جنون الرقص للفنان حامد ندا
إن قلنا إن شعراء مصر من جيل الثمانينيات يعيشون أزمة وجودية منذ ميلاد قصيدتهم فى أجواء تفجير اللغة التى تركها شعراء السبعينات ،فإن ذلك لن يعطيك ملامح محددة عن قصيدة هذا الجيل ،فكل ما كان فى وسعهم يا ولداه هو إزاحة طلاسم السبعينات وغيومها الداكنة التى كتبت الشهرة لقصيدة فاروق جويدة وأحمد تيمور، ربما كان هذا مدخلا جيدا لتبرير غياب عشرات من أبناء هذا الجيل عن الساحة ، بل وسقوط أضعاف هذا العدد فى وسط الطريق ، فلم أعثر على دواوين متناثرة فى مكتبتى مثل تلك التى وجدتها لشعراء جيل الثمانينيات الذى يصعب على المتابعين إحصاء عددهم ،وأنا جمعت ما استطعت من دواوين ،وكلما اقول هذا يكفى أجد شاعرا تائها فى المكتبة فأضمه إلى أشقائه غير الرسميين ،فلا شىء يربط بين كل هؤلاء سوى مصائر غريبة ومدهشة ، فبعض شعراء هذا الجيل ظهر متأخراً للغاية رغم حجم موهبته وإبراهيم البجلاتى نموذجا، وبعضهم كتب الرواية ونسى هو شخصيا أنه أصدر أكثر من ديوان وهؤلاء بلا عدد!، على أن ما يخصنى بشكل شخصى هو صدى بعض أسماء هذا الجيل تحديدا،فأحيانا يتكرر اسم شاعر مئات المرات قبل الأكل وبعده وفى ندوات معرض الكتاب ومجالس النميمة ، لكنك لا تجد قصيدة واحدة تتذكره بها ، وقد حدث معى أن سمعت أسماء تتردد باعتبارها جزء من تجربة الشعر فى الثمانينيات، ومنهم اسم السماح عبد الله الذى يتكرر كثيرا ، كنت اسمعهم يقولون (السماح عبد الله ) وجذبتنى موسيقى الاسم ،وكلما نسيته سمعت شخصا يذكر الاسم ،وظل الحال هكذا حتى حصلت على ديوانه وحشرته فى المكتبة وجاءت تلك اللحظة المهببة التى سحبته فيها ديوان بعنوان (متى يأتى الجيش العربى )صادر عن دار التلاقى للكتاب عام 2009 ،وهوعبارة عن قصيدة واحدة ساذجة ، وبالطبع لا يصلح ديوان كهذا للحكم على تجربة شاعر ،لكننى لا أريد حكما ولا إضافة ،واكتفيت به ، وطلبت السماح وسحبت من المكتبة ديوان ( مرايا نيويورك ) لسمير درويش وتعجبت لأمر هذا الشاعر الذى لا يصدق أنه شاعر جيد على أقل تقدير، فهو يقدم نفسه ـ أو يتم تقديمه ـ كمصمم للأغلفة بهيئة الكتاب! ، أو رئيس تحرير مجلة ميريت الثقافية ، لكن أحداً ـ بما فيهم سمير درويش ـ لم يخبرنا بأنه شاعر جيد للغاية بدليل أن قصائده أعجبت رجلاً عاديا يركب المواصلات العامة ويأكل السندوتشات ولا يعرف سمير درويش معرفة شخصية،وأنا لا يعجبنى العجب ولا الصيام فى رجب فعلا خاصة فى الشعر لا أعرف مازورة معينة لقياس درجة الشاعرية لكننى أقول: هذا حسن يا أشرف.. فيؤكد أشرف على كلامى !، ربما كان الصعود إلى الله هو الذى أعجبنى! ،يقول سمير درويش فى قصيدة مرايا نيويورك
حين أصعد إلى الله فرحا
ستكون فضّت آثار النوم عن جفونها
وارتدت فستانها الأصفر القصير
ذا الياقة الحريرية السوداء
وانتهت من إعداد فنجانى قهوة
بسكر قليل
ستكون استأجرت كوخا من بيوت الشعر
محمولا على أكف العذروات
وأخطرت الله أننى رفيقها الأبدى
حين أصعد
سأكون مرهقا من كتابة الشعر
لن أبحث عنها فى أحلامى كلما نمت
أو أخاف من البرد فى الفصول كلها
ساكون ضوءاً.
وهذه قصيدة كافية لإعجابى الخاص ،من دون أن يكون ذلك فرض رأى على القارىء وغير القارىء من النقاد والشعراء، ومع دورانى فى قصائد ودواوين سمير درويش الكثيرة جدا والتى علمت أنه طبعها فى مجموعة كاملة ، أقول لك أن تجوالى فى دواوين (الرصيف الذى يحاذى البحر، ) جعلتنى اكتشفت عوالم بصرية مذهلة من ثقافة تشكيلية يتمتع بها هذا الشاعر وتكاد تلّون معظم دواوينه وتضيف طعما مميزاً لقصيدته
(فستانك الأزرق) تضيف إعجابا أكثر :
لست متأكدا أننى الرجل الذى سيختار فساتينك
ويكتب على ذيولها قصائد ملتهبة
فى خواتيم السهرات العائلية
أو أننى الرجل الذى سيختار أغنية للصباح
كى تردديها قبل أن ترتدى تاييرا محافظا
يناسب أستاذة جامعية
وجدت نفسى أمام تجربة حائرة ومتذبذبة ،فأحيانا تبلغ ذروة جماليات الصورة الشعرية التى يمتلك سمير درويش موهبة تشكيلها وأحيانا تهبط مجردة جافة ، وهذا فى مستوى الدواوين المختلفة التى عثرت على كثير منها وأمدنى شاعرى الموهوب والمقرب إلى وجدانى (أحمد المريخى ) بعدد منها ،وكان من الواضح الوفرة التى ينشر بها الشاعر فقد صدر له عن هيئة الكتاب وحدها : (الزجاج ،موسيقى لعينيها وخريف لعينى
يوميات قائد اأوركسترا ) .