ضاق الحال، ولم يعد للمثقفين صوت أمام هدير الميكرفونات وخطب عذاب القبر والثعبان الأقرع، وكان جيل الخمسينات يشعر بأنه قادم من الجاهلية وأصبح وجوده حراما فى حرام ، ولم يجد توفيق الحكيم طريقة يشارك بها فى تهدئة هذه الحروب المقدسة ضد المرأة وملابسها وهمساتها ولمساتها وهمزاتها ، هاجس سيطر على عقول المشايخ والداعة وانتشر فى كل بقعة على أرض مصر ، فى 1984 جلس توفيق إلى مكتبه ووضع مجلات الأزياء والموضة أمامه وأمسك بالمقص وراح يصمم شكلاً يراه مناسبا للمرأة ويحقق كل الاغراض من الحشمة والأناقة والجمال فالله جميل يحب الجمال ولم يكن للجميل أن يسمح بانتشار القبح على هذا النحو .
انتهى توفيق الحكيم من القص واللزق وكتب مقالا قصيرا جدا كأنه تعليق على التصميمات التى أختارها ، ورفع سماعة التليفون وطلب المحررة (سناء البيسى) النشيطة والأكثر حضورا وثقافة بين جيلها من الأهراميات، وصعدت الكاتبة الصغيرة إلى برج الدور السادس حيث مجالس الكبار، وما أن جلست حتى قدم لها الحكيم قصاصاته ومقاله القصير، وراح يتحدث إليها عن مستقبل مصر إذا ظلت قبضة التطرف تتحكم فيها، ورحل الحكيم وبقيت القصاصة وكلمات الحكيم فى دولاب سناء البيسى منذ 1984 .
يقول توفيق الحكيم فى الكلمة القصيرة التى نشرتها سناء البيسى مع قصاصاته :
نص مقال الحكيم:
الزي الإسلامي للمرأة
جاء في الإسلام أن والكفين .. أما بقية الجسم والشعر فيجب أن يبقى مستورا …
الزى الإسلامى هو ما لا ينبغى أن يكشف من جسم المرأة إلا عن شيئين فقط : الوجه
وعلى هذا الأساس نجد في هذه الصور ما تنطبق عليه هذه الشروط : فالجسم مستور كله إلا ما يقتضى بعض التعديلات : ففى صورة المرأة ذات القبعة يمكن أن يوضع على الراس
ما يشبه : الطاقية ، النسائية عندنا . كما أن الساق المكشوفة يمكن إطالة الثوب حتى يصل إلى الحذاء ويغطى جزءا منه .. اما صورة المرأة عارية الراس فيمكن تغطية شعرها بطاقية أو نحوها .. مما يناسبنا .. فإذا قال
متامل في هذه الصور إن هذه الملابس يبدو عليها غلاء الثمن والتكاليف، ولا تناسب الطبقات ذات الدخل المحدود، فالعلاج سهل وهو أن تتصرف باختيار القماش من النوع الرخيص .. ولكن المهم أن يبقى التفصيل فيه حسن الذوق مع عدم الخروج على شروط الإسلام . أما التنطع بفهم الإسلام على أنه إخفاء المرأة في لباس قبيح مزعج يجعل المرأة مشوهة ومنظرها مخيفا وشخصها كريها .. فهو ما لا يمكن أن يكون الإسلام السمح قد قصد إليه .. فالإسلام الذى جاء فيه : ( إن الله جميل يحب الجمال ، لا يمكن أن يرحب بالبشاعة ويدعو إلى القبح .. كل ما يشترطه الإسلام هو البعد عن الإثارة .. والابتذال .. فالجمال في ذاته من حيث النظر والمظهر مطلوب مادام بعيدا عن الإسفاف وعن إثارة الغرائز .. وكل ثياب يستر جسم المرأة ويحافظ على احترامها وفضيلتها ويرتفع بذوقها ويبعدها عن المواطن المبتذلة والنظرات الرخيصة الوضيعة ويظهرها بمظهر السمو والاحترام هو بدون
ريب مطلوب وحلال في نظر الدين…
والرأى الشيوخ الدين الأفاضل .
جميل