لوحة للفنان برويجل وليمة العرس
عجيب أمر السيدة نيفين الكيلانى فأنت لا تعرف إن كانت تنوى الاستمرار فى منصبها أم أنها تعيش مرحلة انتقالية وتنتظر نهاية مرتقبة قبل أن تبدأ؟!،ولا أعرف لماذا انتابنى هذا الشعور عشرات المرات تجاهها ربما كنت مخطئا ، لكن هذا آراه ، فهى تمتلك رؤية بلاشك ، وقد انتظرت ذلك من أغسطس 2022 ومع توليها منصبها، إذ كان حدثا سعيداً أن تختار القيادة السياسية سيدة ثانية فى منصب وزير الثقافة فقد جاءت نيفين خلفا لإيناس عبد الدايم فى تقليد لطيف وجميل أن تأخذ المرأة المصرية المثقفة مكانتها التى تستحق ،فنحن بناة الحضارة ونساءنا شركاء مجدنا، وتهللت أسارير التنويرين والحالمين من أمثالى السذج ، ممن لا تجمعهم علاقة من قريب أو بعيد مع الوزارة ودهاليزها، فلم يكن هناك خلاف سابق ـ أولاحق ـ مع السيدة إيناس عبد الدايم ،لكن اختيار فتاة الباليه وزيرةً، كانت فكرة تستوجب الحلم بمستقبل مشرق لوزارة تتعفن يوما بعد يوم ، وكانت خلفيتها الفنية والثقافية تشير إلى أننا على موعد مع وزيرة من طراز جديد ومختلف ،فإلى جانب دراستها للفلسفة وكتابها عن فن الرقص فى عصر النهضة الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة ،تتميز بهدوء وثقة وروح شابة تنبىء بتغييرات مقبلة .
ومن حسن طالعى أو سوئه لا أعرف ، تلقيت فى يناير 2023 دعوة هى الأولى فى تاريخى الصحفى للمشاركة فى مؤتمر أدباء الأقاليم بالوادى الجديد ،وتوقعت حضورها رغم الشائعات التى تؤكد أنها لن تحضر، وقلت إنها لن تفوت الفرصة الثمينة وستأتى إلى هؤلاء الذين يستحقون زيارتها فى بداية عهدها معهم، هؤلاء هم الأكثر احتياجا لمظلة وزارة الثقافة التى فشلت طوال سنوات وعهود أن تمنع عنهم حر الشمس ووحل المطر ،كنت واثقا فى ذكائها فهذا المؤتمر السنوى هو أزمة الثقافة المصرية وعارها إن كنا نريد الحقيقة ، فقبل كل مؤتمر لأدباء مصر فى الأقاليم تبدأ حملات تسول واسعة النطاق من المحافظة التى ستقوم باستضافة المؤتمر وأدبائه المتنوعين والمختلفين والقادمين من كل أقاليم مصر ، ويحسبها المحافظ مع نفسه بطبيعة الحال ، ويكتشف أن الثقافة كلام فارغ وتكاليف على موازة المحافظة فيتهرب بلطافة أو ذوق أو يقدم ما يستطيع ، ولكل محافظ الحق فى ذلك بالطبع ، فقد جرب غيره استضافة مؤتمر مماثل ولم يعد عليه ولا على المحافظة بأى نفع أو زيادة فى استثمار أو حتى توطين وتسكين شباب فى المحافظات النائية ، لاشىء يحدث سوى أن المحافظة تستضيف مؤتمرا وتصرف عليه بمشاركة وزارة الثقافة طبعا ثم ينتهى الأمر بكلمة يقولها سيادته فى الافتتاح وبصور متناثرة لمسؤلين يحضرون الزفة ويعيش الأدباء يومين زى الفل وكل واحد يروح بيته ونبدأ بعد كده ندور على محافظة جديدة نتسول إلى مسؤليها وهكذا كذا حدوتة تتكرر بسيناريوهات مختلفة وتبقى الأزمة ( المزمنة) التى كانت تحتاج وجود السيدة الوزيرة فى أول لقاء لها مع هؤلاء الذين يستحقون الاستماع إليهم .
فى حفل افتتاح المؤتمر وبعد كلمات الترحيب من حمدى سليمان ومسعود شومان ،جاء الدور على السيد المحافظ اللواء محمد الزملوط الذى صعد بحيوية مقاتل كبير ـ كان يوما رئيسا لأركان الجيش الثانى الميدانى ـ ولم يقرأ من كلمة مكتوبة ، لكنه بلباقة فائقة استأذن القائمين على المؤتمر وعلى رأسهم الكاتب محمد سلماوى ليفتح حواراً مع القاعة ويجيب على أسئلة الأدباء ، كان يعرف أن داخل كل هؤلاء سؤالا عن المحافظة الواسعة جدا والتى لا يسكنها إلا عدد قليل من البشر، عن كل هذه الخدمات المتوفرة للثقافة من قصر شاهق للثقافة ومكتبة عامة شاسعة ومركز استكشافى يضم مقتنيات وتراث المحافظة ، ومعبد هيبس العظيم الذى يحتاج إلى تنشيط ثقافى كبير ، وعن التمور ومشروع زراعة المليون ونصف المليون نخلة الذى أطلقة الرئيس عبد الفتاح السيسى ، كان المحافظ يعرف أيضاً أن كثير من هؤلاء يفكر فى الانتقال للعيش هنا فى هدوء الوادى ، فطرح مشروعا عظيما عن إمكانية دخول المؤسسات الثقافية كشريك فى شراء الأراضى للراغبين للاستثمار والإقامة على أرض الوادى ، مؤكداً أن المحافظة تضمن كل التيسيرات لذلك.
قبلها كان السيد المحافظ يستقبل بنفسه الكاتب الكبير محمد سلماوى وتفرغ تماما لاستقبالنا جميعا فيما بعد، وانتهت أيام المؤتمر ولم تأت السيدة الوزيرة الشابة ،وخسرتُ أنا الرهان على ذكائها ، وخسرت هى كثيراً بغيابها عن لقاء المحافظ ، فالرجل يبحث عن الثقافة لترويج زراعة النخيل واعتماد الوادى عليه كأهم منتج اقتصادى لها ، بل ويطرح فى حديثه للأدباء رغبته فى تأسيس جائزة ثقافية لهذا الغرض تحتفى بالنخيل بعد اعتمادة من اليونسكو كمنتج عربى ،ويدعوهم إلى العيش إن أرادوا، فهل هناك فرصة أعظم للثقافة وللوزيرة من تلك!.
ممنوع من النشر
عموما عدتُ من المؤتمر وفى جيبى تقريرا صحفيا لملحق أهرام الجمعة بتكليف مباشر من المشرف عليه آنذاك الكاتب والصديق محسن عبد العزيز،فرغم أننى اعتذرت لوجود الكاتب أسامة الرحيمى الأجدر بكتابة التقرير لخبرته فى حضور مؤتمرات أدباء الأقاليم، إلا أنه أصرّ، وكتبتُ ملاحظاتى على المؤتمر وكيفية توفير موارد له من خلال اتفاقيات مثل التى طرحها اللواء محمد الزملوط ،نبذة عن معظم شعراء الوادى الجديد وعن وجود كاتب كبير فى قامة محمد سلماوى وغياب الوزيرة الشابة ، وفى ليلة صدور الملحق تم إلغاء الصفحة وحتى هذه اللحظة لا يعرف الكاتب محسن عبد العزيز المشرف على الملحق من الذى ألغى الصفحة التى كان ينتظرها أدباء الأقاليم من الأهرام أعرق مؤسسة صحفية فى الشرق الأوسط ! ، وأُسقط فى يدى ليس لمنع تقرير صحفى عن مؤتمر لأدباء الأقاليم ، ولكن لأننى سألتزم الصمت احتراما للمؤسسة التى أعمل بها ، ولم يسعنى إلا الإعلان على صفحة فيس بوك عن منع نشر التقرير من دون ذكر تفاصيل ،وتفضّل زملاء وأصدقاء بنشر التقرير فى عدد كبير من المواقع الصفحات ، وكانت الحكمة التى خرجت بها تقول بأن السيدة الوزيرة خط أحمر لدى رقيب مجهول لم نعرفه حتى اللحظة ، فقد أنكر الجميع مسؤليتهم عن عدم النشر ، وانتهت القصة التى أعيدها لا لشىء سوى للتأكيد على أن كل شىء تحت سيطرة الوزيرة وأن كل انتقاد حتى لو كان حسن النية سيتم حجبه وحذفه ،و هذا ما لم يحظ به وزير ثقافة من قبل ، ومن الواضح أن الرقيب الذى يقوم بذلك يتمتع بذكاء كبير فهو لا يقصد منع نشر مقالات عنها ، ولكنه يريدها أن تعمل بعيداً عن الضغوط الصحفية كى تقوم بمهامها الكبيرة لإعادة رونق الثقافة المصرية ، وهذا حسن إن أضفنا إليه تهارش الأدباء والمثقفين وتربص بعضهم البعض وتناحرهم كى يصل الواحد إلى حنة وزارة الثقافة ورعاية فخامتها لمجهوداته الأدبية ،فهناك أكثر من 90 فى المائة من مثقفى مصر أعلنوا سرا وجهرا عن استعدادهم لخدمة مصر من خلال (منصب ثقافى ) كبير أو صغيرأو حتى متوسط يضمن للسيدة الوزيرة عطاءً منفتحاً ومنبطحا كما ينبغى ،وقد تحقق كل ذلك للسيدة الوزيرة فى فترة قصيرة جدا بل إن بعض العاملين تحت قيادتها أصبح له رعايا ومريدين من المثقفين والأدباء وقد قرأت على صفحة شاعر خمسينى عبارات تمجيد وتفخيم فى رئيس هيئة الكتاب الدكتور أحمد البهى جعلتنى أتساءل : ماذا سيكتب لو أن السيدة الوزيرة تعطفت عليه بسلام عابروصورة سيلفى!، نهايك عن التقارير الإخبارية لمحررى وزارة الثقافة فى الصحف والمواقع والتى تبدأ عادة بعبارة تقدير (افتتحت معالى الوزيرة .. زارت معالى الوزيرة ) ،كل ذلك يشيع فى قلبى الفرحة بهذا الاحترام والتبجيل والتقدير والإجلال لمكانة السيدة الوزيرة والعاملين معها عند معظم مثقفى المحروسة المتواجدين تحت النظر فى الصحف والمجلات والمواقع والمتنتديات والمقاهى والأروقة المتتدة ،فماذا ينقصنا كى لدينا وزيرة متفرغة للابتكار والتجديد وكل هؤلاء تحت يديها ، كل وزارات مصر تتعرض للانتقادات والهجوم والقيل وفتح الملفات إلا وزارة الثقافة التى حصنها المثقفون والمحررون الثقافيون من كل رجس وشيطان رجيم.