ولم تأخذ سيجارة فى كتب تاريخ مصر تلك المكانة التى أخذتها سيجارة الست برلنتى التى أشعلها لها المشير عامر! ، تقول برلنتى: ..وأخرجتُ سيجارةً ولم أجد معي ثقابا فإذا بعبدالحكيم عامر يخرج ولاعته رغم تخفيه ويشعل لي السيجارة، قلت وأنا أنظر إلي وجهه علي ضوء الولاعة: أنت تشبه عبدالحكيم عامر .. فعاد إلي مقعده وغرق فى الضحك”.
الكاتب حنفى المحلاوى يؤكد الواقعة فى كتابه فنانات فى التاريخ السياسى ، ويضيف : هكذا تعددت اللقاءات حتي وصلت إلي نقطة اللاعودة حين أخبرها برغبته في الزواج منها، وبالفعل تم له ما أراد وأنجب منها ولده الأخير .. رغم أنه كان في ذلك الوقت متزوجا من غيرها وله عدة أولاد من تلك الزيجة.
وينقل حنفى المحلاوى عن الكاتب الصحفى عبدالله إمام : (..وكان هذا هو اللقاد الأول بين المشير عامر وبين السيدة برلنتى .. وفى هذا اللقاء وقع حادثان كان لهما تأثير كبير علي مسيرة علاقة المشير بالسيدة برلنتي .. تلك العلاقة التي انتهت بعقد زواج عرفى وقع عليه حسن عامر ومصطفى عامر شقيقا المشير في أوائل عام ١٩٦٥.
الحدث الأول: إن السيدة برلنتى عبدالحميد أسهمت فى التخفيف عن معاناة المشير وأزمته النفسية، بالحديث عن التناقضات الثانوية التي وقعت بين مصر وسوريا .. وقد بهرت كلمات السيدة برلنتي المشير حيث همس في أذن الجالس إلى جواره أن هذه السيدة مثقفة جدا وازداد إنصاته إليها.
أما الحدث الثانى: فكان سينمائيا عندما أخرجت السيدة برلنتي سيجارة سارع المشير بتصرف الجنتلمان بإشعال السيجارة بعود ثقاب وظل يتفرس في وجهها .. وكانت بداية القصة الطويلة التي شهدت نهاية المشير.
وعلي أية حال .. وأيا كان شكل تلك البداية، أو توقيتها.. المهم وبعد فترة صارت الفنانة برلتي عبدالحميد زوجة شرعية لأول نائب رئيس جمهورية لمصر بعد الثورة الذي كان في الوقت نفسه القائد الأعلي للقوات المسلحة والشريك الثاني في ثورة ٢٣ يوليو .. وباتت بذلك شاهدة علي معظم الأحداث السياسية في مصر في الفترة ما بين أعوام ١٩٦٠ وحتى رحيل المشير عام ١٩٦٧.
أما سيجارة سهير المرشدى فلا علاقة لها بالسياسة ولا بالشهرة ، فهى سيجارة كان يمكن للفنانات أن يظهرن بها وكان يمكن للزوج الفنان أن يحاور زوجته الفنانة ويتناقش معها فى قضايا فكرية وبينهما سيجارة فيقرأ الجمهور الحوار ولا يعلق على السيجارة باعتبارها فضيحة وترند وأوعى الأخلاق يا جدع!،كما كان يمكن للصحافة أن تكون على المستوى من النضج والمغامرة فى تقديم شكل صحفى جديد كان يقوده عمنا كمال النجمى رئيس تحرير الكواكب فى هذا الوقت ، سيجارة تعبر عن مرحلة من تاريخ مصر الاجتماعى والفنى والصحفى أيضا، وتنقل الفرق الكبير بين جمهور السوشيال فى هذا الزمن الأغبر الذى اعتاد اصطياد السجائر وكؤؤس الخمر والأسورة الفضة والساعة الذهبية !، وبين معنى الحوار وأهميته ليس فقط لأن الزوجة الفنانة تقوم بدور الصحفية ولكن لطبيعة الأسئلة ،فهى لا تسأل عن عدد النساء فى حياته قبل الزواج ولا عن شىء يخص شغل النسوان ،ولكنها مشغولة بما هو أهم فقد قرر كرم مطاوع السفر إلى إحدى دول الخليج فى تلك الفترة من منتصف السبعينات ، وكان واضحاً إصراره على القرار ، وهنا سألته الصحفية : هل هو هروب ؟ فيجيب : ليس هروبا ولكن سيطرة القطاع الخاص وتراجع مسرح الدولة وتحول الفنان إلى سلعة .. كل ذلك يدفعنى للسفر بعيدا، لكن الصحفية تلاحقه بالسؤال : إن لم يكن هروب فماهو إذن ؟، فيجيب بعصبية : احتجاج .. رفض .. ، وتزداد العصبية فيشعل سيجارة ويعزمها على سيجارة فتطلب قهوة ، ويضحكان ويعود الحوار للحديث عن مسرح الستينات وكيف عاش كرم وسط فنانين كبار يحترمون جمورهم ولا يشاركون فى مهازل من أجل الفلوس ، ويعود للعصبية من جديد : أنا مش ها اعمل حركة مسرحية بنفسى ، فتسأله : لماذا لا تعمل فى القطاع وتقدم ما تريد ؟
فيضحك من كلامها ، ويأخذ هو مكانها ويسألها كصحفى عن أدوارها وكيف تختارها وهل يتدخل زوجها فى الاختيار .. وينتهى الحوار الذى التقط المصور سعيد عبد الحميد هذه اللقطات منه .. بسيجارة سهير وكرم .