلف الجنسيات والأديان، خاصة إذا خططت تخطيطا سليما.
مجلسك مع القديسين والأبرار..
إن نور بهائه يخطف الأبصار، ولكنك يامسكين ضيعت كل شئ، فلا مفر أن يهجرك ملاكك الطيب وهذا الجحيم يغفر فاه لاستقبالك، ويظهر أمام الجمهورمنظر الجحيم (وكانت فوهة الجحيم أحدي قطع الاكسسوار الأساسية في المسرح الاليزابيثي) ويدخل ملاك الشر ليصف لنا آلام أهل النار.. وينذر البطل بما سيلقاه فيها من عذاب.
وتدق الساعة الحادية عشرة، ويصرخ فاوستوس فليس أمامه إلا ساعة زمن:
قفي مكانك أيتها الأفلاك، وليمسك الزمن حتي لا ينتصف الليل، أيتها الشمس ياعين الطبيعة اشرقي، أشرقي ثانية وليدم النهار إلي الأبد..
ليت الساعة تطول عاما، شهرا أو حتي يوما واحدا حتي تدرك فاومستوس التوبة..
تمهلي ياجياد الليل الجامحة، ولكن النجوم تمضي في سيرها والزمن يجري والساعة تدق..
إن عذاب فاومستوس في ساعته الأخيرة خير نهاية لهذه المأساة الفذة، ويبلغ شعر مارلو فيها أعلي مراتبه الدرامية، فالبطل يقف وحيدا فزعا، يبغي الفرار ولكن أين المفر؟ هل يقفز إلي السماء لتتلقفه رحمة الالهة، ولكن الشيطان يثقل أطرافه ويسخن قلبه بالجراح كما ذكر اسم الله..
أين يختفي؟.. انه يهيب بالجبال أن تخفيه من غضب الله، ولكن الجبال لاتستجيب… ويدعو الأرض أن تنشق وتبتلعه ولكن الأرض تلفظه فهو ملعون لايجد لجسده مكانا في كون الله.
وعندما يسمع دقات الساعة تؤذن أن لم يبق أمامه إلا نصف ساعة، يدعو الله أخيرا أن يترفق به ويجعل لعذابه نهاية ولو قضي في الجحيم ألف عام.
انه يلعن أبويه يوم انجباه، ويلعن نفسه، ويلعن الشيطان الذي أغواه، ويدوي الرعد ويبرق البرق عندما تؤذن الساعة بانتصاف الليل، ويصبح فاومستوس: يانفسي اذهبي بخارا، وتوزعي في أعماق المحيط..
ولكن الشياطين تدخل عليه وتحمله إلي الجحيم، وهو يصرخ فزعا ومعاناة ويلقي الكورس نشيد الختام:
تأملوا سقطة هذا الشيطان، وليتخذ العقلاء من مصيره عبرة:
ويا عجبا لهذه المحرمات يغري عمقها العقول الجامحة فتخرج عما رسمه الله لنا من حدود.. فيارب حسن الختام..
كانت مأساة دكتور فاومستوس أجرا تصوير للشياطين علي المسرح، وكانت مأساة كاملة تهز مشاعر المتفرجين وتلقي في نفوسهم بمشاعر الرعب والشفقة علي مصير هذا الإنسان الذي تطاول علي قدرج الخالق.
وقد استعان مارلو فيها بالتقليد الموروث من الشياطين علي المسرح الانجليزي، علي أن أهم ماتضيفه هذه المأساة إلي تراث المسرح الانجليزي أن أخرجت للناس نمطا جديدا للبطل المأسوي، أن مارلو صاغ بطله علي صورة ابليس كما وردت في الكتب السماوية، وليس علي صورة أوديب أو غيره من أبطال مأساة الثائر الرومانية.
ان بطل ماساة مارلو، علي شاكلة لوسيفر – أي ابليس، يبدأ لامعا براقا، فيه كل امكانيات الخير، ثم ينتابه الغرور والتطاول علي ما رسم له ونغيره من حدود، ويدفعه طموح جامح لا يكبح، فتكون سقطته سقطة ابليس، وقد يمتد به الأجل فسحة من العمر ولكن ماله في النهاية جهنم وبئس المصير.
ان مصر منبع الفلسفات ومهبط العقائد منذ فجر المدنيات، والتي قام بزيارتهاو لجأ إليها كثير من الرسل والأنبياء من ابراهيم أبي الأنبياء عليه السلام إلي يعقوب ويوسف وموسي وعيسي عليهم السلام، كما أوت الكثير من رجال الدين والقديسين من مختلف الأديان والبلاد لنشر رسالاتهم وعقائدهم أو الحفاظ عليها.
وكانت مصر منذ اقدم العصور قبلة الحجاج الذين يقصدونها من مختلف انحاء العالم، ومازالت مزار كثير من الوقود والأفواج التي تأتي كل عام، بغير تخطيط أو برنامج سياسي منظم
فمصر تمتلك ثروة لامثيل لها في أي بلد سياحي اخر بما يتوفر لها من امكانيات ضخمة تتمثل في دورات سياستها الدينية وما يرتبط بها من اماكن ذات طابع ديني تاريخي، إذا أحسن استغلالها لاصبحت موردا من أهم موارد السياحة في العالم، وعنصرا من أهم عناصر اقتصادياتها. ويمكن تلخيص أهم دورات السياحة الدينية العالية التي يمكن تحقيقها في التخطيط السياحي لمصر – فيما يلي:
دورة حج اخناتون:
من أقدم الدورات السياحية الدينية ذات الطابع العالمي..
مات اخناتون –أول من نادي بعقيدة التوحيد – سنة 1358ق. م بعد أن وضع سياسة دينية قويمة نحو الغاية السامية الصحيحة التي أرسل من أجلها الأنبياء والرسل، لقد سجلت أحدي برديات تل العمارنة رسالته في وصف الالة: وحدة لا شريك له وليس له ولد، ليس اله مصر فقط بل الخلق جميعا.. آله كل ارض يسطع نوره عليها.. اله كل من يستنير بنوره، وكل من يستظل بظله.
فكانت هجرته من الكرنك الي تل العمارنة حيث أقام مدينتة المقدسة أخت آتون (افق الاله) التي يتوسطها معبد اتون كعبة التوحيد، ولم يكد ينتهي من اقامة دعائمها حتي سعي إلي نشر دينه الجديد وعقيدة التوحيد خارج حدود مصر، فأمر ببناء مدينة “حم آتون” في النوبة، كما أنشأ مدينة أخري في سوريا، وثالثة في أسيا، كما أرسل الكثير من البعثات الدينية إلي الحبشة وفلسطين للدعوة إلي رسالته.
إن اراءه الفلسفية التي نادي بها من 3350 سنة تتفق مع الرسالات والتشاريع التي نادي بها كثير من الأنبياء والرسل الذين زاروا مصر أو التجاوا إليها ابتداء من سيدنا ابراهيم أبي الانبياء إلي يعقوب ويوسف وموسي وعيسي عليهم السلام. كذلك من لجأ إلي مصر وانتسب إلي معاهدها الدينية المشهورة من الفلاسفة والأوليء والقديسين.
ان عقيدة اخناتون الذي يطلق عليه في العالم الحديث اسم رسول الاخاء العالمي، يؤمن بها وينتسب إليها كثير من الطوائف الدينية في أمريكا وأوروبا وبعض البلاد الأسيوية، وتسمي جمعياتهم في أمريكا Rosecrucian.
ويبلغ عدد أعضائها مايزيد علي الستة ملايين عضو، لهم معابدهم وطقوسهم الدينية المستمدة من ديانة أخناتون، ويعتبر الحج إلي أرض مصر المقدسة من الشعائر الاساسية في أركان عقيدتهم، وتشاهد مصر في كل عام ورغم القيود السياحية، أفواجا منهم عند سفح الأهرام يطوفون حولها، ويقومون بصلواتهم التقليدية، حيث يعتبرون الأهرام المكان الذي هبطت عنده رسالة السماء إلي اخناتون.
وينتقل كثير منهم لزيارة الأماكن المقدسة التي هاجر إليها خناتون لنشر دعوته، ولا يقل عدد أعضاء تلك الجمعيات في أوروبا عن مليون عضو أكثرهم في ألمانيا وسويسرا والنمسا ويطلق عليهم اسم Rosenkran.
إن تلك الدورة السياحية وحدها اذا وضع لها تخطيط سياحي سليم، سوف تجتذب الوف السياح كل عام من جميع أنحاء العالم.
ان دورة سياحة الحج الديني والأماكن المقدسة التي تشملها رحلة اختاتون للسياحة الدينية، هي نفس رحلة الهجرة والحج التي قام بها اخناتون والتي سجلها علي لوحات تل العمارنة المشهورة وهي الرحلة التي قام بها من مدينة الكرنك حيث شيد معبده الأول (رج حور أختي) وهجرته المقدسة منها إلي تل العمارنة في سفينته المقدسة التي أطلق عليها اسم “شعلة اتون” التي لا تنطئ وتركها تسير في النيل وحدها يقودها التيار “يأمرالاله الواحد معطي الحياة الي أبد الآبدين”.
وسارت السفينة تتبعها قافلة من السفن تحمل رجال الدولة وكهنة الدين الجديد واتباعه من أهل طيبة ممن آمنوا بدين التوحيد الجديد، واستمرت الرحلة ستة أيام عرجت بعدها سفينته تجاه الشاطئ الشرقي لترسو عند المكان الذي حدده له الاله “أرض مقدسة” لم يدنسها بشر، وهي تل العمارنة التي شيد فيها مدينته المقدسة “أخت اتون” التي يبلغ طولها ستة أميال وعرضها ثلاثة أميال، بأربع لوحات كت علي كل منها “انه يعسن الصدق الذي احلف به، انها اللوحة الجنوبية الغربية التي حدد الاله موقعها، ولن اتخطاها إلي ابد الآبدين”.
كما سجل علي كل لوحة طول المسافة بينها وبين اللوحة المقابلة لها، كما ذكر في احدي البرديات القديمة “الا يدخل المدينة أو يعيش فيها إلا كل مؤمن بالاله أتون، ويهدر دم كل كافر يتخطي حدود ارضها الطاهرة”.
أما موقع المعبد المقدس فقد ذكرت الأساطير أن الالة اختاره بأن أنزل من السماء حجرا مقدسا وأمر اخناتون أن يبني المعبد حوله، وهو المعبد الذي اشرف اخناتون علي بنائه بنفسه، واستغرق بناؤه دورة كاملة للاله في الافق أي اثني عشر شهرا، وعند افتتاحه أقام به صلاته الأولي التي أم فيها المصلين وكان أول سجود وركوع في تاريخ الأديان.
وتم انشاء المدينة نفسها في سنتين.
وكما كانت عقيدة اخناتون انقلابا دينيا، فقد كانت مدينته تعتبر انقلابا فنيا في تاريخ العمارة، سواء في المدينة وعمارتها أو ما ارتبط بها من مختلف فنون النحت والحفر والرسم، كانت نواة التجريد والتحرر في الفنون.
ان موسم تلك الدورة السياحية أو الحج الديني يمكن تحديده بما ورد في تاريخ رحلة اخناتون نفسها الواردة في لوحات تل العمارنة: “في السنة السادسة من حكمة في اليوم الثالث عشر من الشهر الرابع من الفصل الثاني”.
فالسنة السادسة من حكمه 1370 ق.م هي السنة التي غير فيها اسمه من امنحتب الرابع إلي اخناتون، والشهر الرابع من الفصل الثاني هو شهر فارموتي (برمودة) في التقويم الفرعوني، أي مايقابل شهر مارس – ويعد هذا الشهر من الأعياد المقدسة عند بعض جماعات الروزيكروش في أمريكا.
فدورة الحج السياحي يمكن تحديد مرسمها بحيث تمتد طوال شهر مارس ويخطط لها سياحيا بحيث تبدأ بزيارة الهرم الأكبر حيث تبدأ طقوس الحج التقليدية، ثم الانتقال إلي الأقصر لزيارة معبد أخناتون في الكرنك حيث تبدأ عند رحلة الحج النيابة مارة بمعابد دندرة وابيدوس وتنتهي بزيارة أرض مدينة أخت أتون المقدس بتل العمارنة، ومنها ينتقل الحجاج إلي القاهرة.
ويمكن تنظيم الرحلة بحيث تستغرق أسبوعين.. ويشمل البرنامج السياحي تنظيم خدمات النقل البري والجوي والنهري والخدمات الفندقية والإقامة كذلك خدماتن التجارة السياحية والتسويق والاعلام من اعداد المطبوعات والتذكارات السياحية الدينية والهدايا، مع تنسيق الاتصال المباشر بالجمعيات الدينية المذكورة في انحاء العالم والشركات السياحية العالمية التي تشرف علي رحلاتهم.
2 – هجرة موسي (حج الرسالة):
وهي رحلة هجرة موسي عليه السلام وخروج بني اسرائىل من مصر من مدينة رمسيس في وسط الدلتا إلي الوادي المقدس وجبل موسي حيث كلم الرب موسي وأنزل عليه الوصايا العشر، ولا تقل المرحلة أهمية من النواحي التاريخية والدينية والسياحية عن المرحلة السابقة.
ويمكن تخطيط دورة تلك الرحلة من تتبع الطريق الذي سلكه موسي وقومه والمدن التي بها والأماكن المقدسة التي شهدت معجزاته والتي وردت في التوراة (سفر الخروج) بالترتيب التالي (الخروج من مدينة رمسيس إلي سكوت وبيداء أيتام وطريق الفلسطينيين، فم الحيروت – يم سوف- مجدول بعل زيفون – شيحور – جبل موسي المقدس).
وقد أمكن تحديد ذلك الطريق ومراحل الرحلة بمقارنة تلك الأسماء بالأسماء الفرعونية للبلاد والمناطق التي وردت في الوثائق المصرية القيمة، ولوحات مرينتاج (فرعون موسي) والمبينة في الخريطة التي ترجع إلي القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
فالهجرة وتوقيت موسمها الذي سيكون نواة التخطيط السياحي لها بدأت كما ورد في وثائق مرنيتاح الفرعونية في اليوم الخامس عشر من الشهر الأول من السنة الثامنة من حكمه” وهو يوافق يوم 15 ابريل 1220 وهو التاريخ الذي يتفق مع ماورد في التوراة نفسها وقد استغرقت رحلة الخروج سبعة أيام.
اليوم الأول – بدأت الرحلة قبل الفجر من مدينة رمسيس وتسمي قنيتر ويطلق علي موقعها حاليا تل الضبعة بالقرب من مدينة فاقوس حيث إلي مدينة سكوت، وكان اسمها الفرعوني ” خثم سكوت” عند بحيرات أكياد والتي كانت تعتبر من أهم مناطق الصيد عند قدماء المصريين.
اليوم الثاني – استمرت الرحلة في الطريق الذي يفصل الأرض الزراعية عن الصحراء حتي وصلوا إلي “بيداء أيتام طرف البرية” وتسمي بالفرعونية صحراء “أدوم”.
اليوم الثالث – كلم الرب موسي قائلا “مر بني اسرائىل أن يرجعوا وينزلوا أمام يم سوف بين مجدول والبحر” – (سفر الخروج) – وهو مايفسر تغيير اتجاه رحلتهم من طريق بلوزيو (طريق الفلسطينيين) للوصول إلي فلسطين عن طريق ساحل البحر الأبيض عندما علم موسي بأن الملك مونيتاح أمر قواته بأن تلحق بهم ويم سوف اسمها باللغة الفرعونية يم سوبي أي بركة البرديوالبوص وهي احدي برك البوص الضحلة التي تجف مياهها وقت الجزر حين عبرها موسي وقومه بأمر الله قبل أن يصل فرعون وجنوده ويمنعهم ارتفاع مياه المد من عبورها وهي التي فسرت خطأ بأنها البحر وتبعد عنه قرابة أربعين كيلو إلي الشمال.
اليوم الرابع – اتجهوا شرقا إلي بيداء شور واسمها الفرعوني شيحور أي صحراء حور، وتقع شرق بحيرة حور (البحيرات المرة) أي أرض سيناء.
ثم قضي أيام التيه الثلاثة علي شاطئ سيناء الغربي حيث مر بعيون موسي، حيث ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا وساروا منها شرقا إلي الوادي المقدس وجبل موسي حيث نزلت عليه الرسالة والوصايا واكمل هجرته بعدها في صحراء سيناء ليصل بقومه إلي اورشليم التي وافاه الأجل قبل الوصول إليها ودفن في وادي مقبرة موسي بالقرب من البحر الميت.
3 – زيارة المسيح والعائلة المقدسة لمصر:
ستلعب تلك الدورة دورا هاما في السياحة الدينية للحج المسيحي حيث أن تنظيمها واعلانها علي حقيقتها سيبرز أولويتها وأهميتها علي المناطق العالمية الأخري وكنائسها وأديرتها وأماكنها المقدسة التي يحج إليها مسيحيو العالم، فالأماكن التاريخية المقدسة ومزاراتها التذكارية التي لعبت دورا ملموسا في نشر العقيدة والحفاظ علي رسالتها، يرجع تاريخها إلي مئات السنين قبل مثيلاتها في الشرق والغرب ومختلف أماكن الحج المسيحي المقدس.
إن رحلة المسيح إلي مصر وكانت في العام الثاني من مولده بدأت بول الملاك ليوسف النجار “قم وخذ الصبي وأمه وأهرب إلي مصر وكن هناك حتي أقول لك الآن هيرودس يطلب الصبي ليهلكه” بعد المجزرة التي روي فيها هيرودس أرض بيت لحم بدماء الفي طفل – وهي الرحلة التي كان لمصر فيها الفضل في رعايته وحمايته من أعوان هيرودس الذين تبعوه إلي مصر للقضاء عليه، كان لها الفضل في الحفاظ علي رسالته السامية وقيام الديانة المسيحية.
خرجت القافلة المقدسة التي تتكون من يسوع الطفل وأمه ويوسف النجار وسالومي من بيت لحم إلي الخليل وبئر سبع. ويمكن تتبعطريق رحلة الهجرة مما ورد في الوثائق الدينية والمراجع التاريخية كمايلي:
كانت أول مدينة وصلوا إليها “في أرض مصر المقدسة التي عينها لهم الرب مدينة انصرما وتقع علي بعد 30 كيلو مترا شرقي بورسعيد ومنها انتقلوا إلي مدينة بوباسنت (تل باسطة) وكان بها معبد الاله باست حيث ظهرت أول معجزات المسيح في أرض مصر عندما تهاوت تماثيل المعبد عند دخوله إليه تحمله أمه، ثم تبعتها معجزة شفاء زوجة نقلون الذي أواهم في منزله ليحميهم من بطش ثورة الحاكم، وكانت مشلولة من سبع سنوات فلما رأت الطفل قامت لتحتضنه فزال عنها الشلل، ونزلت الرسالة التي تقول “في مكان بيت أقلوم ستقام كنيسة يخلد فيها اسمك إلي الأبد، وتوجد في مكان البيت حاليا كنيسة للعذراء مازالت تفتح أبوابها لشعائر الدين كل يوم.
وظهر ملاك الرب للقافلة وأمرهم بالهروب خلال حقول القمح في طريق معوج حتي بلغوا مدينة بلبيس واتجهوا منها إلي سمنود ثم المطلع حيث تقوم كنيسة الملاك ميخائيل وانتقلوا منها إلي منطقة بيخاسوع (كعب يسوع) التي دق فيها بكعبه علي حجر فتفجر نبع من الماء المقدس بني حوله دير المغطس الذي احتفظ بداخله بالحجر الذي دق عليه وعين المياه المقدسة.
ثم عبرت القافلة المقدسة فرع رشيد في مراكب الصيد الي الضفة الغربية وساروا منها إلي وادي شهيت (وادي النطرون) وكان يحوي مجموعة من المعابد الفرعونية – وهو الوادي الذي تنبأ المسيح بأنه سيكون “كعبة المسيحية التي يسكنها عدد كبير ممن دخل النور قلوبهم وصفت سريرتهم ليعبدوا الله ويذكروا اسمي واسمك”.
وقد تحققت النبوءة فتحول وادي النطرون إلي مركز من أكبر مراكز المسيحية في التاريخ حيث كان به في القرن الرابع الميلادي خمسمائة دير تضم أكثر من خمسين ألف راهب، بقي منها الآن أربعة أديرة أهمها شهرة دير السريان.
استمرت اقامة العائلة المقدسة في وادي النطرون ثلاثة أشهر انتقلت بعدها إلي مدينة ادن (عين شمس) – أون الفرعونية – “ألقي المسيح بعصاه فأورقت شجرة البلسم التي اشتهرت في عين شمس، وكان حاكم مصر يستولي علي عصارتها المقدسة ويهديها للملوك والأباطرة، ثم اتجهوا إلي المطرية في طريقهم بأمر الرب إلي بابيلون (مصر القيمة) ونامت مريم وفي أحضانها الطفل يسوع عن أعين جنود هيرودس الذين مروا في ذلك الوقت بالقرب من الشجرة بحثا عنهم.
“ولا نزال شجرة الجميز المقدسة قائمة مكانها وتعد من المزارات التذكارية المقدسة”. ثم انطلقت القافلة جنوبا حتي وصلت أسوار بابليون واقاموا في مغارة الكهف المقدس الذي يقع تحت كنيسة أبي سرجة بمصرالقديمة، ومنها هربوا ليلا إلي المعادي وركبوا مركبا كان راسيا في انتظارهم عند شاطئ المعادي في المكان الذي تقع فيه حاليا كنيسة العذراء، وتعتبر من المزارات المقدسة “حيث طبع المسيح قدمه علي درجاتها التي كانت درجات المرسي” واستقلوا المركب التي سارت جنوبا حتي توقفت بالقرب من الفشن ومنها ساروا برا حتي معبد أبيس في بهنسا وتوجهوا منها مرورا بمدينة القوصية إلي قرية قسقام التي شاهدت العديد من معجزات الطفل المعجزة في شفاء المرضي واعادة البصر إلي الأعمي والنطق إلي الأخرس، وهو المكان المقدس الذي أقيمت فيه كنيسة العذراء ثم الدير المحرق في القرن الرابع الميلادي وهو أكبر أديرة الرهبان في مصر بعد وادي النطرون ويتوسط هيكل الكنيسة الحجر الذي كان المسيح يستخدمه مخدعا ينام عليه.
وتقدر مدة إقامة العائلة المقدسة في قستام ستة أشهر وعشرة أيام كما سجلها يوسف النجار علي إحدي اللوحات الحجرية المحفوظة بالدير المحرق وغادرت بعدها المدينة للعودة إلي فلسطين عندما أوحي الملاك: “تم فخذ الصبي وأمه واذهب إلي أرض فلسطين فإنه قد مات من يطلبون نفس الصبي”.
وعادت العائلة المقدسة بالمركب من قسقام إلي بابليون مباشرة حيث أقاموا ليلة في كنيسة السرجة ومنها مروا بالمطرية لزيارة الشجرة المقدسة مرة أخري حيث تركوا الحوض الحجري الذي استحم به المسيح ومازال موجودا في مكانه إلي لآن ثم اتجهوا منها إلي قرية المحمة (مسطرد) حيث فجر بها المسيح بئرا مقدسا واتجه منها إلي طريق الاسماعيلية الحالي حتي البحيرات المرة واتجهوا منها شمالا إلي شاطئ البحر، ثم اتجهوا بمحاذاة الشاطئ حتي وصلوا إلي الناصرة في فلسطين وقد اختلفت الوثائق القديمة في مدة اقامة العائلة المقدسة في أرض مصر، فذكر بعضها أنها ثلاث سنوات وسبعة أشهر، وذكر في البعض الآخر انها امتدت إلي أربع سنوات وشهرين.
4 – طريق القديسين:
يعد من أهم دورات الهجرة السياحية المرتبطة بالحج الديني المسيحي العالمي وهو الطريق الذي سلكه كل من القديس بطرس والقديس بولص والقديس مرقص والقديس يوسف St. Peter. St. Paut. St. Narc. St. Josef.
وهو طريق الهجرة الذي سلكه كل منهم من الأراضي المقدسة إلي أرض مصر مرورا بدير سان كاترين في سيناء وأقامتهم في مختلف الأديرة والمدن الدينية المشهورة ومعاهد الدين المسيحي الموزعة في أنحاء الوادي سواء في أسوان أو الدير المحرق وبني سويف والفيوم وسقارة ووادي النطرون والواحات ومختلف انحاء الوجه البحري، حيث تمكنوا من ممارسة عقائدهم والحفاظ علي تراث دينهم في مواجهة حملة الاضطهاد العالمية التي كادت تقضي علي الدين المسيحي.
ويستمر طريق الهجرة من تلك الأديرة إلي الاسكندرية ليحمل كل منهم رسالته وينتقل إلي أوروبا لنشر دعوته والاستشهاد في سبيل عقيدته حيث اقيمت له كاتدرائىة تحمل اسمه في عاصمة من العواصم العالمية.
إن ارض مصر كانت طوال العصور الماضية حلم اتباع هؤلاء القديسين ليحجوا إليها بإعتبارها الوطن الأم للدين المسيحي. كان الكثير من بعثات الحج المسيحي يأتي عن طريق الفاتيكان والجمعيات المسيحية الأوربية والشرقية لزيارة الكثير من تلك الأماكن المقدسة التي زودت القديسين بشعلة العقيدة والتراث الديني الذي حملوا رسالته اليهم، وحافظت مصر عليهم كما حافظت علي المسيح من قبلهم.
إن دورة الحج السياحي لكل من هؤلاء القديسين يمكن تخطيطها وتنظيمها علي ضوء الوثائق التاريخية المتعلقة بحياة كل منهم والأماكن التي تركوا بصماتهم عليها فعمقوا ثقافة رسالتهم وثبتوا شعائر عقيدتهم فحافظت علي تعاليمهم واحتفظت بذكرياتهم.
كما يمكن تحديد الموسم السياحي لكل دورة ضمن شبكة التخطيط السياحي العام بحيث تستكمل كل منها الدورات الأخري وهو ماستحدده الأحداث التاريخية امرتبطة بكل منها ومواسم الاعياد الدينية التقليدية للأديرة التاريخية المعروفة كدير سان كاترين، ولقديس انطون، والقديس يوسف، والقديس جريمي، بسقارة أو مختلف الأديرة التاريخية والدور الذي لعبه كل منها في الحياة الدينية لكل من القديسيين.
ان كثيرا من تلك الأماكن أو المدن الدينية القديمة ستتحول إلي مدن سياحية تنظم لها خدماتها السياحية المختلفة وتعيد لها مجدها وشهرتها العالمية لتفتح بوابها للحج السياحي.
5- القديس ميناس (أبومينا):
كان مسيحيو مصر البيزنطيون يعتبرون هذا القديس واحدا من أكثر القديسين تبجيلا، تروي الأسطورة القديمة كيف استشهد في القرن الرابع في الاضطهاد الكبير في عهد الأمبراطور دقلديان ونقلت جثته إلي دير وادي شهيت (وادي النطرون) وتنفيذا لوصيته ربط جثمان فوق جمل وترك يسير علي هواه في الصحراء، وسارت خلفه قافلة من اتباعه ومريديه.. وسار جمل الشهيد والقافلة من خلفه في الصحراء الغربية في طريق الحج القديم الموصل بين وادي النطرون ومعبد الاله أمون في سيوه، وتوقف الجمل في واحة صغيرة أطلق عليها اسم “كرم أبو مينا” وركع بالجثمان حيث ووري التراب في قبر بسيط أعده له اتباعه، وكانت الشمس قد مالت للمغيب.
وعندما اشرقت الشمس في الصباح علي القبر انفجر نبع من الماء علي مقربة منه وتدفقت مياهه بغزارة وتحولت إلي بركة مقدسة تسبت إلي مياهها كثيرة من المعجزات في شفاء مختلف الأمراض.
وقد عثر بجانب القبر علي مخطوط قديم كتب عليه: “خذ من ماء ميناس المقدستذهب جميع الالام” وذكرت الاساطير أن المخطوط كتب بخطه وما زالا محظوظا بمتحف الفاتيكان، وقد اقيمت فوق القبر الخامس بأنها كانت أجمل كاتدرائية في وادي النيل بأكمله بما اشتملت عليه من تحف وزخارف من الرخام والموزابيك والذهب والفضة.
وقد امتلأت حوائط الكنيسة بصور القديس وهو يقف بين جملين راكعين وهي الصورة التي اشتهر بها، وتحتفظ بلوحات ونقوش منها كثير من المتاحف العالمية والوثائق الدينية والتاريخية القديمة.
وفي عهد الأمبراطور أركاديوس في القرن الخامس وصفت المدينة بأنه كان بها كاتدرائيتان كبيرتان بكل منها ثلاثة أجنحة أبعاد كل منها 57 * 25 مترا ويحوي قبر الكاتدرائية الكبري قبر القديس ميناس تحيط به قبور مريديه الذين أتوا من مختلف أنحاء العالم ليناموا النوم الأبدي بجواره.
ومن العين المقدسة التي انفجرت بجانب القبر امتدت شبكة من مجاري المياه لنقلها إلي الحمام المقدس الذي انشئ بجانب الكاتدرائىة والذي يبلغ طولها 70 مترا وعرضة 40 مترا يحيط به رواق كبير لغرف الحمامات.
وفي الناحية البحرية من الكاتدرائية انشئ دير كبير عبارة عن مدينة كاملة تبلغ مساحتها 40 ألف متر مربع، وقد وصفت بما تحويه من صوامع للعبادة واحياء للسكن وأسواق وأماكن للاجتماع.. كما اشتهرت المدينة بصنع القوارير الفخارية التي كانت تعبأ بها المياه المقدسة ويحملها الحجاج معهم للعلاج والتبرك إلي مختلف أنحاء العالم. ويحتفظ متحف الفاتيكان بمجموعة منها يرجع بعضها الي القرنين الخامس والسادس وقد ختمت بخاتم أبي مينا والجملين وذكرت عليها عبارة “الماء المقدس الذي يشفي الالام والأمراض”.
ويذكر التاريخ القديم أن المدينة جردت من كل نفائسها ولكنها بقيت تحتفظ بمركزها الديني إلي نهاية القوارير الخزفية التي كانت تحفظ بها المياه المقدسة ويحملها الحجاج معهم إلي أنحاء العالم المسيحي وتحمل اسم مصر والقديس مينا نماذج محفوظة بمتحف “الفاتيكان”.
القرن الثاني عشرحيث تحولت إلي انقاض بعدما هجرها سكانها لأسباب مازالت غامضة. ومع ذلك لم يتوقف الحج الديني إليها فيث العهود الماضية حتي إلي زمن قريب مع مايتكبده أفواج الحجاج الذين يفدون من مختلف أنحاء العالم المسيحي من مشقات لانعدام مختلف الخدمات السياحية ووسائل النقل.
6 – دورات السياحة الإسلامية:
هناك أكثر من دورة يمكن تحديدها بعد الرجوع إلي الوثائق التاريخية الإسلامية المحددة لمعالمها، كرحلة جثمان الحسين بن علي من العراق إلي الشام إلي مصر واستقراره في المشهد الحسيني، والعلاقة الروحية بين الحسين والكثير من الطرائف والجاليات الإسلامية في الشام والعراق وشرق آسيا والباكستان، فتلك الدورة إذا خططت دورتها مثلا والاتفال بموسمها وعيدها ستفتح المجال أمام السياحة الدينية الاسلامية الخارجية بجانب السياحة الداخلية وستجذب الاف السواح كل عام.
إن الكثير من أولياء الله الصالحين وأبناء بيت رسول الله ممن هاجروا إلي مصر والتجأوا إليها وكان لهم دور في تاريخها الإسلامي، وقد بنت مصر لهم الأضرحة والمشاهد والمساجد، وتحتفل بأحياء ذكراهم وموالدهم كل عام، وستتحول بعض تلك الأعياد إلي أعياد سياحة اسلامية بعد دراسة علاقة كل منها بالبلاد الاسلامية الأخري.
والأزهر الشريف نفسه – كعبة الثقافة الإسلامية ستكون له مكانته ضمن المزارات السياحية الدينية العالمية احتفالا بأنشائه في عيد سياحي ودورة سياحية سنوية.
إن تلك الجولات والرحلات الدينية ستكون العناصر الاساسية في شبكة تخطيط السياحة الدينية وربطها بالشبكات الأخري المكونة للتخطيط السياحي بالعقائد والمعتقدات الدينية أكثر ثباتا من ارتباطها بالعوامل الجوية والترفيهية والأثرية.
كما ستلعب تلك السياحة دورا فعالا في التعمير السياحي والأثري يما يتمثل باعادة تعمير تلك المناطق ومعالم اثارها الدينية واحياء تاريخها بجانب مايرتبط بها من الخدمات اسياحية اخاصة بالإسكان السياحي والثقافة الإعلامية السياحية، والتجارة السياحية، أي تصنيع السياحة الدينية وتنمية اقتصادياتها ضمن اقتصاديات السياحة العامة.