إن كنت من هؤلاء الذين يتحولون إلى (بجم) فى وجود الحبيبة ،إن كنت تشعر بأنك حماراً وغبيا ،فلا تنزعج، لست وحدك الذي يتحول إلى حمار أمام الفتاة التي وقع في هواها! فلا تخلو قصص الحب السابقة من حمورية تشبه ما أنت عليه. فاللسان يعجز إن رأيتها، والشجاعة التي تتفاخر بها بين أصحابك تضعف كلما حاولت التصريح لها بما حدث لقلبك،وهذه قمة الحمورية وستضيع البنت من بين يديك بسبب ترددك هذا،فما حدث لك بسببها يستوجب منك إخبارها، ربما انتابها أيضا بعض الشوق بعد نظرة منك،لكن لا بأس، هذا أمر تعرّض له أجدادك وأعمامك الكبار في الفن والإبداع والحب. وكثيراً ما وقف الشعراء حائرون .. تائهون، لا يعرف الشاعر منهم كيف يصف جمال أنثاه وينقل إليها سعادته وهو يشم عطرها، فتتحول إلى كائن مدهش لا تستوعبه الكلمات، وكاد،عم الشعراء الراحل فؤاد حداد أن يتعطل تماماً أمام نوع نادر من الجميلات :
“بلعت ريقي ييجى ميت مرة، وفي كل مرة ينقطع صوتي” لكنه لحق نفسه ولحقنا وكتب لنا الحلزونة :
يا ريتنى أعمى اشربك باللمس
ولا أشمك في بيار الأمس
قالت حتقلب جد يا مسكين
قلتلها أستاهل حدود الموت
أنا الحرامي سارق السكين
سلمت نفسي أن هذا الصوت
بكا شفايفي من شفايفكم
غاوي العطش
أفضل أشم الليل
ولا أموت الضهر شايفكم؟!.
إذن ليست كارثة أن تجد نفسك حماراً أمامها،وعلاجك القاطع ـ حتى لا أطيل عليك- هو البروفيسير “أوفيد” الذي وضع كتابا كاملاً في فنون الهوى، وقاد ثورة العشاق، واعتبر نفسه “الأستاذ” لكل من يريد أن يتعلم هذا الفن. فلا تظن أن المسألة سهلة وأنك تستطيع أن تصبح فناناً في الهوى من دون تعب ومذاكرة واجتهاد ومعرفة! وإياك أن تأخذك العزة بالإثم وتعتقد أنك أكبر من “التعليم” فما سقط العشرات قبلك صرعى الهوى والحب إلا بغرورهم هذا!.
يأخذك “أوفيد” من يدك، ويقف إلى جانبك كصديق يُلقنك فن “الجسارة” كأول شرط للمحبة :
هيا صاحبي لا تتردّد .. ما أندر أن تتأبى إحداهن. تقدم ولا تخشى هزيمة، فجميعهن بالغزل يسعدن، من قبلتْ منهن، ومن رفضتْ.
إنها “الجسارة” التي هي شرع القلوب الوفية كما قال أحمد فؤاد نجم في أغنية محمد منير الشهيرة “مواويل الهوى”. ولا يكتفي “أوفيد” بتحفيزك بل يمضي معك إلى قلب التجربة، يدفعك دفعا كي لا تترك الجميلات أمامك وتقف بليداً خائبا! ويقدم لك أول سلاح في المعركة، عليكم بفنون القول الرفيعة، الغزل، نعم هو” الكلام، فالقاضي قد يخفف حكماً ويحكم ببراءة إن سمع مرافعة جيدة واستعذب لغة قائلها، فما بالك بأذن حبيبتك الرقيقة وهي تسمع غزلاً في محاسنها؟!.
نصيحة : توقف عن الرغى وانت جالس معها
لكن الشاعر الخبير لم ينس وهو يوصيك ب”الكلام” أن يحذرك من الإغراق في بلاغتك أو الإسراف في فصاحتك، يعني “ما تعرضهاش قوي”. وكنتُ أعرفُ صديقاً أراد أن يرسل إلى حبيبته شعراً فلم يجد سوى تلك الكلمات التي لا أعرف من قائلها والتي من شأنها تطفيش أي محبوبة فى الوجود :”يا عطر الطحالب الكثيف، ووحلا معجوناً بالضوء”!!.
فالأحمق ـ كما يقول البروفيسير أوفيد ـ هو الذي يفرغ حديثاً “طناناً” في أذن حبيبته الرقيقة، وإن أردنا ترجمة ” طناناً ” في عصرنا ستجدها تعني “الرغي” الفارغ من المتعة والتشويق والإثارة .
هنا قد يساْل البعض: وكيف يأتي الكلام أصلاً يا عم أوفيد؟! لا بأس! يجيبك الشاعر الذي وضع كل الاحتمالات، فكم عاشقاً محباً يجيد الكلام “لبلب” أمام أصدقائه، لكنه خجولاً لا يعرف كيف يبدأ؟ “عايز دخلة” بمعنى أصح، وانظر إلى خفة الظل والخيال غير المحدود الذي يقدمه الصايع القديم “أوفيد” لحل تلك المشكلة :
وحين تلمح ذرة غبار تهبط على ثوبها فبأناملك في رفق ادفعها
وإن لم تهبط تلك الذرة، فتوهم واحدة هبطت… وادفعها أيضاً.
مباحٌ لك كل ما تتذرع به لشد انتباهها
هل رأيت تلك “الصياعة” من قبل؟! وهل انتهت حيل وافتكاسات “أوفيد” المولود قبل الميلاد ب 43 سنة؟ انه يحذرك من المبالغة في مظهرك، ومن الكرم الزائد في وضع الجيل على شعرك، وكريم الأساس على بشرتك فالفتيات لا يروقهن الشاب المائع :
ولا حاجة بك أن تصفف شعرك بالمكواة
ولا أن ترقق سيقانك بحجر .. دع هذا للخصيان .
وعلى هذا المنوال من الحنكة والخبرة يقدم “أوفيد” الحلول للعشاق،ويركز مع المترددين فهؤلاء تضيع من أيديهم الجميلات وتهرب الحسناوات ولا يبقى لهم سوى الندم والحسرة لأنهم ترددوا وتراجعوا في حين تقدم غيرهم وفاز بقلبها
……..
من كتاب : أن تحب فى العشرين