قرر السيد بيدرو تيسانو كتابة الحقيقة وفرقعة البلالين المنفوخة فى الجاكتة والبنطلون فنفخوه وأغلقوا الصفحات فى وجهه، والسيد بيدرو تيسانو مواطن برتغالى لا يملك سوى موهبة التأمل فى بلاد الكرنفال فقد كان الغباء يزدهر حوله فى ذلك الوقت، وهنا (قرر أن يقوم فى هذه الأرض الطيبة بحملة من أجل أنصار (الذكاء )، بدأ بمهاجمة أدعياء الأدب والفن، أصبح شرسا يرعب الطلاب الذين يودون أن يصبحوا شعراء، والسطحيون الذين يوقعون المقالات الأساسية فى الصحف ..كل الناس فى هذه
المدينة مثقفون ،كل حاصل على البكالوريوس هو بالضرورة كاتب!.. الطبيب الذى يكتب بحثا عن مرض الزهرى يطلقون عليه، على الفور، شاعراً!، والقضاة يطلقون على أبحاثهم آراء أدبية !!، ولم توات أحد الشجاعة لمناقشتها.. لكن “بيدرو تيسيانو ” فعلها، وهنا بدأت الصحف تقفل أبوابها فى وجهه شئيا فشيئا”.
أما “بيدرو تيسيانو ” فهو أحد أبطال رواية ” بلاد الكرنفال ” للعبقرى جورج أمادو الذى كتب هذه الرواية وهو الثامنة عشر من عمره! مش كده بس، اشترط على الناشر عدم ترجمتها لأى لغة سوى البرتغالية التى صدرت بها عام 1931، وتحت إلحاح من أساتذته وأصدقائه سمح جورج أمادو بترجمتها إلى الإيطالية بشكل استثنائى وفى عيد ميلاده فقط !، حتى حصلت دار جاليمار الفرنسية على حقوق الترجمة عام 1990
طبعا دى ما كانتش رخامة من “جورج أمادو” يعنى، لكن هو كان شايف إن الرواية عن البرازيل بكل ما عاشته من فقر وجوع وقهر وأنه كتبها لكشف كل هؤلاء المتاجرين بالأديان وبالأخلاق وبالفضيلة الذين يتنقلون من المدينة “ريو دى جانيرو” إلى الأقاليم المجاورة بالقمصان اللامعة والعطور الفاخرة .. والمناصب ، كان صغيرا جداً على كل هذه الجرأة وكل هذه الأفكار الكبرى التى تبدو ساذجة للبعض ، لكن جورج أمادو راهن على الخسارة وأصبح فى قلب الشعب بجوار بطلهم الخالد ” بيليه “، فشهرتهما متوازية، فلم يخذلهم ” أمادو” مثلما ظل بيليه رائحة الكاكاو كل صباح ومساء للبرازيليين.
لم يصل “جورج أمادو” أو (الطفل من حقول الكاكاو) إلى قلوب الجماهير بسهولة، فقد أحرقوا رواياته فى عام 1938 لأنها تحمل تحريضا ضد النظام، كان فى السادسة والعشرين من عمره (مولود فى 1912 ) وجمعوا أعماله فى العاصمة (ريو دى جانيرو) وأشعلوا فيها النيران، فلم يهتم ولم يعبأ وظل وسط الصبية الصغار فى حقول الكاكاو يستمع إليهم ويكتب عنهم، لكن المطارادات لم تتوقف وسجنوه وعاد عضوا بالبرلمان.. لتكتمل صورته التى تمناها لنفسه منذ بدأ كتابة روايته “بلاد الكرنفال “.. ليصبح هو “زوربا البرازيلى”.
وأنا تعرّفت على أعماله فى التسعينات بفضل الصديق دودة الكتب حمدى عبد الرحيم الذى نصحنى بقراءة روايته “باهيا ” بترجمة عفيف دمشقية، وفى أثناء جمع مواد كتابى “المثقفون كرة القدم” عام 2010 اكتشفت علاقة جورج أمادو بكرة القدم التى وجد نفسه بجوار نجمها العالمى بيليه قبل أن يراها متعة الصبية وسط الشقاء،عظمة البرزايل تسكن بين أقدام الموهوبين، هكذا يقول:”اننا شعب مخلوق لتلك اللعبة وهى مخلوقة لنا هى تسلية الفقراء ومتعتهم .. الفلاحون،عساكر الجيش، لاعبو الكرة، المجرمون هم أبطال رواياتى”
ولأمادو وقفة أطول قريبا فى فودكا .