من ذكرياتي: أشرف مصطفى توفيق
(أليفة رفعت) كالعفريت بالنسبة لي أسمع عنها كثيراً ولم أقرأ لها شيئاً وقد طاردتني شهرتها وكتبها المترجمة في السفريتين الوحيدتين لي للخارج .. ولا أعتقد أن سيكون لهما ثالث إلى (ألمانيا وهولندا) فما أن أقول : إني مصري حتى يقولوا لي : تعرف أليفة رفعت أو نوال السعداوي بالطبع كان ذلك في وسط المثقفين من الأدباء!!
وبدأت القراءة لها بثلاث كتب متواضعة جدا في مستوى الطباعة والغلاف، ومتوسطة في عدد الصفحات، وبهما أخطاء مطبعية ونحوية عديدة.. على عكس ما رأيت في الطبعة الألمانية .. الكتاب أنيق وشيك وصفحاته بفنط كبير. وخمنت لماذا حينما كتب الأستاذ “أحمد بهاء الدين” عنها في عموده (يوميات) قال إنه قرأها مترجمة إلى الإنجليزية .. أكيد وجد الكتاب الفخم الضخم ذا الغلاف المصقول!!
وآخيرا… قابلت الأستاذة أليفة رفعت بعد جهد في صباح مشمس، بعد ثلاث اتصالات هاتفية أقنعتها خلالها بنقل المقابلة من نادي الشمس إلى التي هي عضو فيه ل “جروبي روكسي”.. واستمر اللقاء ساعتين بين الريكورد وأكواب الشاي .. والبوح الانسيابي منها .. ولكنه نوع من البوح يحسسك برغم تدفقه أنه بنسبة لا يستهان بها من الخيال .. لعدم ترابطه وأحيانا لعدولها عنه عند الاستيضاح!! ولكن الذي يميزه الجراءة والسرعة في تكسير الحائط الرابع. وبالطبع لم يخل الأمر من حوار عن الجنس ليس لسبب إلا أن النقد الغربي قد صنفها في خانة :(د. ه. لورانس) ومورافيا!! واعتبرها من كاتبات الجنس في الوطن العربي بعد قصتها (من يكون الرجل؟!) .. مع إني بعد قراءة أعمالها باللغة العربية لم أشعر بذلك!! على العموم كان من الواضح أن هذا الأمر لا يغضبها .. بل يروق لها.. بالرغم من ترددها كثيرا بين البوح والإخفاء في بعض المواضيع فتكتفي فيها بمانشت عريض بلا تفاصيل، كأن لديها إحساس بأنها مراقبة .. أو أنها تحت الحصار. بل إن ملابسها وجلستها وحركتها تعكس ذلك .. فهي تضع الحجاب الحديث الذي يخفي الرأس والشعر ولكنها تلبس بنطلوناً ضيقاً!!
بل إنها مع ارتفاع الشمس وعمودية أشعتها خلعت الإيشارب بهدوء وقالت:الدنيا حر، وكمان أنا دلوقت من القواعد!
ثم انها كل 15 دقيقة أو 20 دقيقة تقوم لدورة المياه!! وفي المرة الوحيدة خلال ساعتين التي تركتها بنفس حجتها دورة المياه عدت فوجدتها عبثت بأوراقي..وأدارت التسجيل لتسمع ما قالت!!
ولم تنكر ذلك بل ذكرت عدة وقائع حدثت لها جعلتها حريصة .. خائفة قالت : “تربيت في بيت أبي وزوجته مع ثلاث أخوات، وولدين وكانت أختي الكبرى قاسية وعصبية بصورة مرضية، تسيء معاملتي مثل أبي تماماً وحينما كنت أذهب إلى أمي كانت معاناة أخرى وسجناً آخر. ثم تزوجت وأنا في السادسة عشرة من عمري من رجل يكبرني بسنوات كثيرة؛ كان قاسيا صارما لم أشعر معه بمودة، وكنت أناجي ملك الموت ليلاً يأساً من حياتي، ثم خرجت بعد ذلك من هذه التجربة الأولى للزواج عذراء!!.
تقول: القراء يقومون بالتمييز بين النصوص على أساس الجنس البشري، ويمكن لنا في بعض الأحيان أن نقول أن النصوص إن كان كاتبها أنثى فالقراء يتكالبون على قراءته والإعجاب، به ولو كان حبر على ورق فقط؛ لأنه مدون من قبل أنثى جميلة لها شعر جميل وعيون غزال وفخذين يحلم بهما طول المساء. فينظر إلى الموضوع على أنه بالرغم من جمالها استطاعت صف حرفين؛ وذلك لأن مفهوم جمال المرأة عند مجتمعاتنا ارتبط على طول التاريخ بغباءها. هذا البند الأول من النظرة الأولى للنص من قبل القارىء الذي يحدد النصوص بذكورية أو أنثوية كاتبها. أما البند الثاني فيجب أن أشير أن الإبداع الذي هو منوط بالكتابة إن كانت أنثوية على الأخص يكون على الأغلب محدوداً؛ أي لا تستطيع الأنثى أن تصل بوصفها للجمال إلى ماتريده، أو إذا وصفته فإنها لن تجروا على النشر بشكل واضح وصريح. وذلك لأسباب عديدة؛ إما لأن لها رقابة من حولها لزوجها أو أخ أو أب، أو لأنها تدرك تماما إذا نشرته سيتطلب منها وقتاً وجهداً إضافياً كي تبرهن أنها تكتب فقط لتبيان الحقيقة الإبداعية فيها، وليست لأنها عاهرة، أو تريد أن تظهر معرفتها بأمور خارجة عن الإطار العام للحدود المرسومة أمام الأنثى. فعلى الأغلب تكون المبدعة الأنثى بغنى عن ذلك كله ..ولذا كفرت بالأدب.
تقول: خطفوا مني جواز سفري لإرغامي على السفر لإسرائيل لإلقاء محاضرة أهاجم فيها الإسلام .. بهدلوني .. وعشت أيام رعب وأنقذتني السفارة المصرية (ولكنها لا تقول لك من الذين خطفوا جوازها ما جنسيتهم؟! ثم كيف تدخل إسرائيل بدون جواز سفر؟! ثم ما قصة السفارة؟!
قلت لها: اقسم لك أني سأنشر التفاصيل ولكنها قالت: وبعدين أشيل أنا القرف؟!) وقالت:كل الكاتبات حيموتوا على الترجمة لأعمالهم .. جنة الترجمة متلهفات عليها وعلى دخولها. ولكنهن لا يعرفن أن جنة الترجمة لا يدخلها إلا الكتابات الرخيصة، وسوف تصفعهن جميعا مثلما فعلت معي. لا مال .. ولا أمان ..
لقد ضربني مترجم أعمالي (جونيون دنيس ديفيز) حينما طالبت بحقوقي المادية عن مؤلفاتي؟!
– لقد حضرت مؤتمرًا إسلاميا وأعلنت توبتي عن الكتابة السابقة وقدمت بحثاً عن تعدد الزوجات، قلت : إنه رحمة بنا في زمن الرجل أبو عين زايغة .. بدل الخليلات ..والخلاعة ..وقلة الحياء ..أيهما أفضل أن تضبطي زوجك مع الخادمة أم أن تعرفي أن اليوم .. يوم الزوجة الثانية ؟!
لقد اقتنعت في زمن ألا أمان للرجال، يصبح الزواج من امرأة واحدة مستحيل والحياة مع امرأة واحدة طول العمر مستحيل!! لقد سافرت للكعبة وتبت عن الأدب!!
– مؤسسة غربية طلبت مني أن أكتب رواية عن (الشذوذ الجنسي بين النساء في مصر) .. قلت لهم: هو فيه النوع ده في مصر ؟! (قالوا لي : إني بعت قصة قصيرة لمجلة ” نصف الدنيا ” عن حالة من هذا النوع يمكن أن تكبر وتكون رواية) .. إزاي عرفوا؟! القصة لم تنشر؟! وشعرت بأني قابلتها في الزمن الغلط .. كان يجب أن أقابلها قبل ذلك بكثير. إنها امرأة في رعب وتناقض .. تعيش وفي عقلها الباطن إحساس بالحصار والألم والقهر!! هل يفعل الأدب ذلك بالنساء؟!
وفي الحوار: أنها قد حجت إلى الله .. وإنها حضرت مؤتمرًا إسلاميا كان معها فيه أنيس منصور ودافعت عن (تعدد الزوجات .. في مقابل تعدد الخليلات) – ثم انها أمام الكعبة .. تابت عن الأدب .. إنها حالة جديدة.. التوبة عن الأدب .. بعد التوبة عن الفن!!
ونزل الحوار في الأسواق والتوزيع في : 1 يناير 1996 بمجلة “عيون”، وهى مجلة نثوية شهرية رئيسة تحريرها عائشة ابو النور.
وفى يوم 12 يناير 1996 أطلقت صافي ناز كاظم من (مجلة المصور) صرخة .. فقد كتبت في ركنها الصحفي (إضاءة) (أليفة رفعت: رحلت في صمت) .. كان غريباً أن يأتي النعي من صافي ناز كاظم وهي محسوبة على تيار يختلف بالقطع عن تيار كتابات (أليفة رفعت). ولكن أخلاق صافي ناز كاظم كانت ضد التصنيف والتعليب والتسميات والتجزئة ونشرت: رحلت في صمت في 4 يناير 1996، ونشر نعيها في صفحة الوفيات بالأهرام باسمها الأصلي “فاطمة عبد الله رفعت” فلم ينتبه أحد ..فذهبت من فوري إلى الدكتورة (سامية الحفناوي) أحد أقاربها .. والتي تكتب من حين لآخر مقالات طبية عن الأعشاب والتخسيس وتعمل بوزارة البحث العلمي. قلت لها : أريد أن أذهب لأسرتها للعزاء. وبخاصة أني تعرفت تخاطيفي من قبل على ابنتها.
قالت: هذا مستحيل .. إن حوارك معها .. كان موضوع سرادق العزاء لقد جاء في وقت حرج .
قلت لها : رحم الله أليفة .. ورحمنا جميعا ً .
والآن إلى حواري معها .. أنشره ..
((بدأت الكتابة في الخمسينات وترجمت أعمالها إلى الإنجليزية والألمانية وخمس لغات أخرى. واعتبرتها دور النشر الأوروبية الفرخة التي تبيض ذهباً)) كانت البداية التى وضعتها للحوار
تقول اتنقلت من منزلها للعالمية قبل أن يعرفها القارئ محلياً!! فلا أحد يعرف من هي “أليفة رفعت” إلا بعض المهتمين .. وقليل من الكاتبات اللاتي يرددن الاسم في توجس وحذر. ولكن لا يوجد ناقد تجاسر وكتب عنها حرفاً واحداً وإن كانت كل من: فريال غزول واعتدال عثمان قد ذكرتا عنها شيئا في بعض الكتابات. أما الأجانب فقد قالوا عنها .. وكتبوا .. واعتبروها و د. نوال السعداوي .. الوجه الجديد للمرأة العربية. وقال خبراء الأدب الهولنديون عنها “قصصها لا تقرأ في جلسة واحدة ولكن تدرس على مهل”. وهي ترى انه يكفيها أن أحمد بهاد الدين اعتبرها “أفضل من كتب عن المرأة المصرية حتى الآن في خصوصيتها”. وكتابات أليفة رفعت “.. هي تفجيرات في مقابل الضغوط التي تفرض على المرأة اغترابها عن جسدها، أو تجاهل نوازعه أو التسامي به. قلما قد وضعته في محبرة سوداء “الرجل”! إنها تسأل “من يكون الرجل؟!” ولماذا جعل “ليل الشتاء طويل” لديها!! وهل لابد لحواء أن تعود بآدم؟”
.. وهذه أسماء أشهر مجموعاتها القصصية ..
وتقول : كان لابد أن أكتب عن الرجل والجنس. فقد رأيت أبي يتركنا ويتزوج بأخرى غير أمي. ورأيت خيانة زوج أختي لها ومرضها بسبب ذلك. ورأيت ضياع حبي .. وشاهدت زوجي في فراش الخادمة.
ومررت بأكبر خدعة في قصص الحب والغرام، أن يحبك رجل ليستغلك اقتصاديا !!
تقول: كانت الكتابة فيما يسمونه بالمناطق الخطيرة ضرورة ملحة لي. الحقيقة لم يمر بحياتي ما يعرف أو يسمونه “بالفارس”؛ قد يكون هذا الفارس موجودا ولكني لم التق به وأشك في وجوده كالغول والعنقاء. ولعل الفارس هو الخل الوفي. فبعد كل ما رأيت كان لابد أن أبحث عن سبب خيانة الرجل وما هو الاختلاف بين أنثى وأخرى، ولماذا يتزوج الرجل بأخرى ولديه زوجته وبالمصادفة كانت قضيني الخاصة بظروفي هي أشد قضايا المجتمع والشرق ويسمونها بالجنس.
وأسالها: إذن تجربتك الخاصة .. حياتك .. هي أول ما فجر بداخلك اهتماما بالجنس والرجل فكيف عبرت عن ذلك في أدبك؟!
– نعم حياتي الخاصة في كتاباتي الأولى هي المفجر للكتابة فمثلا قصة “هذه ليلتي”؛ فيها الكثير من حكاية زواجي الأول مع مهندس مناجم كنت لا أحبه، وكان يكبرني وأرغمني عليه أبي ليتخلص من أحد مصائبه. فلقد تركنا ونحن أربع بنات ليتزوج من امرأة عندها خمسة أولاد!! فقاومته مقاومة سلبية لمدة أربعة أشهر حتى طلقت منه عذراء. إلا أني حولت عجزه عن احتوائي عاطفياً في الحقيقة؛ بعجز جسدي في رجولته في القصة لأني مفتقدة لحنان الأب. فاعتبرت أن بداية الرجولة هي القدرة على الحب والحنان وليس مجرد الفراش ..وقصة “عالمي المجهول” وهي أشهر قصصي، لأنها أول ما ترجم لي وجذب الانتباه لكتاباتي هي قصتي مع زوجي ضابط البوليس في تنقلنا وترحالنا مع اعباء وظيفته. وكان مكانها “أجا” حيث تسلمت منزلا ًمهجورا ًليكون مكاناً لنا؛ وبدأت في إعداده. وشاهدت في يوم (حية)؛ وانتابتني رغبتان معاً أقلتها أو أبقي عليها وأتمتع بجمال منظرها. وجاءت القصة إلا أني تعجبت جداً مما كتبته “فريال غزول” عنها في ملتقى الإبداع النسائي الثاني في المغرب سنة 1992 فقد قرأت من النص أني على غير وفاق جسدي مع زوجي وكان ذلك صحيحاً.
وأسالها: إذا كان الأمر هكذا فهناك تجربة أدبية لا أعتقد أن عبرت عنها من قبل أديبة عربية. وهي تجربة الحب بين امرأة وامرأة، إنها ظاهرة في قصة صديقتي وقصة (الحدوتة)، ولها بصمات في قصة عالمي المجهول أيضاً. لأنها العلاقة بين المرأة والأفعى في هذه القصة الأخيرة قال عنها النقد: “إن العلاقة بين المرأة والأفعى قد توحي بنوع من العلاقة السحاقية”!!
تجاوب: هذه التجربة بالطبع لم أعرفها ولم أمر بها. وقصة عالمي المجهول يمكن تصور أن العلاقة بين المرأة والأفعى نوع من الهذيان العصبي المؤقت الذي يصيب امرأة في الغربة، محرومة عاطفياً. ولكنها في الحقيقة تفجير للمكبوت والمسكوت عنه، الكامن خلف قشرة الوعي. أما باقي التجارب السحاقية في أدبي فقد جاءت من أني اهتممت بقصية الجنس ومنها هل يمكن الحياة بدون ذلك الرجل القاسي؟! ولي قصص أخرى تتحدث عن نفس العلاقة بين الرجال وهي قصة “بدرية وزوجها”. وفيها عبارة واضحة قالتها أم جابر لبدرية حينما شكت قالت لها: جوزك ده لو كان امرأة كان زمانه حبل!! وبالطبع كان فيه تنويه لدخول زوج بدرية السجن لمدة طويلة ..ولكني لا أنكر أنني أحببت أختي التي تكبرني بسنة أكثر من باقي أخواتي. ولكن ذلك بحكم ظروف السن والقرب والغرفة الواحدة والدردشة معاً وليس على أساس جنسي. ثم إنه في عالم النساء تجد شيئا من المسحاقة مثل حمام النساء – تبادل الملابس – القبلات عند السلام .. وأعتقد أن مجتمعات الانغلاق والفصل البات بين الجنسين فيها علاقات مثلية. ولكن البعض قال بذلك بعد قصة “صديقتي” على سبيل الكيد الأدبي الذي يحدث في كل الأوساط وليس الأدب والنقد بمنأى عنه.
كيف انتقلت للعالمية ترجم لك دون أن تمري بمرحلة المحلية وتُعرَفي لدى القارئ المصري والعربي؟!
– قصتي مع الكتابة بدأت ولم أكن قد تجاوزت التاسعة .. وكان موضوع التعبير الذي أكتبه يقرأ في جلسة بالفصل. ولكن شراسة أختي الكبرى في معاملتنا وحرصها على أن نكون حفظة للدروس فقط كبتت هذه المحاولات كثيرا، ولم يجعلها تظهر تحت دعاوي أن بنت العائلات الكبيرة لا ينبغي أن تؤلف الأكاذيب والاوهام المسطورة على الأوراق لأن هذا يسيء لها. ثم حدث أن شعرت بحب جارف لتلميذ في الكلية الحربية وفجر ذلك الحب الرغبة في الكتابة. فكانت خطاباتي له حتى إننا قرأنا الفاتحة سويا على الزواج بعد تخرجه. وكان تعجبه مما أكتب يجعلني أكتب بتدفق أكثر. ثم حدث زواجي الأول الذي حدثتك عنه وكيف قاومته سلبياً وخرجت منه عذراء وكان ذلك بسبب هذا الحب وفاتحة القرآن التي بيننا!! ثم تزوجت زوجي ضابط البوليس الذي ادعى أنه شاعر؛ واكتشفت فيما بعد كتاب الشعر الذي ينقل منه ما يكتب!! وبمجرد أن تزوجنا عام 1952 قال لي ليلة الدخلة؛ سيبك من كلام الكتب وعيشي في الواقع. ولكن بعد حادث اكتشافي لخيانته مع الخادمة؛ تركني أكتب حتى نشرت قصة أختي وسر موتها في مجلة “الرسالة” وكان يشرف عليها وقتها “يوسف السباعي”؛ فثار زوجي ثورة عارمة، لأنه خاف أن أحكي حكايته بعد أن حكيت حكاية زوج أختي الخائن. وخيرني بين الكتابة والذهاب إلى بيت أبي، ولأني كنت أماً ولي أولاد وأعرف معنى غياب الأب عن الأسرة فقد عانيت ذلك بغياب أبي عنا؛ وقلت لأبقى معه حتى ولو كان خيال مآته، فإنه يحمي الأسرة من الغربان. وبدأت أكتب بأسماء مستعارة مثل “بنت بنها” “عايدة”؛ وفي سنة 1965 أكتشف زوجي ذلك وأمسك بكتاب الله وحلفت عليه ألا أنشر شيئاً وهو حي .. ووفيت بذلك حتى سنة 1974. ولما حضر المستشرق “دينيس جونسون جيفيز” لترجمة قصة “عالمي المجهول”؛ وجد عندي قصصاً كثيرة فقام بترجمتها ونشرت بالإنجليزية قبل العربية. صدرت مجموعة عن دار هانيمان؛ لذا قفزت من منزلي للعالمية، وما زلت أحاول أن أعرف محلياً فهذا هو الذي يرضى الكاتبة.
– اعتقد إنك ود. نوال السعداوي أشهر الكاتبات معرفة في الغرب وبخاصة ألمانيا وانجلترا فهل هناك اتفاق بينكما وبخاصة إنهم يقولون: إن الغرب يترجم لكما لأنكما تلعبان على وتر الجنس في حياة المرأة العربية؟!
– دعهم يقولوا فأنا لست أكثر الكاتبات ترجمة لهن فهناك كثيرات ترجم لهن ولكني ود. نوال السعداوي من أسبق من ترجم لهن. هناك سلوى بكر ولطيفة الزيات ورضوى عاشور وكثيرات. واعتقد أن هذا السؤال كرر للدكتورة نوال السعداوي وقالت: لا نحن مختلفات – وأنا اتفق معها. واوضح أن الجنس في كتاباتي قضية خاصة وإنسانية؛ أما الجنس في كتابات نوال السعداوي قضية سياسية ومدخل لتحرير المرأة. ياعزيزى أنا أكثر ضعفا ورومانسية وعفوية وصوفية. ولكني رغم اختلافاتنا لا أحب من يصفها بالإباحية؛ لأن الصدق في الأدب والتعبير يجب ألا يوصف بغير الصدق. وجاء وقت الترجمة والتصوف فسألتها عن تجربة الترجمة ود. دينيس ديفيز؟!- كان ديفيز مستشرقاً وعرض علي قراءات دينية متعددة جعلتني أكثر اتجاهاً للدين، ومعرفته. فالحقيقة إني لست من أسرة متدينة، ولم يكن زوجي يعرف كثيرا في الدين، بل إني قلت له حرام الخمر فينظر لي ويسرح! وبشكل غير مباشر تزاوج الإحساس الصوفي لدي مع الدين وعملت حجة وأكثر من عمرة. ولكن ديفيز كان يريد أن تكون رؤيتي للدين في خدمة الأدب وأن أعبر عن المرأة المسلمة العربية المقهورة .. وأحزنني أنه سمى أول مجموعة بالإنجليزية لي “منظر بعيد لمئذنة”. ثم حدث خلاف بسبب تقاربات عاطفية وعلاقات مادية فانتهت علاقتنا للأسف ..فرغم كل شيء أنا لا أنسى له دوره في تكويني كإنسانة وكاتبة. ثم إنه بشكل غير مباشر جعلني بمجرد تركه لي؛ أتوجه للقارىء بأشكال إسلامية في كتاباتي، ورب ضارةٍ نافعة. على العموم قصتي مع العالمية ود. ديفيز أعد لها لتنشر. وقد عرض الدكتور سعد الدين إبراهيم أن يكون النشر لدار سعاد الصباح وأنا أعد أوراقي وأفكر في العرض.
ولكن دعنا نسأل هل نشأ أدب نسويّ أو حتّى أدب رجاليّ متحرّر جسديّا في عالمنا العربيّ. إنّ المرأة العربيّة ومنها المبدعة تتعرّض لقمع ثلاثيّ الأبعاد، وللقمع الجسديّ بالخصوص. قمعها من قبل السّلطة الأبويّة الذّكوريّة، والسّلطة الاجتماعيّة وقمعها لذاتها أيضا. ولئن حضر الجسد في بعض الكتابات النّسويّة؛ فإنّ جزءا منه يعرض للجسد كسلعة للإثارة ولفت الانتباه في نطاق دائرتي الاستلاب، والاغتراب؛ وليس بهدف تحرّريّ إبداعيّ .وعليه فإنّ الجسد الرّوائيّ هو بالنّتيجة محصّلة لسلطة الجسد المقموع والخاضع والمكبوت تاريخا وحاضرا.