لوحات هند عدنان
في عالم الأدب، هناك أصوات تخترق الزمن لتصل إلى القلوب، وماريا زاتورينسكا هي واحدة من تلك الأصوات التي حملت بين أبياتها مزيجًا من الحنين والجمال والبحث عن الروحانية. شاعرة أمريكية من أصل روسي، استطاعت أن تحجز لنفسها مكانًا في قائمة الشعراء الكبار، رغم أن اسمها قد لا يتردد بنفس قوة معاصريها. فكيف صنعت زاتورينسكا هذا المجد الأدبي؟
ولدت ماريا زاتورينسكا في 12 سبتمبر 1902 في كييف، المدينة التي كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية الروسية. في عام 1910، هاجرت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة، هربًا من الاضطهاد السياسي والاقتصادي. كانت نيويورك الوجهة الجديدة، حيث نشأت في بيئة صعبة، لكنها لم تمنعها من التميز أكاديميًا وأدبيًا. درست الأدب الإنجليزي، وكانت مولعة بالشعر منذ سن مبكرة، متأثرةً بالرومانسية الإنجليزية والشعراء الرمزيين الفرنسيين مثل بودلير ورامبو. وفي وقت لاحق، تزوجت من الشاعر الأمريكي هوراس جريجوري، الذي شاركها شغفها بالكلمة، وكانا معًا من أبرز الأسماء الأدبية في عصرهما.
درست الأدب الإنجليزي، وتأثرت بالرومانسية الإنجليزية والرمزية الفرنسية، مما منح قصائدها عمقًا فلسفيًا ولغويًا خاصًا. في عام 1938، حصدت جائزة بوليتزر للشعر عن مجموعتها ” سماء الصباح الباردة Cold Morning Sky“، وهو إنجاز جعلها من الأصوات الشعرية المميزة في الأدب الأمريكي.
تميز شعرها بالتأمل في العزلة، الفناء، والجمال الروحي، مع لغة غنية بالتفاصيل والصور المستوحاة من الطبيعة والأساطير. رغم أنها قد لا تحظى اليوم بشهرة واسعة، إلا أن إرثها الأدبي لا يزال حاضرًا في الدراسات الأدبية، خاصة في مجال الشعر النسوي والحديث. كانت زاتورينسكا تؤمن بأن الشعر ليس مجرد ترف، بل وسيلة لفهم العالم، ولهذا تركت وراءها أعمالًا مثل ” العتبات والموقد Thresholds and Hearth ” والمرآة الذهبية The Golden Mirror، التي لا تزال تعكس روحها الباحثة عن الجمال وسط فوضى الحياة.
ماريا زاتورنيسكا ..
للفصولِ (For the Seasons)
مُتَّقِدَةٌ بين الدِّفءِ و البُرُودَةِ
في طَقسٍ رَبِيعيٍّ حَنُونٍ
تَرَكتُ يَدِي المُتَوَتِّرةَ تَحتَضِنُ ما استَطَاعَت جَمعُهُ من الحُبِّ.
تَهِزُّ الرَّغبَةُ فَرعًا
من كُلِّ شَجَرةٍ مُرتَجِفَةٍ
فالحُبُّ كالانهِيَارِ الجَليِديِّ
يُدَمِّرُنِي.
الآنَ مُشرِقٌ في الهَواءِ
أثَرُ الحُبِّ السَّاطِعِ
فهو أكثرُ ما يُمكِنُنِي تَحَمُّلهُ
أُكَبِّلُ شَعْرِي المُتَطَايرَ.
دَع العُشَّاقَ الآخَرِينَ يَرقُدونَ
تحتَ تِلكَ الشَّجَرةِ العَظِيمَةِ
ذات الفَاكِهةِ الغَنِيَّةِ المُدْهِشَةِ
واصنَعْ ثِيَابَهُم :
أدِرْ نَظَرتَهُم المُشْتَعِلةَ
نحوَ ذلكَ الكِتَابِ
الشَّاسِعِ العَمِيقِ
ذي الأحرُفِ المُرَصَّعةِ بالنُّجُومِ،
الذي تَتَجَاوَزُ معَانيِهِ الرَّائعةُ
الأعَرافَ والتَقَاليدَ
مُجرَّد لحّظةٍ ليس أكثر
الأماكِن (Places)
أرَاكَ جَالِسًا هُنَاكَ
على دَرَجٍ حَجَرِيٍّ.
على شَعرِكَ الذَّهَبِيِّ
سَقَطَ الهَوَاءُ المُتَيَّمُ.
كَانَت الأَزهَارُ حَمرَاءَ للغَايَةِ
على بَابِ كُوخِنَا؛
غطَّى الأَرضَ الضَّوءُ الدَّافيءُ،
انتَشَرَ و تَدَفَّقَ.
كَانَ اللَّبلاَبُ أسوَدَ جِدًّا،
والأزهَارُ حَمراءَ جِدًّا.
لقَد ذَبُلَت على الجِذْعِ
كَيف أتَذَكَّرُهَا.
هل تَتذَكَّرُ أَيضًا ؟
السَّمَاءُ كَانَتْ زَرْقَاءَ للغَايةِ.
عَينَاكَ كَانَتا أكثَر ذَكاءً.
(وحدَهُمَا كَانَتا صادِقَتَين)
كُنا نَتَجَوَّلُ جِوَارَ البَحْرِ
مُهتَدِييْنِ بِنجْمٍ مَحظُوظٍ
مَعرُوفٍ في العُصُورِ القَدِيِمَةِ
كَم كان مُدهِشًا أن نَتَنَفَّسَ الهَوَاءَ.
لَقَد سَئِمتُ جُدرانَ الكُوخِ،
ِشَجَرَةَ البَلُّوطِ شَجَرَةَ الطُقسُوس
سَئِمتُ تَسَاقُطَ الثَّلجِ،
لم يَكُن هُنَاكَ مَكَانٌ للذِهَابِ إلَيهِ.
لقَد سَئِمتُ الأزرَقَ والأخضَرَ،
المَطَرَ البَارِدَ والنَّدى،
كَم كَانَت الأَزهَارُ حَمرَاءَ
في ذَلِك المَمَرِّ الضَّيقِ
الذي اعتَدْنَا الِّلقاءَ فيه
حَيثُ التَقَينَا مَرَّاتٍ كثيرةً.
المشْهَدَ المُتَعَرِّجَ المُتَوَاري
سَئِمتُ كُلَّ شَيءٍ إلَّاكَ.
الأسرُ الغَريبُ (Strange Captivity)
لن تُغَادِرَ أبَدًا
برغم أنَّني ألقيتُكَ
بَعِيدًا عَنِّي مِرَارًا،
شَاردٌ كَشَبَحٍ
غيرُ مَدفُونٍ بِقَلبِي.
تَتخَلَّلُنِي من الخَارِجِ والدَّاخِلِ
بشَفَافِيةٍ ورِقَّةٍ أولًا
ثم أكثر دِفئًا وقُربًا وعُمقًا
تَتَسلَّلُ إلى نَومِي.
ثُمَّ أعلى فأعلى،
حتى يُهَدِّىءَ دَمِي أنفَاسِي
عَزِيمَتُكَ.. إرَادَتُكَ القَوِيةُ
يَتَجَاوَزَانِ جُدرَانَ المَوتِ.
الشَّبحُ ذُو العُينيْنِ المُتَوَهِجَتيْنِ،
أنهَى الحَياةَ دَاخِلِي.
اسمَحُوا لي أنْ أُخَلِّدَ
أَسْرِي الغَرِيبَ.
لن يَقرَأَ أحدٌ ذلك في أفكَارِي
لا يَترُك ذلك أثَرًا لتَوَتُرٍ في دَمِي،
ثِمَّةَ كَلِمَاتٌ أُبِيحَت للمَطَرِ
لن يَلتَفِتَ أحَدٌ إلى التَّفَاني
ثقب المفتاح لا يرى – ترجمة سارة حامد حواس – بيت الحكمة