حتى الحلقة الخامسة نجح خالد صلاح في كتابة شهادة ميلاد جديدة لمعاوية ليصبح ابنا شرعياً له دون غيره. فهذا الذي يتم تقديمه في حلقات ملسلسة وبإنتاج ضخم هو معاوية ابن خالد صلاح!! وليس في ذلك تقليل ولا تعظيم، وليس فيه امتداحا ولا ذماً. إنما وصفاً لدراما مكتوبة وهي تلهث على ورق الدشت، تماماً كما يحب خالد صلاح أن يصنع الخبر، وكما جعل منه بوابة صنعت مجد صحيفة وموقع تحمل اسم (اليوم السابع) كان هو مؤسسها مثلما سيكون ابنه الجديد مؤسسًا، ليس مهماً الدراما، وليس هناك ما يدعوه لكي يتوقف معك ليقول لك ماذا يقصد ولماذا. فيكفي أنك تلقفت الخبر المكتوب بسرعة لاتخلو من نباهة وذكاء!! في الحلقة الأولى كان المطلوب هو تسجيل لحظة ميلاد (معاوية) والظروف المحيطة آنذاك، فها هو أبو سفيان وها هي هند بنت عتبة وها هي دعوة محمد تظهر وتثير قلق قريش. فندخل في النصف الأول من الحلقة إلى غزوة بدر، وقبل أن تنتهي الحلقة تكون غزوة أحد قد انتهت ومعاوية في مراهقته ويرى انتصار قريش فيها انتصاراً زائفاً. وقبل أن تنتهي الحلقة يكون معاوية قد أصبح شابا، وهاهو يتوضأ على مهل بينما نسمع من بعيد (من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن) وتنتهي الحلقة وقد تم فتح مكة. في السنة الثامنة للهجرة، بينما كان ميلاد معاوية قبل الهجرة بخمسة عشة سنة!! بما يعنى أننا شاهدنا أحداث 23 سنة!.
في الحلقة الثانية، سيخبرك خالد صلاح بأن معاوية أصبح في أول صفوف المسلمين، وقد تزوج وماتت زوجته الأولى، وتولى إمارة الشام. وفي الثالثة سيقول لك كيف كان الصديق أبو بكر يعتمد عليه سواءً بسواء مع خالد بن الوليد. وفي الرابعة سيخبرك خالد صلاح بأن ابنه (معاوية) يصمم على فتح قيسارية رغم أسوارها المنيعة. وفي الخامسة سيخبرك خالد صلاح بأن ابنه نال رضى الفاروق عمر بن الخطاب. وأن الخليفة الثانى رفض الاستماع إلى كل الشائعات التي ملأت المدينة عن ثراء معاوية في الشام وملابس الملوك الفاخرة التي يرتديها. وسيمضي الخليفة الثاني بنفسه إلى الشام ويرفض معاوية الكذب على الفاروق ولا يستمع إلى نصائح مستشاريه، ويصر على الخروج لمقابلة الخليفة بملابسه الفاخرة التي تثير حنق المرافقين للفاروق. لكن معاوية يُقنع عمر بن الخطاب بأن هيبة الأمير في الشام تختلف عن هيبته ومظهره في المدينة، فقد اعتاد أهل الشام على هيبة الروم. ويقتنع الفاروق سريعا، ويشم الورد الذي يملأ حديقة معاوية ويرحل عائداً وهو يوصي معاوية بأن يهتم بالرعية كما يهتم بأزهار حديقته الغنّاء. وسُيقتل عمر في المسجد، ويختار الصحابة عثمان بن عفان الذي رُجحت كفته على كفة على بن أبى طالب. وعندما يعلم معاوية بنبأ تولي عثمان يعلن عن قلقه من فتنة قادمة؛ لأن المدينة اتسعت لكثير من أبناء الأمصار التي دخلت الإسلام. وتنتهي الحلقة الخامسة على هذا النحو من الإخبار اللاهث الذي نال منه مقصده وأطال في إخبارك بذكاء معاوية وحنكته.
الخبر، ها أنا ـ كخالد صلاح ـ أخبرتك بكل أحداث هذه الفترة، سواء كنت تعرفها، أو تعرفها بتفاصيل آخرى!! فهذا لا يعنينى!! أنت جئت لتقرأ الخبر عندي لأنه ليس عند أحد آخر، فلتقرأ ولا تنتظر سوى ما أكتبه في شهادة ميلاد ابني.
بهذا المنهج الواضح الصريح، تعاملتُ مع دراما معاوية؛ فوفق تلك الرؤية التي وصلتني، جاءت أخبار فترة زمنية طويلة جداً كبر فيها الابن معاوية. فكل ما مضى حتى الحلقة السادسة ليس هو المهم على الإطلاق، لكن الدراما كلها تبدأ من خلافة عثمان التي ستبدأ في الحلقة السادسة. وإلى أن يصل خالد صلاح بابنه إلى تلك المرحلة ستكون لنّا وقفات طويلة. ولكن دعّنا الآن نرى ملامح معاوية ابن خالد صلاح على ضوء ظهوره في الحلقات الخمس التي تم عرضها حتى الآن.
البطل هو لجين إسماعيل، ولم يسمح الورق المكتوب له حتى الآن بالبقاء في الذاكرة بمشهد مؤثر أو إظهار لإمكانياته كممثل يقدم شخصية بهذا الثقل. حتى مشاهد الدراما التي كان يمكن التركيز عليها ليظهر كممثل ـ وليس كمخبر ـ تم دهسها تحت وطأة الخبر. فقد كان مرتبطاً عاطفياً ونفسياً في طفولته بشقيقته (رملة) التي أعلنت إسلامها وهاجرت إلى الحبشة. كما كان حائراً في مراهقته بين ما يسمع عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبين كراهية أمه وأبيه وعائلته بأجمعها لكل من آمن به!! كما ماتت زوجته الأولى، وتزوج شقيقتها وأنجب منها ولداً مات صغيراً برفسة حصان هائج. ورغم كل هذه الأحداث الدرامية التي كان يمكن استغلالها في تقديم الأبعاد النفسية لمعاوية إلا أن دراما الخبر والإخبار كانت المسيطر، واكتفي المخرج بإسقاط دمعة كلاسيكية من عينيه وهو يواسي زوجته بعد رحيل صغيرهما!.
لكن وسط كل هذا الجري واختصار الزمن في مشاهد متتالية؛ نجد معاوية يتوضأ على مهل وينوي الصلاة على مهل. ونجد أمه هند بنت عتبه وهي تستسغفر وتتوب وتتلو الآيات القرآنية قبل موتها في مشهد يعادل نصف مشاهد حلقة كاملة.
شخصية على ابن أبى طالب التي يجسدها إياد نصّار لم تظهر بعد، وإن كان التمهيد لها قد بدأ في الحلقة الخامسة وهذا هو الطبيعي فمن المفترض أن نرى ملامحها في الحلقات المقبلة.
لا نتحدث عن تصحيح أخطاء تاريخية؛ ولكن نتحدث عن معاوية ابن خالد صلاح الذي يريد تقديمه لنا. كما لا نتحدث عن مراجعة شخصية (رملة) شقيقة معاوية التي ظهرت كطفلة هربت من بيت أبيها تحت إغواء سحر محمد!! وعندما يذهب عمرو بن العاص لتأليب الحبشة على محمد وأصحابه يطلب منه أبو سفيان أن يعود وفي يده (رملة)!! في حين كانت رملة قصة طويلة، فتاة أسلمت في بيت الكراهية للرسالة المحمدية، وهاجرت مع زوجها الذي ارتدّ وتركها وحيدة. فتزوجها النبى صلى الله عليه وسلم وهي الشهيرة بين آمهات المؤمنين بأم حبية التي أنجبتها من زواجها الأول. كل هذا وأكثر لا يهم ولا يشغلنا؛ فنحن بصدد معاوية جديد وسنتعامل معه على هذا الأساس. ولن نحتكم إلى مراجع تاريخية، ولا موسوعات إسلامية؛ فقط سنتعامل مع شخصية مصنوعة على عين خالد صلاح. وليس في ذلك مبالغةً، فاسم خالد صلاح في حد ذاته يثير الجدل في الوسط الصحفي والإعلامي. فكأنك تدخل إلى عمل درامي قبل أن تشاهد عملاً تليفزيونيا. فها هو كاتب كان ملء السمع والبصر وصنع تجربة كبيرة واستثنائية في الصحافة المصرية يختفي طويلا، وتثار حوله حكايات وقصص منها هذا المسلسل الذي أُعلن عنه رمضان الماضي 2024 وهاجت الدنيا ولم يعرض!! فهل تم العرض هذا العام بعد عودة خالد صلاح إلى الحياة الصحفية المصرية في منصب رفيع؟
أضف إلى كل هذا اسم (معاوية) وما يحمل من حكايات وقصص في الوجدان الإسلامي ـ الشيعي والسني وما بينهما من عشرات الملل والنحل ـ ناهيك عن تجسيد الصحابة وما يصاحب ذلك من جدل وخلاف يضمن للعمل تواجداً على السوشيال بسرعة القذف عند مراهق تراوده هند رستم في أحلام اليقظة!.
وقد نجح خالد بكل هذه الأجواء المصاحبة أن يكتب شهادة ميلاد ابنه (معاوية)، وسيجبرك مع صناع العمل على الاهتمام بما جرى وكان في تلك الفترة. ستعيد تصحيح الأخطاء وتهاجم المبالغة في الديكورات العالمية والشموع الأوربية، لكنك ستعترف بمولد معاوية ابن خالد صلاح على كل حال، خاصة مع إعلان مخرج المسلسل طارق العريان الانسحاب والمطالبة برفع اسمه من التترات بعد عرض الحلقة الأولى فقد أصبح الابن خالصا لوالده الشرعي (خالد صلاح ).
غريب أن تستيعين جهة الإنتاج (إم بى سى استوديوز السعودية) بخالد صلاح كاتباً لسيناريو مسلسل بهذه الحساسية وتلك الضخامة الإنتاجية ( 100مليون دولار). كان بإمكانها أن تستعين بكاتب سيناريو معروف أو لديه تجارب سابقة كإبراهيم عيسى مثلا، فلماذا خالد؟.
سأقول لك في البداية إن (خالد صلاح) ليس كاتب المسلسل بمفرده؛ فعلى يساره الكاتب محمد اليساري، وعلى يمينه الكاتب بشار عباس، وهو ملك النص تقريبا. ربما كان كلاهما ماهراً في السيناريو والحوار، لكن إيقاع الخبر يحتاج صحفياً نابهاً يضبط الإيقاع. يطيل الخبر هنا، ويحذف منه هناك. ونجح خالد في أن يكون هو ـ وليس غيره ـ صاحب شهادة الميلاد الجديدة لمعاوية، وسيكون لمعاوية بن خالد صلاح الفضل في عودة تجسيد الصحابة على الشاشة بعد أكثر من عشرين سنة من التحريم والتحذير والتخويف.
هل نعود ثانية إلى محتوى الحلقات الخمس؟ وهل نحتاج؟ بعد كل ما اتفقنا عليه؟
معاوية حتى الآن شخصية تتحرك وتقود المعارك وتتحدث بسرعة؛ لكي تخبرك كمُشاهد بما جرى من أحداث عاشها مع الخلفاء الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان). ومن المفترض ـ حسب الأحداث ـ أننا من الحلقة السابعة سنكون على مشارف الفتنة وتلاطم أمواجها. ولاشك أن معاوية سيظهر كتقرير مطول وليس كخبر سريع ولاهث. وربما نتمكن مع الوقت أن نرى معاوية ابن خالد صلاح الذي بذل جهداً خبريا مرعبا ومهولاً ليخبرنا ببداية حياته أو نصفها الأول في خمس حلقات، اختصر فيها الكثير من الدراما ومن الشخصيات ومن أشكال الصراع ودهاء المؤامرات. فلاشىء يربطك كمشاهد بتطور صراع صغير أو كبير بين شخصيتين، أو بصراع نفسي تعاني منه شخصية من تلك الشخصيات المسكونة بالدراما. وليس ذلك مهما كما اتفقنا؛ فمن المؤكد أن الأحداث القادمة ستكون عواصف من كل هذا الذي نريد. على أنني وبشكل شخصي راض تماما عن شهادة ميلاد معاوية ابن خالد صلاح المكتوبة في ست حلقات لاهثة. ولكننى لن أداعب ابن خالد صلاح ولن أحنو عليه حتى وهو يقدمه لي على طبق من حلويات الإضاءة وجماليات الديكور ورقة الصوت ونعومة الحركة.. لكنني سعيد وأنا أشاهده يحاول جذب انتباهي بشخصيته الجديدة، وسنتوقف معها ثانية بعد أن تنضج وتدخل منطقة الألغام الشائكة.
أصدق ما قرأت حتى اليوم عن هذا العمل: معاوية بن أبي خالد صلاح.