طير بينا ياقلبى ولا تقوليش
السكه منين
دا حبيبى معاىا ماتسألنيش
رايحين على فين
كلمات: حسين السيد
…………
وقد طار بنا محمد صلاح وحلق فى سماء الإنجليز مع أجمل ألحان فوزى وأكثرها خفة ،وتجددا يتزايد مع كل هدف لابن نجريج الذى ملأ قلوبنا فرحة تمنيت لو عاشها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى ،فبينما كان الفتى المصرى يوقع لفريق ليفربول ، وبينما كانت الكاميرات تلتقط الصور ،قفز الشاعر الكبير إلى رأسى وترحمتُ عليه كثيراً ،وتمنيتُ لو كان حاضراً ليشاهد حلماً وخيالاً يتحقق ،فقد كان الخال من عشاق هذا النادى العريق ومن كبار مشجعيه منتصف سبعينات القرن الماضى ولاشك عندى أنه كان سيكتب قصيدة عن الفرعون المصرى الجديد محمد صلاح.
1 ـ ليفربولى قديم
فى اللحظة ذاتها وبينما الفلاشات تلمع لتخليد لحظة انتقال محمد صلاح إلى النادى الإنجليزى ،تعجبت من الأقدار ومن كرة القدم التى أنزلت الشعر من سماوات الخيال والتحليق إلى المستطيل الأخضر لتتحول اللعبة الأشهر فى العالم إلى ثقافة شعوب وتصبح قدم اللاعب بصمة على حضارة وعراقة بلاد ودول ،وشغلت الساحرة المستديرة الأدباء والمفكرين بعالمها المدهش الذى يشبه المسرح فى الصراع وتبدل الأدوار، ويشبه الحياة التى بعثت إلينا روح هذا الأبنودى الشاعر الكبير فى هذه اللحظة التى ينتقل فيها مع صلاح إلى ليفربول .
والقصة تبدأ من عام 2012 عندما كنت أعمل فى مجلة الأهرام الرياضى ، وبما اننى لست رياضياً بما فيه الكفاية فقد اخترت أن اكتب عن علاقة كبار الأدباء والمثقفين مع كرة القدم وتلك قصة طويلة لا يهمنا منها سوى حوارى مع الخال عبد الرحمن الأبنودى الذى حدثنى فيه عن غرامه بالنادى بالإنجليزى ” ليفربول ” فاجأنى بالكثير بعد أن كنت أطمع فى القليل ،فهو ليس محباً ولا مشجعاً بل درويشاً من مهاويس كرة القدم وصديق لمعظم نجومها المصريين .
“.. أنا كنت ليفربولى من الدرجة الأولى”
هكذا بدأ الخال حديثه وتدفق مثل قصائده وهو يحكى لى القصة فكتمت أنفاسى ورحت أسمع فى سعادة بالغة بحصولى على هذا الكنز الكبير الذى سأظل احتفظ به ما حييت والذى أنزح منه لكم الآن ،:
” الفريق ده كان مجرم وهو اللى خلانى أحب الكورة الإنجليزية ، بس فجأة اتدهور حال ليفربول بعد كارثة الملعب الشهيرة بتاعتهم ، وكانت الكورة الإسبانية بدأت تظهر وتلعلع والواحد اتعلم من يومها إن الكورة متعة وإنك مش ممكن تحس بالمتعة دى وأنت متحيز بكامل حواسك لفريق معين أو نادى محدد ، الحكاية دى تبوظ المتعة ، وعلى فكرة العنف والتعصب بيتولد فى البيوت ، تلاقى الأب يجبر الابن أو الابنة على تشجيع الفريق اللى بيحبه ، ويطلع العيل الصغير فى البيت وهو شارب وراضع إن الفريق الفلانى جزء من العائلة ، وطالما الأب متعصب للفريق ده يبقى كدا خلاص هو كمان لازم يدافع عن الفريق ده بالروح والدم !! ده شىء رهيب على فكرة ،لازم ندى لأولادنا فرصة اختيار كل شىء ،الإجبار قاتل ، أنا عن نفسى كنت بحب الإسماعيلى وكان معظم نجوم الفريق أبو جريشة وعبد الرزاق وكتير منهم أصدقائى وأحبابى ، لكن فى نفس الوقت ما أقدرش ما أحبش الأهلى عشان محمود الخطيب ، الخطيب ده موهوب موهبة فريدة ومؤدب ،وهو حالياً من أصدقائى المقربين وبيزورنى كتير، وبشكل عام الجيل ده كله من أولاد الطبقة المتوسطة كان بيحاول يقدم متعة للجمهور سواء فى كرة القدم أو فى السيما أو الغنا ،يعنى تلاقى الخطيب ونور الشريف وعادل إمام وعلى أبو جريشة وحسن شحاتة وغيرهم كتير عاشوا فى ذاكرة الناس ، لكن دلوقتى ما بقاش فيه كورة زى زمان ، الاحتراف بوظ على الغلابة اللى زى حالاتى متعة الكورة المصرية ، اصله اتعمل من غير قواعد ولا أصول ناس قالت تعالوا نعمل احتراف وعملوا حاجة زى الاحتراف مش واخدة منه غيرالاسم بس ، عشان كدا تلاقى كل شوية يقول لك اللاعب الفلانى فى مشكلة مع النادى العلانى وما اعرف مين اتخانق مع مين !! لا ،لا ،لا يا ولدى الكورة بره حاجة تانية والاحتراف ليه أصول واضحة مش شغل فاضى ، بتشوف الواد “ميسى” عامل إزاى؟! ( يصمت الخال قليلاً ، ثم يتجلى : ” على فكرة اللاعب ده معجزة لانه بيعتمد على موهبته بس ، يعنى لايملك خبث ومكر ودهاء “ماردونا” مثلا !، وبعدين مش أنانى ،وعنده استعداد يبقى صانع ألعاب بس ، لكن المجرم “ماردونا” ده بيحب نفسه بشكل كبير ، عايز الملعب كله تحت أمره ، كل شىء مسخر لماردونا بس !، هو موهوب طبعا مش عايزة كلام ،بس مش طيب زى الواد “ميسى” ، “ميسى” ده شريف .. والتانى لص ( يضحك الخال ،ويصمت قليلاً وأخشى أن أتحدث أو أعلق بكلمة أو أسأل سؤال فربما قطعت بغبائى هذا التدفق الجميل وخسرت فرصة عمرى ،فأقصى أحلامى الحصول على تصريح صغير حول علاقة صاحب السيرة الهلالية بكرة القدم ،وها هو يمنحنى ما لم يخطر على بالى ، فمن يصدق أن الأبنودى صاحب (جوابات حراجى القط العامل فى السد العالى لزوجته فاطمة عبد الغفار)،والذى عاش جراح النكسة فى عدى النهار ،وراهن على الأمل وهو يحلف بسماها وبترابها ،هو نفسه الذى يحدثنى الآن عن كرة القدم وليفربول !).
ماردونا ودرويش
ووسط هذا السرحان العاطفى ـ غير المبرر بالمرة ـ نطق لسانى وقلت للخال : محمود درويش كتب مقالا جميلاً عن ماردونا ! ،فقال الخال بسرعة بديهة : أه .. درويش كان “درويش” كورة برضه ، وهو و”ماردونا” فيهم شبه من بعض ( يضحك كأنه اكتشف تلك العلاقة بين اللاعب الأرجنتينى الأشهر فى تاريخ كرة القدم وبين واحد من أكبر شعراء العالم العربى هو الشاعر الكبير محمود درويش ) ويضيف : درويش خبيث فى القصيدة ، تجدها غارقة فى الحب والرومانسية وهى وجع فى قلب الوطن! ،تلاقيها بريئة ومسالمة وهى طعنة فى صدر الحكام العرب الذين خذلوا القضية الفلسطينينة ، و”ماردونا” خبيث فى الملعب بيجيب أجوان بإيده ويجنن الحكام والمنافسين! ، وإذا كان “ماردونا ” بيحب نفسه ،فكل الشعراء نرجسيون ويعشقون ذواتهم وكان درويش شاعرا كبيراً ونرجسياً أيضاً، أنا بقى نفسى الكورة المصرية تنفض الكسل وتتعامل مع الموضوع بجدية عشان نشوف جيل حلو يمتع الناس ويعرف قيمة البلد اللى بيمثله فى البطولات، عندنا حاجات حلوة بس عايزين أكتر، كرة القدم تعكس ثقافة الشعوب ، شوف البرازيل بتعمل إيه فى الكورة ، والألمان كمان عندهم كورة حلوة ، هو احنا بنحب الكورة بتاعتهم من شوية ؟! عارف الفرق بين الكورة عندنا وعندهم عامل زى إيه ؟ زى التليفون أبو قرص اللى كان فى بيت العمدة زمان والموبايل حالياً ! شوف الفرق قد إيه ؟ .
كارثة الملعب !
أذكر يومها أننى أنهيت الحوار مع شاعرنا الكبير وجلست صامتاً مندهشاً غير مصدق أن “الخال” يمتلك كل هذه المعرفة بالكرة وبنجومها ، كنتُ أعرف من خلال حوارت سابقة فى بيته بالإسماعيلية أنه يحبها ويشاهد بعض المباريات ، لكننى لم أتخيل أن أتحول إلى جاهل أمام هذا الكم الكبير من المعلومات ، فقد راجعت حديث “الخال”عن فريق ” ليفربول ” واكتشفت أننى لم اكن أعرف شيئاً عن قصة الكارثة التى أوردها فى سياق حديثه عن تدهور ليفربول ، وجلست مثل تلميذ خائب أمام محرك البحث ” جوجل” وكتبت ( كارثة ـ ليفربول ـ الثمانينيات ) وتدفقت المعلومات وعثرت على فيديو واحد يجسد تلك المأسأة التى شهدها ملعب هيلزبرة عام 1989فى نصف نهائى كأس الاتحاد بين نوتنجهام فورست وليفربول حين قامت الشرطة باختيار مناطق وكثافة الجمهورومنحت نوتنجهام 21000 مقعداً ، فى حين تم منح ليفربول 14600 فقط علماً أن شعبية الأخير تضاعف شعبية صاحب الحصة الأكبر من المقاعد ،ومع تزاحم جماهير ليفربول فى الممرات تجاه الملعب فى محاولة الدخول لم تستطع الشرطة السيطرة على الوضع! ، وضغطت الجماهير من الخلف ودفعت الجالسين فى المقدمة فاتجهو إلى السياج وتم كسرت الحواجز وسقط السياج ووقعت المأسأة بالسقوط والاختناق والإصابات وسقط 96 شخصا ( بخلاف الجرحى ) كلهم من جماهير ليفربول.
رحم الله الأبنودى الذى سيظل حياً فى وجداننا ، والشكر للفتى المصرى الموهوب محمد صلاح الذى كان سيضيف إلى أمجاده التى يصنعها يوما وراء آخر قصيدة من الأبنودى أظنها كانت ستُكتب لو شاهد شاعرنا هذا الولد يعانق المجد القديم ويحقق لأكبر شاعر فى مصر أمنيةً كانت هى المستحيل نفسه .
من كتاب ياجميل ياللي هنا
دار ريشة للنشر والتوزيع