وحمادة إمام من الجيل الذى شهد ظهور صحيفة العربى أوائل التسعينات،ومثل باقى جيله كان قد تنقل بين صحف مصر الفتاة وصوت العرب ،حتى استقر منذ سنوات فى صحيفة الشروق وهو يحمل عشرات الملفات التى جمعها خلال كل هذه السنوات،فهو معافر لا يتوقف عن المحاولة حتى وإن فشل بعضها،فهو اختار لنفسه منطقة بعيدة عن الصراعات والضجيج ،لم يترك مجالاً إلا وعمل فيه وكتب عنه ،فقد جرب العمل فى قسم الحوادث وفى الشئون السياسية والحزبية، حتى اختار أن يكون كاتبا سياسيا يحمل وجهة نظره الخاصة حتى وإن كانت مخالفة للشائع وأصدر أكثر من عشرين كتاب ،لكنه قرر أن يختزل كل التجارب السياسية التى عاشها وكان شاهداً عليها إلى عمل روائى ، ففى (شقة لندن) التى صدرت عن دار كنوز يدخل حمادة إمام عالم السرد الروائى بقصة مثيرة تتشابه من وقائع وأحداث حقيقية فهناك خلف الضباب تكونت شركات مصرية ضمت هاربين من أنظمة ومغامرين وباحثين عن فرصة عمل ،ومن تلك الشركات تلك التى أقام معظم رجالها العلنيين والسريين بين جدرانها وشهدت مؤامرات كبيرة وصغيرة وصلت حد القتل مرات ، وبين صراعات رؤساء مجلس الإدارة وبين حامل الأسرار الوحيد ضوى النوبى، تدور الصراعات الشرسة ، وقد خصنا الكاتب حمادة إمام بفصول من الرواية،وقد اخترنا لقراء فودكا هذا الفصل القصير الذى يحمل الكثير من أجواء العمل الأدبى الذى يدخل به حمادة إمام عالم الرواية.
لوحة دفن أتالا جيروديه
شقة لندن
أدرك ضوى النوبي، المشرف على الضيافة واستقبال الزائرين بفرع مؤسسة البناء فى لندن، أن الدور حل عليه، وأجله قد اقترب عندما رأى جثة شريف مهران رجل الأعمال الشهير، والمسؤول السابق عن العلاقات الخارجية بالمؤسسة، ملقاة أمام باب برج “تشارليز” قبل غروب الشمس والدم ينزف من كل جسده ورجال الإسعاف يستعدون لنقله، والشرطة تضرب طوقا أمنيا حول المكان، وتعاين الشقة التى سقط منها، وكان يقيم فيها، منذ استقر ببريطانيا، قبل عشر سنوات بعد استقالته وتأسيس شركة خاصة. وصل ضوى لمنزله بصعوبة وأصيب نجله سليمان بحالة من الارتباك والفزع، لما فتح له الباب وهاجمته كل الهواجس لما رأى وجه أبيه شاحبا والخوف يملاؤه
تركه سليمان ممددا على كنبة الأنتريه ودخل إلى المطبخ، وعاد ومعه إناء بها مياه مبردة وقطع من الثلج وعدد من المناديل، وبدأ يغمس المناديل فى المياه ويضعها فوق جبين أبيه
بدأ ضوى يتماسك واستوى على الكنبة وتوقفت الرجفة فيه، وقبل أن يسأله ابنه طلب منه ضوى على الفور، أن يستعد هو وأخوه للسفر لكندا، وإنهاء كافه اعمالهم بلندن فى أسرع وقت
استقبل سليمان طلب أبيه بهدوء ورسم على وجهه تعبيرات الموافقة، قائلا: أنا محتاج أفهم علشان أنفذ كلامك ولا تغضب منى.. أنت تعرف أن كل أعمالي هنا فعقب ضوى على طلبه، قائلا
لما غادرت القاهرة وجئت للندن بعد وفاة المهندس حسام فارس، أول رئيس مجلس إدارة للمؤسسة التى تأسست أوائل الخمسينيات، تولى بعده المهندس مطاوع الديب رئاسة مجلس الإدارة وقتها كان في ثلاث شخصيات فقط يعرفون خباياها وأسرارها، وكيف نجح مطاوع الديب رغم ضعف إمكانياته ومكانته فى المؤسسة، أن يطيح بكل أعضاء ومساعدى المهندس حسام، فى خبطة واحدة وقد ساعده الأشخاص الثلاثة وهم لؤى نافع وشريف مهران وسميرة حسونة، بطريقة مباشرة وغير مباشرة وبحسن نية أو سوء نية فى إحكام السيطرة على المؤسسة وتغيير وجهتها وفلسفتها فى العمل والتعاون مع مؤسسات كان المهندس حسام ومجموعة المؤسسين الأوائل مانعين وحاظرين التعاون أو الدخول معهم فى اى عمليات او تبادل خبرات، وأنا كنت الوحيد الذى يعرف ما فعله كل واحد من الثلاثة على حدة
شريف لم يكن أول من قتل فى لندن، ولكنه حتى الآن قد يكون آخرهم، فقد سبقه من قبل اثنان ماتا بنفس الطريقة، والاثنان كانا يعملان فى المؤسسة، ولما خرجا من الشركة خرجا وهما يحملان أسرارا ظنا أنها تحميهما من غضب رئيس مجلس إدارة المؤسسة، وقتله مرتبط أصلا بفكرة تأسيس المؤسسة. هذا ما حاول ضوى النوبى إثباته وكشفه لنجله سليمان والذى بدا وكأنه غير مقتنع بما طرحه وقدمه أبوه من معلومات، وربطها بعلاقات سببية بعيدة عن بعضها
كانت وجهة نظر سليمان أن هناك مسافة زمنية بين رئيس مجلس الإدارة، الذى صعد فى عهده شريف «مطاوع الديب»، ورئيس مجلس الإدارة «مكاوى بركات» الذى مات فى عهده شريف، وهذه المسافة تصل إلى عشر سنوات
تمسك سليمان بوجهة نظره، استنفر كل قوى ضوى الذهنية لأن يكشف بالأدلة صحة وجهة نظره وإخراج كل ما يخفية من معلومات كاشفا أن الثلاثة كانوا يعرفون أسرار وحكايات عما كان يدور فى المؤسسة وبعضهم نجح فى الاحتفاظ بأوراق، وكأن هناك من خطط إرسال الثلاثة إلى لندن في رحلة انتحار وخلاص من الحياة
إنه المكان نفسه الذي يتحول إلى مسرح لهذه الحوادث كلها.. الأسلوب نفسه الذي يتبعه البوليس الإنجليزي مع كل حادث.. وكأنه ينفذ اتفاقية بينه وبين أحد يهمه التخلص من أشخاص بعينهم.. المهم أن يرتب وصولهم إلى لندن.. وهنا ينفذ الاغتيال.. ويتولى البوليس الإنجليزي باقي المهمة والتى لا تخرج عن حفظ القضية وقيدها انتحار، وفى أحسن الاحوال ضد مجهول
وبخصوص بعد المسافات الزمنية بين موت الثلاثة، وشكوك ابنه فى الربط بينها عاد ضوى يكشف دليل الربط، وهو عندما قتل مطاوع رئيس مجلس الادارة الذى شهد عهده ميلاد كل الأزمات خلفه، من بعده ساعده الأمين مكاوى بركات الذى جهزه وأعده على عينه فهو كان امتداد له فى
الفكر والحركة
اقرأ أيضًا :
اعتذار علنى للفنان على الحجار بسبب هذا الحوار
رشدى .. المتعة والعذاب بين شفايف كاميليا
وبكى البيانو : وعدتنى أن أموت بين ذراعيها .. وخذلتنى!
يبكى الرجال .. ويصفق الجمهور للنساء !
فلسفة الصبر وتعذيب النفس بتشجيع الزمالك
عن الست زوزو .. وحكايات الحب فى الحى الراقى !
حكاية عم سيد عويس مع التوك توك والميكروباص !
الزمن الوجودى فى أغانى عبد الباسط حمودة!
إيمان البحر درويش والرباط الصليبى
أحمد ونجلاء .. الحب فى عربية إسعاف!