هو على وجه التقريب آنية فخارية من العصر الفرعونى، مما تلقاه فى مداخل المعابد القديمة، أو المقابر، حيث برع الفراعين فى شغل الفخار براعية غير مسبوقة، غير ملحوقة، ينتزعونه من لحم النيل الأحمر ويشكلونه فى آنية وأشكال لا حصر لها، ولابد أن هذا الوجه تشكيل فرعونى قديم وإن حمل صاحبه اسم بلدة مقدسة من بلدان الجزيرة العربية. تشكيل على هيئة زلعة أو برنية للسمن أو قدرة – بكسر القاف وتسكين الدال – للفول المدمس، أو طاجن اللبن؛ ربما إلى هذا الأخير أقرب .
هو فعلاً يبدو فى استطالته وشكله البيضاوى أقرب إلى تاج الملك مينا؛ حيث يبدو الشعر الخفيف فى أعلى الرأس كحاشية مشغولة بالدانتيل حول الجبهة الهرمية الضيقة البادية كأرس التاج. المنظار الأسود أسفل الجبهة يبدو كحلية، يرمز بعدستيه لقطرى الوادى؛ ينساب من بينهما أنف أشبه بكوز الذرة المقشور قبل شويه، لكنه مصنوع من حجر كريم ليرمز إلى الوادى الخصيب.
ليكن اسمه سيد مكاوى، لا بأس بل هو اسم جميل ومنسوب لمدينة مكة المقدسة؛ لكن ذلك ليس دليلاً على مصريته الصميمة؛ فالمصريون القدامى؛ إنما هو – بالأحرى – دليل على مصريته الصميمة؛ فالمصريون مغرمون بتقديس المكان، عشق المكان والانتساب إليه عادة مصرية أصيلة أخذها العرب عنهم؛ فليس ينتسب إلى المكان إلا نفوس اعتادت الاستقرار وجبلت على البناء والتشييد، والزرع والتسميد، والحصاد والتوريد، والحب والتوليد، والانفعال والتعبيد. حب المصريين للمكان وانتسابهم إليه ينعكس على شدة إيمانهم بالله وجميع كتبه ورسله، واحتضانهم للدين الإسلامى كأنهم أصحابه الأصلاء، وارتباطهم الوثيق بآل بيت رسول الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وسعيهم إلى الحجيج، وحلم كل واحد منهم بأن يبقى فى رحاب مكة وشعابها إلى ما شاء الله، ويكون محظوظاً سعيد الحظ لو وافاه الأجل فى مكة؛ وإنه لمن التشريف والتكريم أن يكون المصرى مكاوياً ولو بالهوى والانتماء.
ولنفرض أن سيد مكاوى يرجع أصله البعيد إلى مدينة مكة؛ فمكة نفسها مصرية الهوى، وأكبر وأعظم أعلامها – ساكن الجنان فى
الخلد الأبدى – سعى للانتساب إلى مصر فتزوج من مارية القبطية تكريماً لهذا البلد الأمين وإنزاله من نفسه منزلة شديدة الخصوصية .
سيد مكاوى ابن الحارة المصرية حقيقة لا مجازاً؛ هو الحارة المصرية بكل زخمها، وعبلها، وتطجينها، وحلاوة طبعها، وحسن عشرتها ودفء مودتها ، ولذع لسانها الحاد، وانفساح صدرها .
بقيت الخطوة التالية ليوضع سيد مكاوى على أول الطريق الصحيح، أن يغنى أغنية دنيوية حديثة. لم يضع حسن إمام عمر وقتاً، فجلس بنفسه وألف أغنية لسيد مكاوى، وبالفعل قام سيد بتلحينها وغنائها وتسجيلها لمختارات الإذاعة ولكن الانطلاقة الحقيقية لسيد مكاوى بدأت بالتقائه الشاعر صلاح جاهين، الذى قدم له بعض الأغنيات الحديثة بكل معنى الكلمة، فى الفكرة وفى الصياغة. كانت أغنية “أنا هنا يا ابن الحلال”، التى غنتها المطربة صباح، من أجمل الأغنيات التى حظيت بشعبية منقطعة النظير، راجت رواجاً هائلاً بين الشباب من الجنسين، لأنها – من ناحية الفكرة والصياغة كانت تمثل احتياجاً شعبياً يتماهى مع المرحلة التى تمر بها البلاد نحو تغيير اجتماعى جديد: “أنا هنا يا ابن الحلال.. لا عايزه جاه ولا كتر مال .. با حلم بعش أملاه أنا.. سعد وهنا.. وأنا هنا يا ابن الحلال”.
…..
من كتاب :
كتاب “أقمار النيل
وإقراء ايضًا في سيرة الكتب……..البنت الصغيرة التى مسحت دموع سيد مكاوى