من يذهب إلى أرشيف حفلات أم كلثوم ويجد تسجيلا لأغنية “أقولك إيه عن الشوق”، عليه ألا يفرط فيه، ويسمع ويسمع ويهديه للحبايب، وبعدها يحلف للناس -وهو صادق إن شاء الله- أن بين يديه نسخة فريدة من كنوز الشاعر الراحل عبدالفتاح مصطفى، وله أيضا أن يضيف للكنز أداء وإحساس أم كلثوم، لأنها في هذا الحفل كانت قد عرفت حقيقة كلام الأغنية، وأن الحبيب الذى يكلمه عبدالفتاح مصطفى، ويسهر ليال في هواه يفكر ولا يجد كلمة تعبر عن شوقه “أكتر من حبيبي”، هو رب العزة..!، لتجد نفسها أمام حالة من العشق عرفت من خلالها كيف يرى الشاعر ربه وبأي طريقة يحبه ويناجيه.
المساحة الخاصة والمحبة الكبيرة بين الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ورب العالمين، امتدت من “أقولك إيه” لما كان عليه عبدالحليم حافظ في السبعينيات حين دخل مع محنة المرض حالة شجن كان ينقصها كلمة عبدالفتاح مصطفى، فغنى “حليم” أدعية ” التوتة والساقية ،يا سامع دعايا، نفضت عينى المنام، وبينى وبين الناس، والحبة في الأرض، وخلينى كلمة”، وبعدها نجحت خطة عبدالفتاح مصطفى وبليغ حمدي ومعهما الرئيس الراحل أنور السادات، وسجل سيد النقشبندي “مولاى، وأقول أُمتى، ورباه من أناجى، وبحمدك ربى”، وانتقلت حالة الصوفية عند عبدالفتاح مصطفى لمحمد قنديل في “لا إله إلا الله”، وإسماعيل شبانة في “ساحة الغفران”، و “مدد يا نبي، سكينة يا بنت الحسين” لمحمد الكحلاوي، أما أغنيته الأشهر “لأجل النبى” ظلت سنوات منسوبة لعبدالفتاح مصطفي، لكن في الحقيقة الأغنية من كلمات الشاعر عبدالفتاح شلبي، والرجل أحد أبرز الشعراء فى فترة الأربعينيات وله تاريخ طويل مع التصوف وعرف بحبه الشديد للنبي وآل بيته، وكتب للكحلاوي: “لأجل النبي، يا أهل بيت النبي”.. وهنا تغيرت خريطة “فودكا” تماما، إذ كنا نحضر للذهاب بعيدا والبحث عن الموروث الشعبي وتاريخ الأغنية الشعبية المقترنة بمدح الرسول وآل البيت، لكن معلومة “عبدالفتاح شلبي” كانت سببا قويا في حالة من المتعة بطلها مع محمد الكحلاوي الذى ترك لنا أكثر من 200 لحنا في حب الرسول كتبها له بيرم التونسي، وعبدالفتاح مصطفي، وعبدالفتاح شلبي، وعلية الجعار، والسعيد أبو الحسن، وابن البادية، والسيد قشقوش، وحيرم الغمراني”، ولحن أغلبها محمد الكحلاوي.
لأجل النبى
“يا آل بيت النبي.. أديني جيت والنبي
وحياة مقام النبي.. تحموا الغريب والنبي”
بعد سنوات من النجاح قضاها محمد الكحلاوي في مجالات التمثيل والغناء والتلحين، مر بفترة مرض لعينة قضاها محروما من موهبته ولا يستطيع الغناء، لكن بعد رؤية شاهد فيه رجلا يبشره بعودة صوته، لكن اشترط عليه ألا يغنى إلا في حب الرسول، وبعد أن عاد صوته ذهب لعبدالفتاح شلبي، وقال له وهبت موهبتي للنبي ولن يشدو صوتى إلا محبة له ولآل بيته، أكتب يا عبدالفتاح، وكتب عبدالفتاح شلبي “لأجل النبي” التى صاحبها نجاح مستمر حتى هذه اللحظة وبعدها كتب له ” يا أهل بيت النبي”، وكان اللحن لمحمد الكحلاوي.
اللحن الذي وضعه محمد الكحلاوي لـ”يا أهل بيت النبي”، كان تصوره بسيطا يحمل لحمات من مقام الصبا ويسمح من خلاله للكورال بتحميلات من مقام البيات.
“يا أهل السماح والرضا صابر بقالي سنين.. يا طاهرة يا سيدة نظرة ومدد يا حسين.. أنا ليكو محسوب.. وإليكو منسوب.. والقلب يدوب في حب النبي وأهل النبي وأصحاب النبي”.
سكينة بنت الحسين
“قالوا الجمال كالجوهرة.. والدين لها حفظ ونجاة.. قلت الجمال للمؤمنة يزيدها طاعة للإله”
لم تقف تجربة المديح بين الكحلاوي وعبدالفتاح مصطفي عند “ممد يا نبي” التى غناها عدد من المطربين أشهرهم الراحل متولى هلال، لكن تعاونا في أغنية نادرة اسمها “سكينة بنت الحسين”، وحملت الأغنية بصمة الكحلاوي حين وضع له لحنا مميزا استعان فى تنفيذه بآلات الإيقاع والكورال بشكل كبير.
كان مجلسك للعلم زينة.. ونور بيضوى في المدينة.. ياما الأدب دون صحايف في وصف نورك يا سكينة”
وكانت (حلوة صلاة النبي) شكلا جديدا قدمته الشاعرة علية الجعار، لتبتعد قليلا عن اللون المعتاد لمحمد الكحلاوي في مديح رسول الله، فكانت التقطيعات بسيطة مزينة بلمسات من الجناس أجبرت الكحلاوي على وضع تصور مختلف للحن.
حلوة صلاة النبي.. تملى القلوب ياما
يا عم صل على النبي.. تلاقى خير ياما
امتى ازورك يا نبي واقعد حداك ياما.
ورحم الله الجميع وبقى الفن خالدا .
جميل جمال يا شرشر