صبرى فرغ يا جميل
والنفس مانعانى
وما دام كتمنا الهوى
يا كتر ما نعانى
عايز أقولك بحبك، بس منعانى
يا هل ترى يا جميل
لو قلت لك تقبل
ولا تسوق الدلال وتسيبنا بنعانى
كلمات : فتحى قورة
ولم يفرغ صبر صبرى فواز ، ظل يناغى القمر ويناجيه ويغازله بخفة روح محمد فوزى ، وإن سأله أحدهم أمتى نشوفك على أفيش فيلم يانجم ،كان يقول : “أنا ربنا محوشنى”. . وإن كان بليغ قدم فوزى لأم كلثوم ، فصبرى فواز جسّد شخصية بليغ على الشاشة مرتين وأصبح لحناً بليغياً خالصاً.
نازك هانم السلحدار
” أنا ربنا محوشنى ” ،قالها صبرى ، وبعد عشرين عاماً صدق الولد النيلى الأسمر الذى يشبه لحن لبليغ حمدى ، وظهر اسمه على أفيش فيلم ” كلمنى شكراً” ،ظل يعافر على مسارح هيئة قصور الثقافة مخرجاً ومؤلفاً وممثلاً دون أن ينسى مناغاة القمر بقصيدة يقرأها علينا فى المساء ربما تفتح أبواب الأمل فى الصباح، وظل يغنى حتى وصل اللحن إلى العظيم الكبير المخرج الراحل إسماعيل عبد الحافظ فأطربه واختار صبرى فواز لدور شريف فى الجزء الخامس من ملحمة ليالى الحلمية التى كانت قد وصلت سقف الدراما العربية بسيناريو وحوار الراحل الكبير أسامة أنور عكاشة .
كان ذلك عام 1990 ، ” شريف ” هذا سيقف بمواجهة الفنانة الكبيرة صفية العمرى ( نازك السلحدار )التى كانت قد أصبحت عيونها نوعا من السيارات يشار إليه هكذا ” عيون صفية العمرى ” ، ولن يقف شريف” أمامها فى مشهد أو أثنين ،بل هو زوجها الجديد الذى ستتحدى به الكبار!، وعليك أن تتخيل كيف ستصل النجمة الكبيرة صفية العمرى إلى الاستوديو وكيف سيصلنا صديقنا الفنان الشاب المعافر صبرى فواز ؟، هى فى سيارتها بالطبع ،وهو فى المواصلات والتاكسيات إن اقتضت زنقة التصوير بالطبع ، لكنها الفرصة الأكبر التى انتظرها على رصيف الأمل طويلاً ،هان كل شىء ، وظل التركيز على الممثل الذى سيقف رأساً برأس وسط كل هؤلاء ،الشاشة لا تسأل كيف جاء الممثل !، ونجح رهان إسماعيل عبد الحافظ ، وكلبشّ صبرى فواز فى الفرصة وتجاوزها ،وتعددت أدواره فى عشرات الأعمال ، كانت كل خطوة تسعد قلوبنا نحن الذين عايشنا تجربته الممتعة فى تحقيق الحلم والسعى بكل ما تملك حتى تمتلك ناصيته ، إنه رهان على نفسك قبل أن يكون على أى شىء آخر ، تعامل صبرى فواز مع التمثيل بروح الشاعر وذائقة المثقف ، فمشى بخطوات محسوبة أمام ضميره الفنى قبل أى حسابات آخرى ، ليس ملاكاً بالطبع ، لكنه يسعى من داخله ليكون قريبا من صورة يرضاها لنفسه .
تعلم صبرى فواز كثيرا من تجربة ليالى الحلمية وربما كانت تعاليمها هى مدونته وبوصلته فى اختيار أدواره ،يشطح أحيانا ويجرب أحيان آخرى ،لكنه لا يبتعد عن البحيرة التى اختارها للعوم والبلبطة والتشليت إن تطلب الأمر.
ليالى التوفيقية
عرفت “صبرى فواز”عام 1990 على مقهى زهرة البستان ، كنّا أبناء جيل كامل من الأدباء والفنانيين والصحفيين قادمين من قرانا البعيدة نحلم ولا نملك شيئا سوى ما نراه مواهب منحها الله لنا نحن الفقراء فملأ قلوبنا بيقين وعزة نفس ،وعوضنا ـ سبحانه وتعالى ـ عما ابتلى به غيرنا من نعيم القصور وفقر الخيال، وتآلفت أرواحنا فى سهرات زهرة البستان التى ضمت مجموعة كبيرة من الأصدقاء ( بهاء عواد وحمدى عابدين وخالد إسماعيل وعلى وعبد اللطيف أبو هميلة وأحمد طه والقائد والمُعلم عزت الفيومى وصبرى السماك وصادق شرشر وأحمد الطويلة وأحمد فؤاد جويلى وخالد حنفى ومحمود خير الله وعشرات مما لا تسعفنى الذاكرة بأسمائهم ، وتوسعت دائرتنا بعد أن انتقلت جلساتنا المسائية من مقهى زهرة البستان إلى قهوة التوفيقية أو (العجاتى ) بوسط القاهرة حيث مجموعة من الفنانيين الشباب آنذاك ( ماجد الكدوانى وضياء عبد الخالق ، وأحمد الصاوى ، ومصطفى درويش ) وكان الشاعر صبرى السيد قائداً يساريا كبيراً آنذاك وعرفناه من وراء أسوار الجامعة وحفظنا قصائد قبل أن نلتقى به على المقهى وقبل أن أقع فى غرام شقيقته وأتزوجها ويصبح هو صديقى وخال أولادى!، ، وكانت سهراتنا تمتد إلى الصباح فى حوارات عن الفن والشعر والسينما والمسرح ولو كان بيننا مؤرخ حقيقى لسجل حوارات تضاهى مناقشات قهوة عبد الله التى جمعت محمود السعدنى ومحمد مندور ونعمان عاشور ومحمد عودة فى الجيزة .
فى تلك الفترة كانت مسارح هيئة قصور الثقافة قد عرفتْ اسم صبرى فواز مخرجا وممثلا ومؤلفا ، وقدم العديد من المسرحيات “حنقول كمان، ايزيس، اللى خايف يروح ، مزرعة الأرانب ،ياسين وبهية ،المدد ،يا ليل يا عين”،وكلها أعمال تحمل طابعا سياسيا وتنحاز لطبقة الكادحين فى الأرض، كان يسهر الليالى وينام على خشبة المسرح ويتقاضى الملاليم ، بينما كانت قبرص ـ وكما تمنح تراخيص الصحف الصفراء والبيضاء والفحولقى ـ تمنح تراخيص تصوير أعمال تليفزيونة موجهة لجمهورالخليج،وانتشرت ظاهرة مسلسلات العلب خاصة أثناء الغزو العراقى للكويت ، وكانت شركات الانتاج تدفع مبالغة طائلة للمشاركين فى أعمال تمجد الزعماء وتروى قصصهم من البطولات الزائفة ،أو فى أفلام ترفع معنويات الجنود الأمريكان فى بغداد بقبلات عربية وبعض المشاهد اللطيفة !، وكنت شاهداً على رفض “فواز” لعشرات الأدوار فى مسلسلات وأفلام من هذا النوع ,فى بعض الأيام كنا ـ نحن أصدقاءه ـ نصرخ فيه كى يقبل دوراً مما يعرض عليه انقاذاً لنا من الجوع وكى ننعم مرة بعشاء فاخر من المشوى والمحمر بدلاً من أمسيات وصباحات الفول والطعمية البطاطس والمسقعة ! ، وكان صديقنا الروائى “خالد إسماعيل” بلهجته الصعيدية المميزة ينصح فواز ساخراً “بص يا اخ صبرى.. الممثل لازم يقبل كل الأدوار فى بداية حياته عشان ينتشر”،وكان صبرى يكمل العبارة : “ويتوغل .. ويتسرب.. ويداهن ويكذب ويدلس “، فنضحك جميعا ونأكل سندوتشات الفول ونقنع أنفسنا بأن الفول أحلى من الكباب! .
وجاءت الأدوار وصبرى فواز يرفض التوغل والانتشار ويفضل عليهما قراءة رواية جديدة او كتابة قصيدة ،مكتفياً بتقديم ما يؤمن به والحفاظ على الحد الأقصى من احترام النفس ، وكانت المحصلة تستحق الفخر “دور بليغ حمدى في مسلسل أم كلثوم وفيلم ( حليم) وأدوار متعددة فى مسلسلات وافلام منها :” الوسية – العائلة – أمرأة من زمن الحب – و حدائق الشيطان – والبر الغربى – ومسألة مبدأ – وامرأة من نار – و الفريسة والصياد – و المصراوية “،” أيام السادات ،مبروك وبلبل – ودم الغزال – وعصابة الدكتور عمر ، دكان شحاتة ” وأخيراً تزين الأفيش باسمه مع خالد يوسف فى “كلمنى شكراً” .
عرابى الديب
“حنين للضى” عنوان ديوان شعر العامية الذى كتب صبرى فواز قصائده قبل ثورة يناير 2011 ، وعندما جاء الضى الذى كان ينتظره ، تفرغ الفنان صبرى فواز للثورة ، تاركاً كل شىء ،قضى أيامها العظيمة فى قلب الميدان متجولا فى شوارع وسط القاهرة التى تحولت إلى شعلة تنير ظلام السنين ، فى الصباح تراه على مقهى الافترايت يتناول سندوتشات الفول ويشرب الشاى ، ثم ينطلق إلى قلب المعركة جنديا مقاتلا ، وفى المساء يستريح فى دار ميريت للنشر وسط محبيه من أدباء مصر الشبان .
لم يجلس “فواز” تحت لافتة “مقر اعتصام نقابة الممثليين منتظراً الفضائيات كى يبيع شوية كلام ،بل راح يتجول بين شوارع قصر النيل وطلعت حرب وشامبليون ومقاهى زهرة البستان والعجاتى و”الأفتر إيت والثلاث كراسى وقهوة رمضان ،يوزع ابتساماته المتفائلة على الورد اللى فتح فى جناين مصر ،هنا فى تلك الشوارع توزعت أحلامه ،وهنا كل الأحلام الجديدة .
انتهت الثورة فى الميدان ، وأطلقها صبرى فواز ثانية على الفيس بوك ، فالذى تحقق على الأرض والدماء التى روت الميدان تستحق أن نحافظ عليها ونحرسها ، ولن يكون ذلك سوى بالتوعية ، والفنان أو المثقف الحقيقى هو الذى يعرف أنه مكلف بدور، وأن الفن رسالة بالمفهوم الكلاسيكى للكلمة.
نسى نجوميته وداس على مصالحه التى تحتم عليخ الكثير من المداهنة ، وعيّن نفسه حارسا للثورة ومكتسباتها ومطالبها ، فراح يصد الباحثين عن الشهرة على حساب دماء الشهداء ،ومع الظهور الكئيب لجماعة محمد مرسى ومع إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، قاد الفنان “صبرى فواز” حملة ترفع شعار “لا ” ، وحتى تصل رسالته إلى أصدقائه ومحبيه كان يبتكر كل ليلة مقولة أو يعيد نشر أخبار تنتقد موقف جماعة الإخوان المسلمين الذين صدموا الرأى العام المصرى وهم يعلنون موافقتهم على التعديلات! ،هو الموقف الذى لم يشاركهم فيه سوى الحزب الوطنى والسلفيين !، وكانت شخصية “عرابى الديب” التى لعبها فى فيلم “كلمنى شكرا” أخر تلك الابتكارات ، ف”عرابى” نموذجا صارخاً للمتاجرين بالدين ، يرتدى عباءة الدين ويسرق الدقيق المدعم ليشارك فى مجاعة المصريين !.، ودارت الأيام كما يحلو لها وجاء عام 2022 ليجسد صبرى فواز شخصية المعزول محمد مرسى فى الجزء الثالث من مسلسل الاختيار.
من كتاب ياجميل ياللي هنا.
اقرأ ايضًا:
متعة ما بعدها متعة