حتى عندما تنقض كوحش كاسر على كتابات الذين أحبهم ،لا أغضب منها،صدمتنى فى صوت نجاة ،وفى رواية موسم الهجرة إلى الشمال ،وضحكتُ من كلامها عن أمل دنقل، وأحببتها فى كل ذلك وأكثر،فهى طفلة كبيرة قبل أن تكون كاتبة متفردة بلاشك،دخلتْ بقلمها فى بطن أكبر تخين فى الثقافة والفن ، لم تحشر رأيا فى حلقها ،فالسيدة صافى ناز كاظم ـ هكذا تُحب كتابة اسمها وتغضب ممن يخطى ويشبك الياء فى النون ـ أقول لك إن السيدة صافى متعها الله بالصحة والعافية ليست فقط صاحبة عبارة التوك تك الشهيرة “الغى رحلتى ” لكنها الأكثر موهبة ،وشراسة، وتقلبا ،وتحررا ،وتشددا ،وتحولاً ،وتغيراً وتحيراً!، هى مجلد كامل فى تاريخ الثقافة المصرية من الصعود والهبوط والإقلاع والإسراع والتشليت والضرب باللكمية،هى الساخن والبارد والسخيف فى أحيان كثيرة ،مثل تلك الأحيان التى تهب منها فجأة فتلعن الطيب صالح وتعتبر روايته موسم الهجرة إلى الشمال عملاً مقززا ! ، أو خشن لشاعر كبير!، فهى لم تستسغ من قصائده سوى “البكاء بين يدى زرقاء اليمامة ، ولا تصالح” ، وبالطبع لها كل الحق فى قول ما تريد فمازال أمل دنقل باقياً بكل حرف فى قصيدة ، لكنها ذكرت أسبابا غريبة لعدم استساغتها لقصائده ،فقالت أن أمل كان ينشر قصائد سمجة فى الكواكب وأنها هاجمت هذه الأشعار فكرهها أمل وبادلته الكراهية لدرجة أن حواراً احتدم بينمها فقذفت الشاعر الكبير بكوب من الشاى الساخن !!
الحقيقة أن الكل خاف صافى ناز كاظم !، وكله عمل نفسه من بنها خشية لدغاتها ،إلا كاتب واحد هو”فهمى عبد السلام” الذى أرسل لمجلة الهلال رداً عنيفا فى سخريتها الموجعة دفاعا عن صديقه الراحل الكبير أمل دنقل، ومع ذلك وغير ذلك لا تستطيع سوى الإعجاب بشخصيتها المركبة تركيبا مبدعا فى حقيقة الأمر .. فلم ينكسر لها أنف أو يُكمم لها فم ، هى التى قدمت للثقافة المصرية والعربية شاعرا ومترجما مرموقا هو ممدوح عدوان مثلا ، وساهمت فى شد قوام المثقفات المصريات عبر أجيال مضت بمواقف صلبة ،وأتمنى أن تكتب مذكراتها حتى لا نتسول المعلومات من أصحاب الغرض ، فالغرض مرض ، وصافى لها تاريخ سياسى لا يقل أهمية عن تاريخها الثقافى ،فقد شاركت لطيفة الزيات ونوال السعداوى زنزانتهما واشتبكت مع عشرات من مثقفى عصر السادات وظلت وجودا مخيفا لكل المدلسين فى عصر مبارك .. تصعد نيرانها وتتجّبر أحياناً وتتجاوز خطوطها الحمراء والصفراء وقتما تحب .. تناطح أفكارها القديمة وتعتقد فى الحجاب بعد المينى جيب ، ترفض مصافحة الرجال بعد رحلات طويلة فى بلاد الله بصحبة رجال ،تحب أحمد فؤاد نجم وتلعن أيام عبد الناصر ، فهى حُرة ،حتى فيما يصدر عنها من أفكار تبدو رجعية ، فهى تعبر عن نفسها ومزاجها الخاص ولا تخضع لأفكار غيرها فلم تُداهن مسؤولاً ولم تجالس أصحاب المناصب الثقافية ،ودفعت ثمن مواقفها عن طيب خاطر ،هذا ما أتصوره عنها حتى هذه اللحظة من يناير 2021 إذ قفزت إلى ذهنى وقت كتابة هذا المقال الذى أعيد نشره بعد ثلاثة أعوام وصافى كما هى بفضل الله ، وسأحتاج وقتاً أطول لقراءة تلك الشخصية الفريدة حتى فى جنوحها وجنونها وحريقها ورهبة الكثيرين من طلتها طوال هذه السنين .. متعها الله بالصحة والعافية ، لكننى عثرت على مقال قديم كتبته عن كتابها البديع (تاكسى الكلام ) ونُشر بالأهرام الرياضى عام 2002.