حصل إسطورة كرة القدم المصرية، والنادي الأهلي الخالدة «محمود مختار التتش» على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة في العام ١٩٣٤، وكان من أوائل لاعبي الكرة بـ مصر المحروسة حصولاً على شهادة دراسية عُليا، وبات شُغل التتش الشاغل هو إلتحاقه بوظيفه لائقة ومُناسبة لـ مؤهله العلمي والدراسي، ومؤهلاته الكروية
وتردد في الصحافة المصرية التي تابعت حكاية «وظيفة التتش» بـ إهتمام بالغ أن نجم القلعة الحمراء المتوج بحب وعشق جماهيرها الذي يُعتبر واحداً من أبرز النجوم الذين ظهروا على مسرح كرة القدم في مصر عبر التاريخ كان يُحبذ ويـُفضل الإلتحاق بوظيفة في مفوضية «سفارة» مصر بـ لندن
عند دخوله الإمتحانات بدأ التتش يُفكر في الوظيفة، فـقدم لوكاس بك وسليم بك زكي، وهما من مسئولي نادي البوليس القاهري الذي أسسه محمد حيدر بك رئيس مصلحة السجون المصرية في العام ١٩٢٥ عرضـاً مغريـاً لقائد مُنتخب مصر، والنادي الأهلي قبل إنتهاء الإمتحان
عرض نادي البوليس لــ مختار التتش كان وظيفة ثابتة على الدرجة السادسة في الداخلية بمُرتب شهري قدره ١٥ جنيهاً، وهو مبلغ كبير بمقاييس هذا الزمن، لكن إشترط مسئولي البوليس على التتش مُقابل «الوظيفة والمُرتب المُحترم» أن يترك النادي الأهلي، ويتسلم قيادة فريق كرة القدم بالنادي التابع لوزارة الداخلية المصرية
بطبيعة الحال رفض نجم الأهلي الكبير والقدير عرض مسئولي نادي البوليس بسبب الشرط الذي يقضي بتركه الفارس الأحمر بيته وعشقه الأول والأخير، وقال التتش حينها إنه يُـفضل أن يُضحي بكل وأي شئ مُقابل تقدم ورفعة ورقي ناديه الحبيب صاحب الفضل الأول على كل من إرتدي فانلته، ولعب بإسمه
ورغم رفض الإسطورة الحمراء العرض الذي تلقاه من المسئولين بـ نادي البوليس لكن نشرت إحدى الصحف المصرية خبراً يـُفيد أنه سيترك القلعة الحمراء، ويلعب للبوليس الذي عرض عليه وظيفة مُهمة تليق بـ مؤهلاته العلمية، نالت هذه الوظيفة قبول كابتن وقائد الأهلي، ومُنتخب مصر
ولكن مختار التتش خرج وكذب هذا الخبر الصحفي جملة وتفصيلاً قائلاً: «تلقيت عرضـاً بالفعل من نادي البوليس، ولكنني رفضته، فـ أنا لن أترك الأهلي أبداً، فهذا النادي هو الدم الذي يجري في عروقي، فكيف أتركه؟» وهى الجملة الشهيرة التي تحدث بها مراراً وتكراراً في أكثر من موقف عن القلعة الحمراء
وظهرت إشاعة أخرى تقول أن مختار التتش عقب حصوله على شهادة ليسانس الحقوق تحدث بأن على المسئولين بالأهلي من تكثيف جهودهم بـ البحث له عن وظيفه مرموقة ولائقة تقديراً لـ خدماته الجليلة التي قدمها للنادي، وقيل إن إدارة النادي قد وعدته بـ وظيفة في أقرب وقت
وبقية الإشاعة تقول أن التتش شعر بمُماطلة المسئولين بالأهلي، فقرر السفر مع فريق الجامعة إلى بلاد الشام «سوريا وفلسطين» وإنه سيبقى هناك مُدة طويلة في ضيافة أحد أصدقائه، وإذا عاد فإنه سينضم إلى نادي الترام السكندري الذي وعده بوظيفة طيبة، بل وقيل أنه قال إنه سيعتزل الكرة لان النادي الأهلي لم يف بوعده، ولم يحصل له على الوظيفة المطلوبة.
مختار التتش كذب كل ما قيل من خرافات وإشاعات وأكاذيب عن تركه النادي الأهلي بسبب الوظيفة، حيث صرح بإنه لن يترك فريقه، وسيظل إبنه الوفي، وسيلعب دائما بألوانه مُدافعـاً عن تاريخه في عالم الكرة المصرية، ولكنه لن يشترك في مُباريات مُنتخب مصر التي يُنظمها الإتحاد المصري لكرة القدم
فقد وعد حينها مُعظم المسئولين بـ إتحاد الكرة التتش بوظيفة، ولكنهم «رجعوا في كلامهم» عندما عادوا، ورفضوا البحث عن وظيفة لأحد اللاعبين الذين ضحوا كثيراً من أجل البلاد، رغم أن رجال إتحاد كرة القدم قد وجدوا وظائف لـ بعض اللاعبين الدوليين الأقل تاريخـاً ونجومية من محمود مختار التتش
بعد موقفه بـ عدم المُشاركة في لقاءات المُنتخبات المصرية تقدم المسئولين بإتحاد الكرة المصري بالإعتذار إلى نجم النادي الأهلي الأول، وأبرز نجوم مُنتخب مصر في ذلك الوقت، لأنهم لم يقوموا نحوه بالواجب عقب حصوله على شهادة الليسانس مُقدرين كل
التضحيات التي قدمها إلى مُنتخب بلاده
فيكفى مختار التتش فخراً إنه ذهب للمُشاركة مع مُنتخب مصر في نهائيات كاس العالم ١٩٣٤ بـ إيطاليا عقب وفاة والده مُباشرة مفضلاً تلبية نداء الوطن تاركـاً عائلته في أول أيام الحداد
والتاريخ لا ينسى أن التتش فى عام 1924 كان مُرتبطـاً باللعب مع مُنتخب الفراعنة في الألعاب الأوليمبية «باريس ١٩٢٤»، والتي تزامنت مع إمتحاناته في شهادة الكفاءة «المرحلة الأولى من الثانوية العامة آنذاك» ولكنه قرر السفر والتضحية بالإمتحانات رغم رفض والده ذلك الأمر، وقتها تدخل سعد باشا زغلول رئيس الوزراء، وأرسل أوراق الإمتحان إلى المفوضية المصرية في باريس لـ يؤدى مختار التتش إمتحانه هناك
وبعد مجموعة من المجهودات إستطاع مختار التتش من الحصول على وظيفة درجة سادسة عندما عّين في قلم قضايا السكة الحديد، وهي الوظيفة التي بقى فيها عدة سنوات حتى إنه في العام ١٩٣٧ تحدث معه المسئولين بـ نادي السكة الحديد للعب بألوان فريق كرة القدم بالنادي
وكان مُبرر المسئولين بـ نادي السكة الحديد أن التتش هو موظفـاً في مصلحة سكك حديد مصر، وبناء عليه يجب عليه مُساعدة النادي التابع للمصلحة التي يعمل فيها، وعلى هذا الأساس دارت المفاوضات معه، ولكنه رفض مُجرد مُناقشة الفكرة، وإنه لن يترك بيته النادي الأهلي مهما بلغت الأسباب
بعد إلتحاق مختار التتش بوظيفته في قلم قضايا مصلحة سكك حديد مصر إنتقل نائبـاً في مجلس الدولة، ثم تحول للعمل في ميادين رعاية الشباب، حيث تولى منصب المُدير العام لـ رعاية الشباب بوزارة الشؤون الإجتماعية، وسكرتيراً للجنة الأوليمبية المصرية، وعضو لجنة التخطيط بالمجلس الأعلى لرعاية الشباب، ثم وكيل وزارة الشباب، كما عمل التتش كمدرباً لفريق الكرة بالنادي الأهلي، ثم سكرتيراً للعبة، ومراقباً للألعاب في القلعة الحمراء عشقه الأول والأخير