وهل كان النبى يضحك يا رجل ؟!
ويبكى ويمشى فى الأسواق ويحب الطيب والنساء
ومن أين جاءت كآبة المنظر وثقل الدم وكراهية الضحك
ـ من المتجهمين الغاضبين بلاسبب يا ولدى وكأنه لا إسلام دونما تكشير وتجهم
بلاسبب سوى شعورهم بكراهيتك ، الأجلاف الذين تلقاهم فى الشارع والمترو والأتوبيس ومكاتب العمل ، أولئك الذين يحتمون بذقونهم الطويلة وسروايلهم وأجسادهم الضخمة ، أولئك الذين يتشابهون فى نظرتهم إلينا نحن المصريين الذين نضحك ونتبسم فى أصعب المواقف ليسوا من الإسلام ولم يعرفوا رسول الله صلى الله وسلم إلا من كتب ومؤلفات جامدة خشنة وضعها أجلاف الصحراء بعقولهم التى تسكنها النساء فيسبونها ويلعنونها كنوع من مقاومة سيطرة أنوثتها عليهم ، ليسوا منّا ، فقد تمت تربيتهم فى مدارس سلفية متشددة ترى الإسلام بداوة وقسوة وقتل أحياناً .
وكذلك هى المنتقبة التى تفصل نفسها عنّا لترانا من فتحة ضيقة عند عينيها وتلعن غيرها من ” السافرات ” اللائى لا يعرفن ربنا مثلها ، وهؤلاء وأولئك ليسوا منّا ولن يكونوا ، فقد اختاروا ثقافة البداوة والصحراء وأرادوا فرضها على أرض سبقتهم جميعا فى التوحيد والإيمان والبحث عن إله واحد .
عموماً .. لنتركهم معاً الآن حتى لا تسيطر وجوههم الغاضبة أو المحجوبة وراء نقاب أسود على ” الضحك ” ، فقد ضحك النبى وتبسم
وإذا ضحك ربك لعبد فلا حساب عليه
ـ إن زوجى يدعوك لزيارتنا يا رسول الله
ـ ومن زوجك ؟ أهو الذى بعينه بياض ؟!
ـ لا ليس هو يا رسول الله
ـ لا ،هو ذاك الذى بعينه اليسرى بياض!
ـ زوجى لا بياض على عينه اليمنى ولا اليسرى يا رسول الله ، فضحك وهو يقول : وهل من أحد إلا بعينه بياض ؟! وكان يقصد ما يحيط بالحدقة
وجاءت إليه عجوز تطلب منه أن يدعو لها كى تدخل الجنة ، فقال : لا عجائز فى الجنة !
فجزعت المرأة من قوله، فضحك وهو يقول لها ستدخلين الجنة ويعود إليك شبابك وحستك .. وتلا عليها قول الله تعالى فى نساء الجنة: (إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارًا عُربًا أترابًا).
ودخل إليه عمر بن الخطاب وهو يتحدث إلى بعض النساء ، فجزعت النساء وسارعن بوضع الحجاب على رؤؤسهن ، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله ، ولكن لماذا الضحك ؟ قال لأنهن أصابهن خوف منك لم يصبهن منى ، وقالت النساء من الخلف : أنت أكثر فظاظة يا ابن الخطاب .. وضحكوا جميعاً .
لا تخلو كتب النوادر والطرائف من ذكر اسم الصحابى ” النعيمان بن عمرو بن رفاعة ” خفيف الظل الذى قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام يدخل النعيمان الجنة وهو يضحك، وكان النعيمان لا يدخل المدينة إلا اشترى منها ثم جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول هذا أعجبنى فأحضرته لنفسى ولك،فإذا جاء صاحب البضاعة يطلب ثمنها أخذه من يده إلى النبى وقال أعط هذا ثمن متاعه ،فيقول أوَ لم تهده لى يا نعيمان ؟!فيقول: لم يكن لدى ثمنه وأحببت أن تأكله، فيضحك النبى ويأمر لصاحبه بثمنه.
والضحك هو انبساط الوجه وظهور الأسنان، والفرق بينه وبين التبسم أن أول الضحك التبسم، ويكون غالباً للسرور، كما قال الله سبحانه وتعالى في الضحك 🙁
وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكةٌ مستبشرة
وضحكت فبشرناها
والضحك أعمُّ من التبسم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول، فلا يُلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك في الغرف العُلى من الجنة، يضحك إليهم ربك ، فإذا ضحك ربك إلى عبده في موطن فلاحساب عليه )
وقد جدتُ الضحك بحمد الله محشورا وسط كتب التراث ـ كثير منها ثقيل الظل واللغة والأسلوب ويحتاج إعادة كتابة ـ لكن قليل منها يشفى الروح ويحمل فيروس الضحك الذى تسرب إلىّ وأنا أتخيل هذا الإعرابى النحيف وقد خففّ من صلاته وهمّ بالخروج من المسجد وكاد أن يلبس الخُف ويمضى ،وفجأة سمع صوت عمر ابن الخطاب :يا عبد الله !،ورآه قادما خلفه وفى يده العصا، فانخلع قلب الرجل ، وعاد وأعاد الصلاة كما طلب منه أمير المؤمنين ،فلمّا فرغ منها ، سأله عمر : أهذه خير أم الأولى ؟!،قال: بل الأولى . فسأله : لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله ، وهذه للعصا !،فضحك عمر رضى الله عنه، وضحكت أنا ، وكان للشاعر الفرزدق واسمه همّام بن غالب وعاش فى القرن الثالث الهجرى حكايات وقصص مع زوجته وابنة عمه ” النّوار ” وفكر يوما فى خيانتها مع جارية صغيرة وجميلة كانت لا تقبل رؤية وجهه فظل يطاردها ويهددها بفضحها فى القصائد والأشعار ،فقررت الجارية الانتقام ،وذهبت الى زوجته وأخبرتها بالقصة! ، فطلبت منها الزوجة “الماكرة” أن تجاريه فيما يريد ،وواعدته بالفعل ، واتفقا على اللقاء المرتقب فى دار مهجورة وتنكرت “النّوار” ، ودخل الفرزدق متسللا فى شوق ولهفة واحتضن فتاته بلهفة ورغبة ،وفجاة ..هبط قلبه وتعطلت لغة الكلام والأحلام والرغبات وجاء صوت زوجته الذى يحفظ نبراته :”يا عدو الله، يا فاسق”، فعرف أنه خُدع، فقال لها بغضب وغيظ : “وأنت يا سبحان الله! ما أطيبك حراما وأردأك حلالا”!.
وهذا النوع من الضحك ستجده فى قصة تلك المرأة التى ذهبت الى المُعلم بولدها تشكوه ، فقال له : إما تنتهى يا ولد وإلا قبّلتُ أمك، فقالت : ياسيدى هذا صبى لا ينفع معه الكلام .ولا يجدى معه تحذير!، وستجده فى قصة أخرى عن الفرزدق الذى تخاصم مع زوجته فذهبا الى بيت الوالى ووصلا متأخرين ،فجلس الفرزدق مع أبناء الوالى وحكى لهم عن زوجته وعمايلها التى لا تحتمل ، ،وتعاطف الأولاد معه ووعدوه بالحديث إلى أبيهم فى الصباح قبل أن ينظر إلى قضيتهما ،ونام الفرزدق وفى بطنة بطيخة صيفى بأن الحكم لصالحه وأن الوالى سيعُنف النّوار ويبوخها ، وحدث العكس تماماً ، وفهم الفرزدق السر سريعا فقد جلستْ النّوار مع زوجة الوالى وكانت تدعى “بنت أبى السفانا”وبثت لها الشكوى ،ووعدتها خيراً فكان وعداً مفعولا ، وابتلع الفرزدق الهزيمة ونظر إلى الوالى وأبنائه وأنشد :
بنوه لم تقبل شفاعتهم
وشفعتْ بنت أبى السفانا
ليس الشفيع الذى يأتيك مؤتزراً
كالشفيع الذى يأتيك عريانا!
وفى حكايات “الحمقى” ستجد هذا الرجل “الأحمق” الذى جاء بولده إلى القاضى وهو يبكى : يامولانا إن ولدى هذا يشرب الخَمر، ولايُصلى ، فأنكر الولد ذلك ، فقال أبوه : ياسيدى ، أفتكون صلاة بغير قراءة ؟ فقال الولد : إنى أقرأ القرآن ، فقال له القاضى : اقرأ حتى أسمع ،فقال : علــق القلــب الـربـابـا .. بعدمـا شـابت وشـابـا
إن ديــــن الله حــــق.. لا أرى فيــه ارتيـابـا
فقال أبوه : إنه لم يتعلم هذا إلا البارحة ، لقد سرق مصحف الجيران وحفظ هذا منه!!.
واعترض رجلاً طريق المأمون فقال : أنا رجل من العرب فقال: ليس ذاك بعجب! قال : وإنى أريد الحج فقال: الطريق أمامك نهج!قال: وليست لى نفقة! فقال: قد سقط عنك الفرض!قال: لقد جئتك مستجديا لا مستفتيا!
أبو تقل دمك
للثقلاء الذين تصادفهم فى حياتك من أصحاب الدم البارد الذين لا نطيق مجالستهم ويفرضون أنفسهم علينا، لهؤلاء من المنافقين الذين نلعنهم كلما صادفناهم ولا يتورعون عن ملاحقتنا ، لهؤلاء قصص ونوادر امتلأت بها عشرات الكتب والمؤلفات فى التراث العربى ، وخصص الجاحظ وابن عبد ربه مؤلفات عنهم “الثقلاء والطفيليين” الذين قال الحسن البصرى إنهم المقصود بقوله تعالى :”فإذا طعمتم فانتشروا”، وكان الأعمش كلما رآى أحدهم قال ” اللهم اصرف عنّا العذاب ” ،ويقال أن الخليفة المهدى كان إذا استثقل جليسه ناوله خاتمه ليقرأ النقش المكتوب عليه : ” أبرمت فقم ” ، وأرسل الأعشى فى طلب حجام يخفف عنه ألم الظهر ، فجاء رجل ثقيل الظل كثير الكلام يتدخل فيما لا يعنيه وتفوح منه رائحة كريهة ، فأُصيب الأعشى بالغم والهم وحاول إصرافه لأنه أثقل من الألم ، فلم يفلح فى ذلك وظل الحجّام مصراً على علاجه ، واستسلم الأعشى للأمر ثم سأله فجأة: هل ستؤلمنى تلك المشارط ؟ فأجابه الحجام : لن تؤلمك مطلقاً ، فقال الأعشى إن كان الأمر كما تقول فاعطنى فردة بيضة من خصيتك تكون فى يدى إن أوجعتني أوجعتك ،فهرب الحجام وضحك الأعشى .
وسئل حكيم لماذا يكون الثقيل أثقل علينا من الفيل فقال : لأن الثقيل يقعد على القلب ، والقلب لا يحتمل ما يحتمل الرأس والبدن، وكان أبو حنيفة منهم ثقيلاً رغم علمه وسعة ثقافته ومعرفته ، ومرض الأعمش فعاده أبو حنيفة وهو يعتذر له : لولا مشاغلى لعدتك كل يوم، فقال الأعمش : والله إنك على لّثقيل وأنت فى بيتك .
وسأل أحد الحمقى عمر بن قيس عن حكم الدين فى حصاة من حصى المسجد يجدها الإنسان فى ثوبه أو خفه أو عالقة بملابسه؟،فقال له : أرم بها ،فقال الرجل: زعموا إنها تصيح حتى تعود إلى مكانها فى المسجد،فقال عمر: دعها تصيح حتى ينشق حلقها ،فقال الرجل : سبحان الله ولها حلق يا سيدى ؟!!، فقال عمر : فمن أين تصيح إذاً؟!.
تظلم أهل الكوفة من عاملها إلى المأمون فقال لهم : هو أعدل رجالى، فقال رجل من القوم :يا أمير المؤمنين إن كان كذلك فواجبك أن تجعل لسائر البلدان نصيباً من عدله حتى تكون قد ساويت بين رعاياك ،فأما نحن فقد شبعنا منه عدلا ،فضحك المأمون وأمر بصرفه.
إن ضحكتْ فاسرع إلى كتب التراث (المستطرف فى كل فن مستظرف لأبى الفتح الأبشيهى ، الحمقى والمغفلين لابن الجوزى ،الإمتاع والمؤانسة للتوحيدى ) وإن لم يحدث فعليك بالضحك على منظرى وانا أضحك وحدى أمام سطور سوداء دون أن أعرف تلك براعة القدماء أم حالة هطل !.