بقلم ريم صالح لوحة شهرزاد للفنان إدوارد ريتشل
“بيتي وكر الأكاذيب الفادحة التي بينتها عن عمد، أكذوبة أكذوبة”
في الاقتباس السابق من درة تاج أعمال الطيب صالح الكاتب السوداني الأشهر “موسم الهجرة إلى الشمال”؛ يبرر فيه مصطفى سعيد بطل الرواية الكذب، ويمهد فيه الطريق أمام إحدى ضحاياه “إزابيلا سيمور” لتصبح إحدى غزواته الجنسية كانتقام الشرق من الغرب. هذا الوكر المتخم بأكاذيب حسية من روائح الصندل والند، ورماح وخناجر معلقة؛ لأكاذيب معنوية سرت لجسدها في حكايات عن صحاري وحيوانات وهمية لا وجود لها إلا في مخيلته.
عرضت الكاتبة ميسون عبد الحميد بعض ملامح صورة النساء في أدب الطيب صالح من منظور نسوي ما بعد استعماري في كتاب يحمل نفس العنوان صادر عن دار حابي. لتعرض فيه الكاتبة السودانية وجهة نظر جديدة في أدب الطيب صالح؛ المتميز أصلا بالتماهي ظاهريا مع الاوهام سواء من الشرق تجاه الغرب أو العكس. فيجعل القارئ يسير في طريق ثنائي الاتجاه، لمنحه فرصة رؤية وجهة النظر الأخرى لعل وعسى تتحطم أوهامه.
ففي طرح ميسون عن الشخصيات النسائية في أعمال طيب صالح، بالرغم من أنها كانت مسرحا لغزوات جنسية؛ إلا أن هذا الطرح ليس بطرح شرقي كما هو متعارف عليه ويماثل أساطير الغرب عن الشرق الساحر الشهواني. بل نكتشف أن الاتسام بالشهوانية في أعمال صالح كان من نصيب النساء الغربيات مثل (إيزابيلا سيمور – شيلا غرينود- جين مورس- ميس روبنسون). في المقابل نجد الشخصيات النسائية السودانية على النقيض من الرؤية الغربية للمرأة العربية كمغوية وخائنة؛ يعرضها الطيب صالح في صورة المرأة ذات الارادة القوية والعزيمة التي لا تقهر. وهذا متكرر مع شخصية (حسنة – نعمة- فاطمة بت جبر الدار-حواء بت العريبي) فكلهن نساء غير عاديات، قويات، مؤثرات. كلهن كن عوامل مؤثرة للتغيير في مجتمعاتهن وذوات نظرة إيجابية للحياة حتى في تلك القرى النائية. ومع كونهن مؤثرات لسن ك”مؤثرات” هذه الأيام؛ فرغبتهن وقيامهن بالتغيير في مجتمعاتهن لم يصاحبه أي إنفلات ولا تفريط.
في “حريم الطيب صالح” يمكن للقارئ إعادة النظر بعين أخرى في معاني كثيرة .. شرق/غرب.. مرأة/رجل.. تحضر/محافظة. كتاب صغير حجما .. كبير قيمة ..ولنا معه عودة.
حريم الطيب صالح من منظور نسوي ما بعد استعماري – ميسون عبد الحميد – مركز الفال التخصصي وحابي للنشر والتوزيع